مهرجان الربيع يعود إلى الموصل بعد توقف دام 20 عاماً
ببطء، تعود الحياة إلى مدينة الموصل، ثاني أكبر مدن العراق بعد العاصمة بغداد، إذ تحتضن "أم الربيعين" مهرجان الربيع بعد انقطاع دام عشرين عاماً.
وشهدت الموصل خلال العقدين الماضيين حالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي، وذلك عقب الغزو الأميركي، ثم سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي عليها عام 2014، وأعقب ذلك عمليات عسكرية لطرد التنظيم خلفت دماراً وخراباً لا تزال آثاره شاخصة.
وتتوالى المحاولات لإعادة نينوى ومركزها الموصل إلى وضعها السابق، إذ كانت مركزاً اقتصادياً وسياحياً، وجاء مهرجان الربيع الثقافي ليمثل إحدى تلك المحاولات. وتسعى السلطات العراقية عبره لفتح باب العراق الشمالي أمام العالم، كما حصل في كأس الخليج العربي 25 في البصرة التي فتحت باب الجنوب العراقي أمام العرب عموماً ودول الخليج خصوصاً، كما صرح وزير الثقافة العراقي أحمد فكاك البدراني.
بدأ تنظيم مهرجان الربيع رسمياً عام 1969 في عهد المحافظ آنذاك علاء الدين البكري. يضم فعاليات ونشاطات تعبّر عن ثقافات سكان الموصل من العرب والكرد والتركمان والمسيحيين، ويُعتبر أهم الأنشطة الثقافية السنوية في المدينة، وتشارك في الإعداد له جميع دوائر محافظة نينوى الحكومية وبإشراف بلدية الموصل ومشاركة الفعاليات الطلابية والشبابية والمجتمعية. كان المهرجان يستمر في السنوات الماضية لـ8 أيام، لكنه في تسعينيات القرن الماضي بات يختصر في يوم واحد، لكنه سيبدأ هذا العام غداً ويستمر يومين.
تبدأ التحضيرات لمهرجان الربيع في مارس/ آذار، حين تقيم اللجنة العليا المشرفة عليه ندوة نقاشية تجمع فيها الأدباء والرسامين والفنانين والنحاتين. ويضم المهرجان جملة من الفعاليات الثقافية، كمعارض الزهور والكتب والأسواق الشعبية والأعمال الفنية المسرحية والموسيقية والفنون الرياضية والحفلات الغنائية والرقصات الفلكلورية، فضلاً عن استعراض مواكب تمثل عادات الموصل القديمة وتراثها.
ووفقاً للمصادر التاريخية، فإن احـتفالات الربـيع في الموصل ترجع إلى عهد الآشوريين الذين كانوا يقيمون احتفالاً بفصل الربيع وبداية السنة الآشورية (أكيتو) في نينوى، في إبريل، ولمدة 12 يوماً.
بلدية الموصل، وهي الجهة المشرفة على التحضير للمهرجان، أعلنت إنجاز التحضيرات النهائية، وأكدت جاهزيتها لإطلاقه غداً الأحد، ليكون حدثاً ثقافياً هو الأبرز في المحافظة. وقال معاون مدير البلدية فراس محمد، لـ"العربي الجديد"، إن "كوادر بلدية الموصل استنفرت بشكل كامل منذ إعلان إطلاق المهرجان مجدداً"، وبيّن أن فرق البلدية أنجزت أعمال المنصة الرئاسية والمنصات الفرعية وأعمال النظيف والتأثيث والطلاء في موقع المهرجان، وأشار إلى أن دائرته مع الدوائر الحكومية الأخرى تسعى لإظهار نينوى بشكل لائق عبر هذه الفعالية.
وقررت السلطات المحلية في نينوى تعطيل الدوام الرسمي غداً الأحد بمناسبة إطلاق المهرجان، فيما سيكون يوم الأول من مايو/ أيار عطلة في عموم العراق بمناسبة عيد العمال العالمي، ويحمل المهرجان شعار "مهرجان الربيع بالموصل... ربيع دائم وإعمار وسلام"، ولاقى تفاعلاً إيجابياً من قبل الأهالي الذين عبّروا عن دعمهم للفعالية بوسائل مختلفة.
