غضب في سنجار من عودة نازحين تعاونوا مع "داعش"
شهد قضاء سنجار في غرب نينوى توتراً عقب خروج مئات من الأيزيديين في تظاهرة غاضبة رافقها اعتداء على مسجد في المدينة احتجاجاً على عودة أسر عربية نازحة "متهمة بالتعاون مع تنظيم داعش" إبان أحداث اجتياحه للقضاء، وسط دعوات إلى التهدئة والحذر من الدخول في نزاع بين المكونات.
وأظهرت مقاطع فيديو تداولتها منصات مواقع التواصل الاجتماعي خروج مئات الشبان أمس الخميس إلى الشوارع، حيث عمد بعضهم إلى إشعال إطارات السيارات، فيما توجه آخرون إلى جامع الرحمن ورشقوا الحجارة، كما أظهر مقطع آخر فتاة تتحدث بغضب إلى قائد عسكري تؤكد فيه أنها تعرفت على أحد العائدين من النازحين العرب الذي اغتصبها مع 10 آخرين.
وذكرت منصات مقربة من قوات "الحشد الشعبي" الشيعية أن "المسجد يعود لجماعات سلفية، كان يمثل منبعاً للفكر التكفيري الذي تسبب بقتل وتهجير الأيزيديين".
وأعرب "أمير الأيزيديين في العراق والعالم" حازم تحسين بك في بيان عن رفضه القاطع للهجوم على جامع الرحمن وحرقه في سنجار، وقال "إن هذا الفعل ليس من أخلاقنا نحن الأيزيديين"، موضحاً أنه "عندما اجتاح داعش مدينة سنجار فتح المسلمون أبواب المساجد لنا ولم يقصروا في المساعدة، لذا فإن هذا التصرف هو بعيد من أخلاق الأيزيديين وأميرهم".
وكانت الحكومة أغلقت في 18 أبريل (نيسان) الجاري مخيم "جدعة 5" للنازحين في أطراف مدينة الموصل، وتقول أوساط أيزيدية إن أغلب هؤلاء النازحين كانوا من أسر مسلحي "داعش"، بعضهم عادوا إلى سنجار.
من جهة أخرى قال قائد فرقة المشاة 20 في الجيش العراقي المتمركزة في قضاء سنجار اللواء الركن أثير حمزة، بعد تمكنه من إقناع المحتجين بالتهدئة والتخلي عن العنف، "إن الأوضاع مستقرة، قضاء سنجار ينعم بالأمن والأمان وبعض القنوات الإعلامية ادعت أن هناك تدميراً لجامع الرحمن، بالعكس فإن أهل سنجار ساعدوا قبل أيام إمام وخطيب الجامع من أجل تنظيف المسجد والحالة الآن طبيعية ومستقرة".
شروط للعودة
وقال رئيس "منظمة بتريكور لحقوق الإنسان" خيري علي إبراهيم إن "الحكومة الاتحادية منذ مدة تحاول إعادة عدد من الأسر النازحة إلى مركز قضاء سنجار، وهؤلاء من العرب السنة الذين يوصفون من قبل المجتمع الأيزيدي بأنهم خونة وغدروا بالأيزيديين أثناء هجوم داعش"، مبيناً أن "السلطات أعادت تأهيل جامع الرحمن، وأخرجت الأسر الأيزيدية التي سكنت منازل العرب المهجورة بعدما أصبحوا بلا مأوى نتيجة تفجير منازلهم من قبل التنظيم، تمهيداً لتسلميها إلى النازحين العائدين، مما أثار استياء أهالي الضحايا من الأيزيديين، وهناك خشية من نشوب نزاع وتوتر قد يقوض جهود التطبيع، وعلى السلطات التعامل بحذر، وتحقيق عدالة انتقالية قبل أية خطوة لضمان محاسبة مرتكبي الجرائم". وأضاف إبراهيم أن "عودة النازحين يجب أن تراعي حقوق الأيزيديين وتضمن سلامتهم وأمنهم من خلال إشراك المجتمع المحلي في عملية اتخاذ القرار وضمان تحقيق المصالحة الحقيقية بين المجموعات الدينية المختلفة"، مشدداً على أن "السعي إلى السلام والمصالحة يتطلب تعاوناً شاملاً وجهوداً حقيقية من جميع الأطراف المعنية".
تدخلات سياسية
وكان تنظيم "داعش" اجتاح قضاء سنجار في أغسطس (آب) 2014 بعد انحساب قوات البيشمركة التابعة لحكومة الإقليم من دون مقاومة واعتقل وقتل آلاف الرجال، وخطف أطفال وأخذ النساء كسبايا، إذ ما زال مصير نحو 3 آلاف منهن مجهولاً إلى الآن.
ووفقاً لمكتب تحرير المختطفين الأيزديين فإن نحو 6417 ألفاً كان خطفهم التنظيم، بينهم 3358 امرأة، قبل أن يتم تحرير نحو 3562 منهن في فترات متلاحقة، بعد طرد مسلحي التنظيم من منطقة سنجار عام 2015 سيطر مقاتلو "حزب العمال الكردستاني" وميليشيا "وحدات مقاومة سنجار" المقربة من الحزب، على المنطقة وشكلوا إدارة خاصة بالمنطقة، قبل أن يتقاسموا السيطرة على المنطقة مع فصائل تابعة لـ"الحشد الشعبي" الشيعي بعضها مقربة من إيران.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من جهته حض النائب عن نينوى عبدالرحيم الشمري "القوى السياسية والأطراف المسلحة إلى رفع يدها عن سنجار وإبقاء الوضع فيها تحت سيطرة القوات الأمنية البطلة، على أن تأخذ الإدارة المحلية في نينوى دورها الحقيقي في حماية السلم المجتمعي وإعادة جميع النازحين إلى مساكنهم في المدينة"، مؤكداً أن "سنجار ستبقى مدينة للتعايش، ومحاولة بعض الأشخاص منع الآخر من العودة إليها لا يندرج إلا ضمن مفهوم التعصب والطائفية".
