النزاعات العشائرية في العراق... استخدام لشتى أنواع الأسلحة
قتل وأصيب أكثر من 16 شخصاً في نزاعات عشائرية في محافظة ذي قار مطلع إبريل الجاري (Getty)
دخلت النزاعات العشائرية في مدن جنوب ووسط العراق مرحلة جديدة باستخدام أطراف النزاع طائرات "درونز" بهدف تصوير الطرف الآخر ومعرفة أماكن انتشاره، في تطورٍ يهدم التقدم الأمني في تلك المحافظات على صعيد المصالحات التي ترعاها الحكومة بين العشائر المتنازعة.
وعادة ما يقع مواطنون أبرياء ضحية هذه الاشتباكات التي لا تنتهي أحياناً إلا بوساطة طرف عشائري ثالث، من دون أي تدخل لقوات الأمن التي تنسحب أحياناً في سبيل عدم تأويل وجودها لخدمة طرف من طرفي النزاع المسلح.
وسرعان ما تتحول الشجارات إلى ما هو أشبه بحرب شوارع، تستخدم فيها الأسلحة الثقيلة والمتوسطة.
في الصورة شخص يحمل قاذفة صواريخ نوع RPG-7 مستهدفًا منزل او مكان لعشيرة تقاتلت مع عشيرته في محافظة ذي قار.
يتحدى هنا الدولة والمؤسسات الأمنية والقضائية.
المعادلة بين الدولة والعشيرة لاتقبل توازي القوة بينهما، قوة الدولة تضعف العشيرة وبضعف الدولة تصبح العشائر أقوى.ومنذ سنوات… pic.twitter.com/Is4uzlnkP5
— Hamzah Alhardan - حمزة الحردان (@Alhardanirq) April 19, 2023
وخلال الأيام الماضية، اندلع اشتباك بين عشيرتين لنحو 48 ساعة، مخلّفاً عدداً من القتلى وعشرات الجرحى من الطرفين، ناهيك عن خسائر مادية كبيرة في المنازل، في قضاء النصر بمحافظة ذي قار جنوبي العراق، إثر مقتل شيخ أحد العشيرتين وإصابة نجله بجروح.
وجرى استخدام شتى أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، بما فيها قاذفات "آر بي جي"، وأسلحة رشاشة مختلفة، خلال الشجار.
معارك بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة في قضاء النصر بمحافظة ذي قار جنوبي العراق، بين عشيرتي بني ركاب وبني عتاب، بعد مقتل شيخ عشيرة عتاب.
يظهر في الفيديو وجود قوات الأمن في منطقة المواجهة دون أن تتدخل لإيقاف الاشتباك.
مراقبون: إذا تدخلت قوات الأمن في هذا النوع من الاشتباكات المسلحة… pic.twitter.com/usFlukWwig
— عمر الجنابي (@omartvsd) April 19, 2023
وأرسلت قيادة عمليات الجيش العراقي تعزيزات عسكرية إلى المحافظة، وانتشرت في شوارعها في محاولة للسيطرة على الاشتباكات، قبل السيطرة على الوضع وإعادة الهدوء إلى أرجاء المحافظة.
وقالت مصادر أمنية ومحلية في محافظة ذي قار، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المعارك الطاحنة التي تجري في محافظات الجنوب، وتحديداً ذي قار، تهدد الأمن بشكلٍ مباشر، لا سيما أنّ نسبة ليست قليلة من الضحايا هي من الأفراد العزل من خارج طرفي النزاع".
وخلال الشجار الدامي بالمحافظة، قُتلت امرأة كانت تحمل أكياساً فيها مواد غذائية.
وقالت المصادر الأمنية إنّ "سلاح العشائر في جنوب العراق ينافس المليشيات والعصابات المنظمة، في ظل ضعف القانون وقوات الأمن النظامية التي عادة ما تتراجع أمام هذه الهجمات".
