الجثث مجهولة الهوية: مشهد لا ينتهي في العراق
لا تزال ظاهرة القتل تشكل مصدر قلق للعراقيين (Getty)
تُسجل السلطات الأمنية العراقية أعداداً متفاوتة شهرياً لضحايا القتل الذين يعثر على جثثهم في الساحات والمناطق المهجورة بعد قتلهم من مجهولين.
ولا تزال هذه الظاهرة تشكل مصدر قلق للعراقيين جراء عدم السيطرة عليها رغم وجود أعداد كبيرة من عناصر الأمن الذين يتجاوز عددهم عتبة المليون و400 ألف موزعين على عدة وزارات وهيئات ومؤسسات أمنية.
وتفيد بيانات متفرقة للشرطة العراقية بأن "الشهر الجاري تم العثور على 6 جثث مجهولة الهوية، في مناطق ومحافظات متفرقة، أغلبها في بغداد إلى جانب مدن أخرى جنوب ووسط البلاد، كما سجل إقليم كردستان العثور على جثة مجهولة قرب دهوك، وتم نقلها جميعا إلى الطب العدلي والأدلة الجنائية، دون معرفة الأسباب الحقيقية التي تقف خلف هذه الجرائم".
وتشير مصادر أمنية على صلة بوزارة الداخلية العراقية، إلى أن "هذه الجرائم أسبابها جرمية، وليست ذات دوافع طائفية أو سياسية، كما كان يحدث في السنوات التي أعقبت الاحتلال الأميركي عام 2003".
وتقف خلف تلك الجرائم عصابات الجريمة المنظمة التي تنشط في البلاد، وعادة ما يكون الضحايا ضمن دائرة أنشطة تلك العصابات، أو جرائم بدوافع شخصية، وفقا لما يؤكده مسؤولون في الشرطة العراقية في بغداد.
وخلال الأيام الماضية، عُثر على جثة امرأة مجهولة الهوية في منطقة المحمودية جنوبي بغداد، وكانت قد تعرضت إلى إطلاق ثلاث رصاصات في جسدها، فيما حُرق وجهها، كي تضيع ملامحها، وقبل ذلك عثرت القوات الأمنية على جثة امرأة مجهولة في منطقة الرضوانية، غرب بغداد وكانت متروكة على الطريق العام وعليها آثار طعنات سكين.
كما عثر الأحد الماضي، على جثة شاب مقتول رمياً بالرصاص في منطقة القناة شرقي بغداد، في حين انتشلت جثة أخرى لمواطن بمحافظة دهوك، التابعة لإقليم كردستان شمال البلاد.
وينفي مسؤول رفيع في وزارة الداخلية، أن يكون لما عُرف في سنوات العنف الماضية، بـ"فرق الموت"، دور في حالات العثور على الجثث المجهولة، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أنه بعد التحقيق يتبين أن "جرائم القتل بسبب خلافات شخصية وأحياناً عشائرية، وأخرى لها علاقة بالجماعات المسلحة، وتحديداً العصابات التي تتاجر بالممنوعات ومنها المخدرات".
وأضاف المسؤول، الذي فضل عدم نشر اسمه، أن "معدلات العثور على الجثث المجهولة غير متساوية دائماً، لكن هناك نحو 10 جثث يتم العثور عليها أو انتشالها من الأنهر شهرياً بمختلف مناطق العراق".
في السياق، قال عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية مهدي تقي إن "مثل هذه الحوادث موجودة في كل مكان، وهذا لا يعني أنها مستساغة أو طبيعية، لكن الجرائم تحدث في كل الدول، وأسبابها أحياناً تكون اجتماعية أو خلافات عشائرية، أو حتى تجارية، أو تصفيات تجري بين أفراد العصابات".
وأكد تقي لـ"العربي الجديد" أن "السنوات الماضية شهدت انتعاشاً في تأسيس الشبكات والعصابات المنظمة التي تعمل في الكثير من الممنوعات ومنها المخدرات".
وأضاف تقي أن "الظاهرة تحتاج إلى وقفة حقيقية، لا سيما وأن أسبابها واضحة بالنسبة للسلطات الأمنية ورئاسة الوزراء، وبالتالي لابد من خطط واقعية للحد من الجرائم المنظمة للأفراد والجماعات على حد سواء". واعتبر أن "الجريمة ستتراجع مع مواصلة الحكومة الحالية تثبيت سلطة القانون، إضافة إلى سحب السلاح غير المرخص لدى المواطنين، وتفكيك العصابات المنظمة".
من جهته، بيَّن عضو البرلمان العراقي رعد الدهلكي أن "الجرائم الطائفية لا تزال تُمارس في بعض المناطق بواسطة الجماعات التي تملك السلاح، وحتى في المدن المحررة وهي تصفيات لشخصيات معينة دون غيرهم، وعادة ما يتم التخلص من الجثث بدفنها في مناطق نائية، أو رميها في الشوارع، ما يعني أن الجرائم الطائفية لم تنته، في حين أن الجثث المجهولة التي يُعثر عليها في بغداد ومناطق الجنوب تعود إلى جرائم متفرقة ولا ترتبط بالأمور الطائفية".
وأكد الدهلكي لـ"العربي الجديد"، أن "هناك تعتيما على ملف دفن الجثث المجهولة في العراق، وغالباً لا يتم التحقيق الفعلي والنزيه فيها، خصوصاً في الحالات التي تتورط فيها جماعات وعصابات لديها ارتباطات سياسية وعلاقات مع أطراف مشاركة في السلطة".
وأوضح الدهلكي أن "من واجب السلطات العراقية عدم طمر الجثث مجهولة الهوية إلا بعد أخذ عينات لإجراء فحوص الحمض النووي، وحفظ معلومات الجثث كل على حدة من أجل التعرف إليها فيما بعد، وتوصل ذوي المفقودين إلى الجثث".
وأضاف أن "هذه الجرائم تمثل تحدياً للدولة والقانون، بالتالي فإن المدانين فيها لابد أن يحاسبوا وفق قرارات المحاكم ولا يترك الأمر ليتطور إلى حدوث عمليات ثأر عشائري أو انتقام العراقيين من بعضهم البعض".
وتقول الناشطة في مجال حقوق الإنسان في العراق، ابتهال محمد الجبوري، إن "أي ضحية يتم العثور عليها، سواء كانت ملامحها واضحة أو لا، فإن طريقة الجريمة لا يمكن أن تكون فردية، أي أن المشاركين بالقتل هم جماعة، أو أكثر من فرد واحد على أقل تقدير، وبالتالي، فإن جرائم القتل التي تقع لضحايا الجثث المجهولة تكون بالترصد والقصد في القتل وهي ليست حالات عادية، وهذا الأمر يشمل ما إذا كانت الجرائم ذات دافع طائفي أو إرهابي أو جريمة لها علاقة بخلافات شخصية أو ثأرية".
وتابعت الجبوري، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "الفترة الأخيرة شهدت ارتفاعاً بأعداد العصابات والشبكات التي تمارس الابتزاز والقتل المنظم، وعدم التخوف من ارتكاب الجرائم، وهذا يشرح الفشل الكبير في جوانب الاستخبارات وجهود قوات الأمن في معرفة الجريمة قبل وقوعها"، موضحة أن "أكثر هذه الجرائم التي تلحق وفق ما يطلق عليه "الجثث مجهولة الهوية"، يتم انتشالها ونقلها إلى المستشفيات من دون أي تحقيقات في تلك الجرائم".