هروب رئيس الوقف السني الأسبق من داخل سجنه في المنطقة الخضراء
عاش العراقيون، ليل الثلاثاء - الأربعاء، "ريمونتادا" لكنها ليس بطابعها الرياضي المعروف إنما الخاص حيث انتظر أبناء الرافدين تنفيذ الحكم الواقع بحق رئيس ديوان الوقف السني الأسبق سعد كمبش إلا أن هروبه من مكان احتجازه داخل أحد مراكز الشرطة في المنطقة الخضراء، وسط العاصمة بغداد، لم يكن في الحسبان، ليسجل المتهم الهارب هدفاً عكسياً لطموحات العراقيين الذين يرغبون بمحاكمة الفاسدين وسراق المال العام.
وأشارت مصادر أمنية إلى أن "كمبش هرب من مركز شرطة كرادة مريم المحتجز فيه داخل المنطقة الخضراء عبر سيارة مدنية"، وتحدثت عن انتشار أمني مكثف داخل المنطقة الخضراء فيما تواصل القوات العراقية بحثها عنه.
وأضافت المصادر أن وزير الداخلية عبد الأمير الشمري توجه إلى مكان الحادث ووجه باحتجاز جميع الضباط الموجودين داخل المركز لأغراض التحقيق.
ووجه الشمري بإيداع مسؤولين أمنيين رهن التوقيف على خلفية "هروب" كمبش.
وأفادت المصادر، بأن الوزير وجه بإيداع ضابط قسم شرطة الصالحية وضابط مركز شرطة كرادة مريم وضابط خفر المركز بالتوقيف على خلفية هروب كمبش وتشكيل لجنة تحقيق وجهد استخباري لمتابعته والقبض عليه.
وفي مارس (آذار) الماضي، قامت السلطات العراقية باعتقال رئيس ديوان الوقف السني الأسبق من قبل قوة خاصة، في وقت أعلنت هيئة النزاهة الاتحادية، عن تمكن الفريق المساند للهيئة العليا لمكافحة الفساد من تنفيذ أمر القبض الصادر بحق كمبش المتهم بارتكاب خروقات مالية والإضرار بالمال العام.
وكانت هيئة النزاهة في العراق قد أشارت عن صدور حكم حضوري بالحبس الشديد لأربع سنوات بحق كمبش.
وقالت في بيان لها إن "قاضي محكمة جنايات مكافحة الفساد المركزية أصدر حكماً حضورياً يقضي بالحبس الشديد لمدة أربع سنوات بحق الرئيس الأسبق لديوان الوقف السني لقيامه بمخالفة واجبات وظيفته عمداً، والتسبب في إضرار المال العام".
وكشفت بأن "الضرر المالي بلغ 47 مليار دينار عراقي أي ما يعادل 36 مليون دولار أميركي". وأضافت أن "تفاصيل القضية تشير إلى أن المخالفات التي ارتكبها المدان تمثلت بإقدامه على توجيه هيئة إدارة واستثمار الوقف السني لشراء فندق (RAMAD) الكائن في إقليم كردستان، على الرغم من عدم وجود جدوى اقتصادية، وموافقته على عكس الأمانات، خلافاً لتعليمات ديوان الرقابة المالية".
وتابعت الهيئة: "صدر أمر التنازل عن حق الطعن في دعوى استملاك الفندق، قاصداً بذلك منفعة أصحاب الفندق على حساب الدولة، وإن المحكمة، وبعد اطلاعها على الأدلة المتحصلة والإثباتات في القضية، والأوراق التحقيقية، توصلت إلى تقصير المتهم، فقررت إدانته والحكم عليه حضورياً بالحبس الشديد أربع سنوات استناداً إلى مقتضيات المادة (331) من قانون العقوبات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ثورة كبيرة
إلى ذلك، قال المستشار الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء العراقي، هشام الركابي، إن عملية هروب سعد كمبش ستكون سبباً لـ "القيام بثورة كبيرة على الآليات الفاسدة المعتمدة في احتجاز كبار الفاسدين".
وذكر الركابي في تغريدة له أنه "سيتم اقتلاع الآليات الفاسدة التي حولت مراكز احتجاز كبار الفاسدين إلى فنادق 5 نجوم".
وقرر رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي في مارس من العام الماضي، إنهاء تكليف كمبش من مهام تسيير شؤون ديوان الوقف السني وإعادته إلى عمله السابق كوكيل لرئيس الديوان.
