ضعف التسويق يعيق عبور الدراما العراقية حدودها المحلية
دخلت الدراما العراقية في الماراثون الرمضاني بأعمال متنوعة يحاكي بعض منها قضايا اجتماعية وأخرى تتحدث عن أهوال الحرب، فيما تناولت أخرى قضايا المجتمع العشائري.
ولم تغب المسلسلات الكوميدية التي ظلت حاضرة بشكل رئيس في المشهد الرمضاني العراقي منذ أعوام طويلة، إذ تميز هذا الموسم بالتنوع وظهور أسماء جديدة من الممثلين الشباب، فضلاً عن الإنتاج الذي ضم شركات عراقية وعربية .
وأوضح بيان نقابة الفنانيين أن "النقابة هي التي أجازت نص المسلسل بحكم اختصاصها وفحصته وتابعت مراحل إنتاجه وبث حلقتيه الأولى والثانية ولم تجد أي إساءة لمفاهيم شعبنا العراقي وقيمه وأعرافه".
ودعا البيان الموقع من قبل نقيب الفنانيين جبار جودي العبودي إلى مغادرة ما وصفة اللغة المتشنجة، "نطالب من أصحاب التصريحات بإيقاف عرض المسلسل وهو في حلقاته الأولى مغادرة اللغة المتشنجة ولسنا أقل وطنية منهم، بل إننا حريصون كل الحرص على عدم التعرض للإساءة لتقاليدنا وموروثنا الشعبي والديني و المجتمعي". وعلى رغم هذه المطالبات، إلا أن هيئة الإعلام والاتصالات أصدرت قراراً بإيقاف عرض المسلسل.
الملاحقات القضائية
من مسلسل قط أحمر (موقع العمل)
"لا يمكن أن نسخر من القضاء أو المؤسسة القضائية"، هذا ما قاله الفنان أحمد وحيد لـ"اندبندنت عربية"، مستغرباً الانتقادات التي وجهت إليه، "ندرك أنه في العراق كثيراً من قوى اللادولة التي تكون أحياناً أقوى من الدولة، فلا ضمان لنا نحن المؤمنين بالمدنية والتحضر إلا القضاء فلا يمكن لنا أن نسخر منه، بل إن أعمالنا بمعظمها توجه لدعم القضاء في التصدي للقوى الخارجة عن القانون".
نهظة الدراما العراقية
في المقابل، يرى الناقد السينمائي كاظم مرشد السلوم أن الموسم الرمضاني الحالي شهد إنتاج كم كبير من الأعمال الدرامية نجح بعضها في معالجة قضايا المجتمع محققاً نسبة مشاهدة عالية مثل مسلسل "العِشرة" و"خان الذهب".
ويضيف أن الدراما العراقية من الممكن لها أن تشهد نهضة حقيقية إذا استمر الإنتاج بالغزارة ذاتها التي هو عليها الآن، موضحاً في الوقت نفسه صعوبة وصول الأعمال الدرامية العراقية إلى العالم العربي "ليس أمراً هيّناً وسط هذا الكم الكبير من الأعمال العربية مقارنة بالأعمال العراقية، أن تصل الدراما المحلية إلى الخارج، ولكن مع قيام mbc العراق بإنتاج أعمال درامية بات من الممكن أن تصل هذه الأعمال إلى العالم العربي".
ويقول السلوم إن فترة الانقطاع الطويلة التي عانتها الدراما العراقية أثرت بشكل واضح في متابعتها من قبل الجمهور العربي، كذلك افتقاد الدراما العراقية إلى النجم المؤثر الذي يمكنه استقطاب الجمهور، فالأعمال العربية زاخرة بنجوم السينما والتلفزيون.
"نحن نحبو"
وعلى رغم قناعة كاتب السيناريو ناصر طه بأن هناك كثيراً من الأعمال الدرامية سجلت حضوراً واضحاً ونجحت في استقطاب الجمهور العراقي مثل مسلسل "غيد" و"خان الذهب" و"انتقام روح" و"بغداد الجديدة"، إلا أنه يرى أن الفن العراقي بحاجة إلى الوقت الطويل ليتعافى، "نحن ما زلنا نحبو إذ إن الفن الدرامي في العراق تراجع كثيراً بسبب أوضاع البلاد الصعبة ونحن نتعافى رويداً رويداً ولكن الطريق طويل أمامنا".
من مسلسل بغداد الجديدة (موقع الفيلم)
ويوضح أن الدراما العراقية بحاجة إلى النص الجيد "لا نملك نصوصاً درامية تحتكم للمعايير العالمية فما زالت نصوصنا تستعير أساليب كتابية عفا عليها الدهر وكثير من كتابنا يستنسخون أسلوبياً الأعمال التي كانت تكتب في السبعينيات والثمانينيات، كما أننا بحاجة إلى مراجعة شاملة لفهم عملية الإنتاج الدرامي واشتراطاتها وتأمين حاجاتها الضرورية".