وخصصت محافظة نينوى ثلاثة مواقع لإقامة فعاليات مهرجان الربيع، الأول في منصة الاحتفالات، والثاني في جامعة الموصل إلى جانب الموصل الأيسر، والثالث في متنزه باب الطوب في قلب الموصل القديمة.
وتأمل السلطات في نينوى استغلال هذا الحدث وتوظيفه في نقل صورة الموصل إلى العالم. ودعا محافظ نينوى نجم الجبوري، في مؤتمر صحافي أقيم بالتزامن مع التحضيرات للمهرجان، "جميع الفعاليات الشعبية والرسمية في نينوى لاستغلال مهرجان الربيع لنقل صورة إيجابية عن الموصل للعالم، كما حصل خلال زيارة بابا الفاتيكان والرئيس الفرنسي إلى الموصل سابقاً".
المتحدث باسم مهرجان الربيع في نينوى عبد الجبار الجبوري، كشف عن مشاركة الرئاسات الأربع (الجمهورية، الوزراء، النواب، القضاء) في اليوم الأول لفعاليات المهرجان، وأكد أن المهرجان يمثل رسائل عدة تطلق من نينوى للعراق والعالم.
وقال الجبوري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "التحضيرات لمهرجان الربيع اكتملت، والموصل تفصلها ساعات عن الحدث المهم الذي يعكس عودة الحياة بعد الموت الذي حاول داعش نشره في المدينة"، وأوضح أن الرسائل الرئيسية من المهرجان هي أن نينوى وأهلها كانوا وما زالوا دعاة سلام وحرية ورفض للإرهاب والتطرف بكل أشكاله.
وأضاف الجبوري أن "المهرجان فرصة مهمة لنينوى لاطلاع المسؤولين في بغداد على الدمار الذي حل بالمدينة وجهود إعادة الإعمار، وذلك من أجل كسب دعم بغداد في ملف الإعمار بشكل أكبر من السابق، وكذلك هو فرصة لنقل واقع نينوى للعالم من خلال مشاركة بعض سفراء الدول العربية والأجنبية فيه".
ولفت المتحدث باسم المهرجان إلى أن الفعاليات ستتضمن مشاركة 20 موكباً راجلاً و21 موكباً متنقلاً، تعكس تاريخ نينوى وحضارتها وثقافتها العريقة، وأشار إلى مشاركة دوائر الدولة والجامعات والجماهير والنقابات والمنظمات المدنية في التحضير لأعمال المهرجان الشعبي الثقافي في الموصل، وبين أن فرقاً من وزارة الثقافة العراقية ستشارك في فعاليات المؤتمر على مسرح جامعة الموصل.
ومن صور الدعم الشعبي للمهرجان، أكد مواطنون في الموصل أن بيوتهم ومضايفهم مفتوحة لاستقبال الزائرين من المحافظات العراقية ومن السائحين الأجانب، فضلاً عن تقديم وجبات غذائية للعاملين في التحضير للمهرجان، إضافة إلى الدعم المعنوي والإعلامي عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وأكد الناشط المدني الموصلي، سعد الوزان، أن شباب الموصل أبرز الداعمين للمهرجان، وأضاف لـ"العربي الجديد": "شباب نينوى داعمون بكل الطاقات للمهرجان عبر مواقع التواصل، والتبرعات المالية، واستغلال علاقاتهم ببعض المؤسسات والتجار لتقديم الدعم والخدمة للمشاركين في المهرجان (...) المهرجان سيعكس حقيقة نينوى بأنها مدينة سلام واستقرار وفرح وكرم واستقبال للضيوف، وذلك عبر الدعوات التي وجهها الأهالي للزائرين بفتح بيوتهم وجعلها مضافات، ولا سيما أن المدينة تفتقر إلى وجود فنادق بسبب ما تعرضت له من دمار خلال السنوات الماضية".