ويواجه الاتفاق المبرم بين حكومتي بغداد وأربيل منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2021 لتطبيع الأوضاع في القضاء، الواقع ضمن مناطق هي موضع خلاف بينهما جملة عقبات، إذ ينص الاتفاق على تعيين إدارة جديدة، بعد إخراج المجموعات والفصائل المسلحة، ومنها تلك الموالية لحزب "العمال الكردستاني" المعارض لتركيا، وإعادة نشر قوات من الجيش والشرطة الاتحادية، تمهيداً لعودة النازحين والبدء بعمليات إعادة الإعمار.
مخطط لضرب التعايش
أما الناشط الأيزيدي مراد إسماعيل فأكد على رفض الأيزيديين "التعرض لمقدسات المسلمين وغير المسلمين لأن قيمنا لا تسمح بإهانة أي مقدسات، وعلى الجميع الحذر من السقوط في شرك توجهات عنصرية أو سياسية". وقال إن "رد الفعل هذه كانت متوقعة نتيجة غياب العدالة في ملف الإبادة التي تعرض لها الأيزيديون، ولا يجوز أن تنسى الدولة العراقية تداعياتها النفسية والإنسانية، فجامع الرحمن استخدم من قبل داعش لحجز المختطفين وارتكبت فيه جرائم بشعة". واستدرك قائلاً "نعم للمسلمين الذين لم يتورطوا في الجرائم، فهؤلاء كان لهم ضحايا أيضاً، لكن يجب محاسبة المتورطين. لا يمكن إرساء السلام من دون تحقيق العدالة، بالتعاون بين جميع المكونات من أجل بناء مجتمع مسالم".
ودانت وزارة الأوقاف في حكومة إقليم كردستان الاعتداء على المساجد والمراكز الدينية، واعتبرته "عملاً بعيداً من الأخلاق الدينية والكردية وهو مخطط لضرب السلام والتعايش الديني في المنطقة"، وأضافت "لذا فإن كل من لا يريد تطبيع الوضع في سنجار هو المسؤول الأول عن الحادثة، مع الذين يلعبون باستمرار دوراً في إثارة المشكلات في المنطقة".
كما أكد اتحاد علماء الدين الإسلامي في الإقليم "إقدام أشخاص عدة من سكان سنجار على مهاجمة مسجد الرحمن الذي هو مكان عبادة للمسلمين ولا يجوز لأحد أن يهينه تحت أية ذريعة أو اسم". ودعا إلى "اتخاذ الإجراءات القانونية بأسرع وقت تجنباً لتعريض المنطقة إلى الخطر".
تقصير حكومي
لكن النائب الأيزيدي محما خليل عن كتلة "الحزب الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني، كان نفى في وقت سابق تعرض دور العبادة إلى اعتداء، مؤكداً أن سنجار "كانت وستبقى أيقونة للتعايش كما كانت عبر التاريخ على رغم ما تعرضت له من إبادة جماعية"، متهماً "بعض الأطراف بمحاولة تأجيج الأوضاع عبر خلق الفتنة في المجتمع لتمرير أجندات مريبة"، موضحاً أن "إجراءات تطبيع الأوضاع وعودة النازحين والتدقيق الأمني كانت ضعيفة وبطيئة جداً لا بل ومشكوك فيها، مما خلق حالاً من الخوف لدى المواطنين".
في السياق ذاته لفت الأكاديمي الأيزيدي فارس كتي إلى أن "الديانة الأيزيدية ديانة مسالمة ومسامحة وعابرة للأفكار المتعصبة والمصالح الضيقة تدعو إلى الخير والبشائر والبركة من الله ليس فقط لجميع الأديان بلا تفرقة وإنما لجميع المخلوقات أيضاً، من هذا المنطلق نؤكد لجميع الأخوة المسلمين بأن من لم تتلطخ يده بالدم والشرف الأيزيدي فهو أخ لنا في الإنسانية والأرض ومرحب به في سنجار بين أخوته وجيرانه وأكبر دليل على ذلك هو وجود الأيزيديين والمسلمين معاً في مخيمات كردستان". وشدد على "أهمية تحلي الجميع بالعقل وعدم الانجرار وراء مثيري الفتنة، فقد حافظ الأيزيديون على جميع دور العبادة في سنجار من جوامع وكنائس وحسينيات حالها حال المزارات الأيزيدية منذ تحرير سنجار وإلى يومنا هذا".
من جانبه شدد قائد قوة حماية "إيزيدخان" حيدر ششو على أن قواته "لن تسمح بعودة الذين شاركوا في الإبادة الأيزيدية، وأسهموا في قتل وخطف الأبرياء من أهالينا". ووصف إجراءات الحكومة الاتحادية بـ"المخجلة جدا"ً، وهدد بأنه "سيكون بالمرصاد ولن يسمح بدخول أي داعشي إلى سنجار في حال لم تأخذ العدالة مجراها".