ابتعاد النص الدرامي عن قضايا المجتمع
ساد الإنتاج الدرامي الخاص في هذا الموسم الرمضاني المتمثل في شركات إنتاج وبعض القنوات المحلية والعربية على حساب الإنتاج الحكومي، ويوضح المخرج والأكاديمي صالح الصحن أن الإنتاج الخاص غالباً ما يلجأ إلى معالجة المواضيع الدرامية وفقاً لسياسة الجهة المنتجة التي غالباً ما تكتفي بإثارة القضايا ونقدها من دون معالجات أو حلول لها، "ما زالت هناك مسافة ليست قريبة بين النص الدرامي المحلي وحقيقة ما يجري من قضايا شائكة ومواضيع ومشكلات مهمة جداً في حياة المجتمع".
وفي السياق ذاته، يرى الكاتب والسينارست حامد المالكي أن الدراما العراقية تحسنت على مستوى الكم وظهرت قدرات شبابة في التمثيل والإخراج، لكن عدداً قليلاً من المسلسلات ناقشت الهم العراقي بحذر ولم تدخل في تفاصيل المشكلات العميقة التي يعانيها المجتمع، "ليس شرطاً أن تنحى الدراما هذا المنحى، فهي بالنهاية ليست بوستر توجيهياً بل للترفيه ولكن أيضاً باعتبارها فناً يدخل إلى كل عائلة، عليها أن تمارس وظيفة الفن الذي يجب أن يثير الأسئلة".
النص الجيد
يوضح الناقد بشار عليوي أنه على رغم أن الموسم الرمضاني الحالي هو موسم ثري بعدد المسلسلات، لكنها بشكل عام لم تقدم قضايا جوهرية تمس واقع المجتمع العراقي وظلت تجتر قضايا عفا عليها الزمن، كما أن الدراما العراقية يغيب عنها كتاب الدراما، "عدم وجود كتاب دراما عراقيين ممن يجيدون التماهي كتابياً مع الواقع، فضلاً عن إعراض الفضائيات عن تقديم المواضيع العراقية الواقعية بجميع تفاصيلها، لما يحظى به المجتمع العراقي من موانع اجتماعية وقيود سياسية وإشكاليات مجتمعية مركبة".
ويكمل عليوي أنه طالما بقيت الدراما العراقية بعيدة من تناول القضايا المجتمعية الحقيقية داخل العراق، وتفتقر إلى أبسط أبجديات العمل الإنتاجي والتحضيرات للعمل واختيار الممثلين وصرف الأجور وعدم وجود نصوص درامية تصلح للعمل، فلن تنجح الدراما المحلية في الوصول إلى العالم العربي.
لقطة من مسلسل "الكاسر" (حساب قناة "يو تي في" على تويتر)
في المقابل يرى الأكاديمي والمخرج صالح الصحن أن صناعة الدراما في العراق تتطلب الاهتمام بالنص "لا بد من تأسيس قواعد وسياقات فكرية وجمالية لصناعة النص المستوفي لشروط الكتابة من حيث الفكرة والموضوع والسيناريو بعد فحصه من قبل لجنة الخبراء، وسد الطريق أمام عبور التفاهات إلى الشاشة وذائقة المجتمع وعدم إثارة مواضيع الكراهية والتعصب والطائفية وكل ما يسهم في التشظي والانكسار ".
غياب الإنتاج الوطني
يطرح الفنان مقداد عبدالرضا تساؤلاً عن سبب إنتاج المسلسلات في العالم العربي عموماً خلال شهر رمضان فقط، ويصف العالم العربي بالموسمي "نحن ناس موسميون نصوم ونفطر وننتظر أمام التلفزيون لتقص علينا شهرزاد قصصها، فالدراما لو أنتجت طوال العام لن يحدث هذا التشتت، فالقنوات تعيد ما عرضته من مسلسلات في رمضان بعد هذا الشهر لأنها تدرك أن هناك تشتتاً خلال الشهر الفضيل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويرى أن الدراما العراقية يغيب عنها الإنتاج الوطني فالقضايا التي تتناولها هي قضايا آنية، " وعلى رغم وجود كثير من المصادر التي تؤرخ لتاريخ العراق لكن مع ذلك يغيب عنا الإنتاج الوطني الذي يعرف بتاريخ البلد قبل عام 2003 على غرار مسلسل ليالي الحلمية الذي أرّخ لتاريخ مصر ".
الأعمال التعبوية
لا يحبذ الفنان مقداد عبدالرضا الأعمال التعبوية ويعتبر أن العاطفة تتحكم بهذه الأعمال، وفي حديثه عن مسلسل "العشرة" الذي تناول موضوع الحرب بأبعادها الاجتماعية، يقول "هناك جهد واضح في المسلسل الذي ناقش قضية الحرب، لكنني غير ميال إلى الأعمال التعبوية التي تحمل عاطفة جياشة، فمن الممكن أن تكتب هذه الأعمال بعد مرور 20 عاماً من الاستقرار، فالأعمال التي تكتب خلال فترة التوتر تكتب بعاطفة وتصبح أعمالاً ضعيفة".