وقال مصدر أمني من قيادة شرطة ذي قار، طلب عدم الكشف عن اسمه، في حديث لـ"العربي الجديد، إنّ "القوات الأمنية الرسمية هي الحلقة الأضعف، إذ لا تستطيع تنفيذ مداهمات أو اعتقالات أو فرض هيبة الدولة والقانون، لأنها بهذا الفعل تدخل ضمن خانة العداء مع العشائر".
وفي هذه الحالة، تفوض القيادة الأمنية أطرافاً عشائرية أخرى من أجل التدخل والتوصل إلى حلول أو هدنة، وفقاً للمصدر.
وأضاف أنّ "العشائر تشتري السلاح بكميات كبيرة، وتجمع التبرعات على شكل قطع أسلحة"، مشيراً إلى أنّ "لدى العشائر منتسبين بأعداد كبيرة داخل المؤسسات الأمنية والحشد الشعبي، بالتالي، فهي تحصل أيضاً على السلاح من هذه المؤسسات".
وفي مطلع الشهر الجاري، قتل وأصيب في محافظة ذي قار أكثر من 16 شخصاً في حادثتين منفصلتين في بلدتي الإصلاح والرفاعي إثر نزاعات عشائرية. وعقب انتهاء القتال بين طرفي النزاع، انتشرت القوات الأمنيةمن دون أن يُفتح أي ملف في المحاكم، ولم تصدر أي مذكرة قبض بحق أي مشارك في هذه النزاعات.
وقال الناشط المدني علي الحجيمي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "القضاء يتغافل عن القضايا العشائرية، ولا يهتم بحقوق الضحايا وملاحقة المتسببين في قتل المدنيين".
وأضاف الحجيمي أنّ "العشائر لا تزال تستخدم السلاح الذي تركه نظام صدام حسين، فيما استغلت الفصائل المسلحة الحرب على تنظيم داعش وباعت السلاح بأسعار رمزية إلى بعض وجهاء وشيوخ العشائر".
من جهته، قال عضو البرلمان العراقي هادي السلامي إنّ "الكثير من القوى السياسية لا تتحدث عن أسلحة العشائر، لوجود علاقات تخادم سياسي واقتصادي بينهم"، معتبراً في حديث لـ"العربي الجديد" أنّ "كل الحكومات العراقية بعد عام 2003 فشلت في احتواء أزمة أسلحة العشائر، وتهديدها السلم الأهلي".
وكان العراق قد عدّ "الدكّات العشائرية" من الجرائم الإرهابية في وقتٍ سابق، مشدداً على ضرورة التعامل مع مرتكبيها بحزم.
ويعد السلاح المنفلت في العراق واحداً من أخطر مشكلات البلاد، لما له من تأثيرات كبيرة على الأمن المجتمعي. ومنذ عام 2005 وحتى اليوم، رفعت الحكومات العراقية شعار "حصر السلاح بيد الدولة"، فيما لا يبدو أن هناك خطوات فعالة لتنفيذه.
ويرجّح مراقبون عدم تفيذ الحكومة وعودها في ظل تداعيات سياسية متقاطعة بهذا الاتجاه.
برلماني عراقي: "كل الحكومات العراقية بعد عام 2003 فشلت في احتواء أزمة أسلحة العشائر، وتهديدها السلم الأهلي".
ولا يوجد إحصاء رسمي بعدد قطع السلاح الموجود داخل المجتمع العراقي، لكن التقديرات تتحدّث عن أرقام متفاوتة بين 13 و15 مليون قطعة سلاح متوسط وخفيف، أبرزها بنادق كلاشنكوف، و"بي كي سي"، و"آر بي كي" الروسية، إلى جانب مدافع "هاون" وقذائف "آر بي جي"، التي باتت تُستخدم أخيراً بكثرة في النزاعات القبلية جنوبي ووسط البلاد.
وتملك هذه الأسلحة المليشيات والجماعات المسلحة إلى جانب العشائر، بينما يحرص العراقيون على امتلاك قطع سلاح داخل منازلهم كثقافة جديدة انتشرت ما بعد الغزو الأميركي للبلاد، في ظل انعدام الأمن واضطرار العراقيين للدفاع عن أنفسهم أمام اللصوص والاعتداءات.