وكان رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي قد كلف كمبش بتسيير شؤون الوقف السني في شباط (فبراير) 2020 إثر إقالة رئيس الديوان السابق عبد اللطيف الهميم على خلفية شبهات بتورطه بملفات فساد.
وضع العصي بعجلة الحكومة
وأثار فرار كمبش ردود أفعال كبيرة في الأوساط السياسية والأكاديمية والشعبية، حيث كتب المحلل السياسي، مجاشع محمد، على صفحته في "فيسبوك" ساخراً من هروبه، "جائزة نفر كباب لحم عجل عراقي خالص لأي مواطن يلقي القبض على صاحب هذه الصورة وهو سعد كمبش رئيس ديوان الوقف السني بعد أن هرب من شباك زنزانته بقلب بغداد"، مبيناً أنه "متهم بملفات فساد بملايين الدولارات ومودع في أحد مراكز شرطة وزارة الداخلية".
وأشار "بدأت ملامح وضع العصي بعجلة حكومة السيد محمد شياع السوداني لإفشاله من خلال تراجع في الاتفاق السياسي الذي وقع عليها من قبل تحالف إدارة الدولة كذلك تراجع القوى السياسية في قضية الموازنة للسنوات الثلاث، فضلاً عن تهريب سعد كمبش لإحراج رئيس الوزراء".
نقطة تحول
في حين، اعتبر الباحث السياسي، علي البيدر، بأن هروب كمبش يعد نقطة تحول في الملف الأمني، حيث إن فرار شخصية بهذا المستوى وبهذه الخطورة والإمكانية يؤشر على وجود تواطؤ كبير وواضح من قبل مراكز الاحتجاز والتحقيق.
ودعا البيدر الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة أن يستنفروا لإعادة النظر بالمشهد الأمني والطريقة التي ينبغي بها إدارة هذا المشهد ومفاصله التي تتضمن مراكز الاحتجاز والتوقيف التي أصبحت مستباحة في السنوات الأخيرة.
وأشار إلى أن "ما حصل يكشف حجم الإخفاق والتعثر في إدارة هكذا ملف حوّل مواقف الاحتجاز الخاصة بكبار الفاسدين إلى أجنحة 5 نجوم يرتعون فيها ويمارسون حياتهم الطبيعية في أقسام الاحتجاز".
وقال، "يفترض أن تكون هناك ردة فعل مباشرة وواضحة وحقيقية للانقلاب على هذا الموضوع من رئيس الوزراء وكذلك المسؤولين الأمنيين في الحكومة".
وفي ما يخص تداعيات هذا الحدث، ذكر البيدر "يجب ألا يتم الاكتفاء بمجلس تحقيقي واللجوء إلى اتباع الإجراءات البيروقراطية التقليدية، إذ يفترض أن يتم محاسبة المقصرين والمتسببين في هذه الجريمة، والتي كانت نتيجة لدفع مبالغ طائلة، ليكونوا عبرة لمن سواهم. خاصة وأن قيمة الفساد في المشروع الواحد الذي حُكِم فيه المتهم (كمبش) يفوق الـ 20 مليار دينار (حوالى مليار ونصف المليار دولار)، وهذا الرقم كفيل بأن يسيل له لعاب الفاسدين وأن يكون أداة لهروب وتهريب المتهم"، بحسب قوله.
وبحسب البيدر، "قد تتكرر الحادثة في مناسبات أخرى ومع شخصيات ربما تخطط الآن لتنفيذ مثل هكذا جرائم، لذلك فإن أسلوب الردع الوحيد هو معاقبة الجناة والمقصرين في الموضوع ليستشعر الجميع إمكانية ومستوى وجهوزية مؤسسات الدولة وكذلك دور رئيس الوزراء في اتباع سياسة محكمة في تجاوز هذه الظاهرة، وعقوبات الردع التي اتخذتها وانتهجتها الحكومة كفيلة بزج عشرات الفاسدين في السجون وبالتالي فإن عملية هروبهم ربما ستجعل من المواطن يفقد الثقة في الإجراءات الأمنية المتبعة وحتى تلك التي تخص مكافحة الفساد، خصوصاً بعد قضية (نور زهير) الذي أصبح خارج أسوار السجن بسبب إجراءات اتبعت".
وأضاف "أصبح المواطن اليوم، يشعر بالقلق تجاه منهاج وفعالية مكافحة الفساد ومعاقبة المتسببين به".