الدراما العراقية لن تعبر الحدود
ويتابع عبدالرضا أن الدراما العراقية لن تنجح إطلاقاً في الوصول إلى المشاهد العربي "منذ 60 عاماً لم يبَع أي عمل درامي عراقي وحتى مسلسل النسر وعيون المدينة (أشهر مسلسل عراقي أنتج عام 1983) تبرعنا به".
ويوضح أن السبب في عدم وصول الأعمال الدرامية العراقية إلى العالم العربي يكمن في أن هناك صورة نمطية تجاة العراق بأننا نفكر كثيراً في السياسة، "كما أن المنتج بالغالب ليست له علاقة بالإنتاج بل همه المال وبهذه الطربقة لا يمكن إنتاج عمل عراقي يحقق الانتشار العربي. نحن ينقصنا الاختصاص والمعرفة والبساطة وكذلك النعومة في مجال التسويق، فالتسويق بحاجة إلى دبلوماسية ومهارة".
لا ينقصها شيء
يتعارض رأي مهند حيال مخرج عمل "بغداد الجديدة" الذي حصد نسبة عالية من المشاهدات مع رأي الفنان مقداد عبدالرضا، ويعتبر أن الدراما العراقية" لا ينقصها شيء"، خصوصاً أن الدراما العربية التي تعرض لا تختلف بشيء عن نظيراتها العراقية إلا ما ندر "فكل عام تنتج عشرات المسلسلات، لكن يوجد عمل واحد أو اثنين يكون ذات جودة عالية والسبب الرئيس لنجاح هذه الأعمال موازنتها المرتفعة إضافة إلى خصوصية المواهب التي صنعتها".
من كواليس تصوير مسلسل بغداد الجديدة (موقع العمل)
ويوضح حيال أن المواهب موجودة، لكن الدراما في العراق تنتج بموازنات منخفضة جداً قياساً بنظيراتها العربية، ويرى أن هذه هي المشكلة التي تقف بقوة أمام وصول الدراما العراقية إلى المشاهد العربي، "يتم رصد موازنة خاصة للتوزيع إسوة ببقية المراحل التي تصنع العمل الدرامي وهذا غير متوافر في العراق، لكنني أعتقد بأن الأعوام المقبلة ستشهد الانفتاح العربي على الدراما العراقية".
وفي السياق ذاته يعتقد الناقد خليل حنون بأن الدراما العراقية سيكون لها مستقبل واعد خلال الأعوام المقبلة، فهي بحسب رأيه لفتت الأنظار هذا العام وخلقت فضولاً عند المتفرج العربي لاكتشافها، "باعتقادي أن الدراما العراقية لديها مستقبل واعد وقادرة على التطور والانتشار والمنافسة خارج إطارها المحلي".
التسويق العقبة الاكبر
يقول المخرج والممثل باسم قهار صاحب البطولة في مسلسل "بغداد الجديدة" إن هناك أسباباً عدة تحول دون نهضة الدراما العراقية وتحولها إلى صناعة ذات هوية مؤثرة قادرة على المنافسة، ويقف التسويق في صدارة هذه الأسباب، "غياب التسويق ثم قلة رؤوس الأموال التي تستثمر وتتنافس للإنتاج فضلاً عن الضعف الواضح للمادة المكتوبة في تناول المواضيع".
ويرى أن هناك شحاً في الاختصاصات الفنية في العراق التي على قلتها بحاجة إلى مواكبة التطور الذي يحدث في أساليب الكتابة الحديثة والمزاج الفني والتقني الذي بدأ يشكل توازياً مع الثورة البصرية "يجب أن نذكر أيضاً أننا بلا عمق بصري سينمائي والذي كان سيدفع باتجاه إنشاء دراما مهمة وتأسيس تقاليد وبنية تحتية شبه غائبة في العراق".
البطل النجم
في المقابل يرى الكاتب والسينارست حامد المالكي أن الدراما العراقية لم تنجح في الوصول إلى المشاهد العربي لأن ما يقدم عربياً من دراما في مصر وسوريا ودول الخليج العربي توجد له سوق، موضحاً أن الدراما العراقية تخلو من البطل النجم "نحن لم ندخل في سوق الدراما لعدم وجود نجم قادر على أن يكون نجماً عربياً فمتى ما توافر النجم من الممكن أن تجد الدراما العراقية طريقاً للمشاهد العربي".
ويكمل المالكي أن الدراما العراقية تحتاج إلى منتج ذكي يفهم متطلبات سوق الدراما "هي عملية تشبه عملية البيع التي تتوقف على العرض والطلب فكل موسم هناك مواضيع مطلوبة، ولا بد من وجود منتج ذكي ونزيه ومنتج منفذ نزيه لكي يحققا هذا الهدف ويسوقا الدراما العراقية عربياً".