أسباب سياسية وأمنية تعرقل إعادة عراقيي مخيم الهول السوري
على الرغم من التعهدات العراقية المتكررة في ما يتعلق بملف إعادة الآلاف من المواطنين العراقيين الموجودين في مخيم الهول السوري، الذي تديره "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، إلا أن الواقع يؤكد عكس ذلك، إذ لم تسمح السلطات العراقية لأكثر من 3 آلاف عراقي، أغلبهم من النساء والأطفال والكبار بالسن، بالعودة من أصل 31 ألفاً يقيمون في المخيم منذ سنوات.
وتؤكد جهات عراقية أن ضغوطاً سياسية وأخرى من مليشيات مسلحة، مورست على الحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، وتُمارس على الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، للحؤول من دون إتمام عودة كاملة وطي الصفحة الخاصة بـ"عراقيي الهول"، كما بات يصطلح عليها إعلامياً في العراق. وخلال العام الماضي، أعادت السلطات العراقية خمس دفعات على التوالي، بلغ مجموع الأسر فيها 603 عائلات فقط، جرى نقلها إلى معسكر نزوح مغلق جنوبي مدينة الموصل، وإخضاعها إلى برامج تأهيل نفسية واجتماعية بإشراف الأمم المتحدة، قبل إعادتها بالتدريج إلى مناطق سكنها الأصلية.
إعادة العائلات العراقية
وتعرّض ملف إعادة العائلات العراقية من مخيم الهول لحملات إعلامية ورفض وضغوط من قبل الفصائل المسلحة العراقية الحليفة لإيران والأحزاب المرتبطة بها، إذ وجهت اتهامات لتلك العائلات بالارتباط بتنظيم "داعش". ولا تُعَدّ العائلات التي تُعاد من مخيم الهول، من العائلات المحسوبة على ما يعرف في العراق بـ"عائلات داعش"، إذ أكدت السلطات العراقية أن هذه الأسر نازحة بفعل المعارك والعمليات العسكرية في المدن العراقية المجاورة لسورية، وانتهى بها المطاف في المخيمات.
مسؤول في الأمن القومي: فصائل مسلحة عرقلت دخول عدة عائلات العام الماضي
ووفقاً لمسؤول في مستشارية الأمن القومي ببغداد، فإن "ضغوطاً سياسية وأخرى لفصائل مسلحة تمنع إعادتهم مرة واحدة إلى العراق"، مبيناً أن فصائل مسلحة تسببت في إعاقة دخول عدة دفعات العام الماضي، تحت ذريعة الخطر الأمني الذي تشكله عودة تلك العائلات من الهول". وأوضح في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن قسماً من مساكن العائلات مستغل من قوى نافذة في مدنهم.
وأكد المسؤول وجود "خطة نقل حكومية بالعودة التدريجية عبر دفعات، تضمّ كل مرة بين 150 و200 عائلة بعد التدقيق الأمني، وستكون محافظة نينوى منطقة انتقالية لهم، حيث يتم نقلهم إلى مخيمات لتأهيلهم نفسياً وإخضاعهم لدورات مختلفة بدعم الأمم المتحدة، قبل السماح لهم بالعودة إلى منازلهم في مناطقهم الأصلية". وكشف المسؤول أن "الأيام المقبلة ستشهد إعادة دفعة جديدة من العائلات العراقية من مخيم الهول، بعد إكمال الإجراءات الأمنية من قبل اللجنة الأمنية العراقية الموجودة في المخيم، التي تملك قاعدة بيانات كاملة عن العائلات وعن ارتباط أفرادها بتنظيم داعش".
وأكد مسؤول أمني آخر في ديوان محافظة نينوى، شمالي العراق لـ"العربي الجديد"، وجود مشاكل بين وزارة الهجرة العراقية ومستشارية الأمن الوطني تتعلق بإعادة النازحين من الهول إلى داخل العراق. وأوضح أن "الوزارة تعرقل مساعي تشييد وتوسعة المخيمات الموجودة في نينوى لاستيعاب أعداد أكبر من العائدين بدلاً من دفعات قليلة لأسباب مختلفة، لكن يعتقد أن هناك تأثيرات على الوزارة من قبل فصائل مسلحة تنشط في نينوى". ولفت المسؤول إلى أن "المعلومات المتوفرة تشير إلى انتهاء لجنة عراقية أمنية في مخيم الهول بوساطة التحالف الدولي من تدقيق العائلات أمنياً والتأكد من وضعها، لكن العوائق تبقى داخل العراق وليس من الجانب السوري المتمثل بقوات قسد".
ورد على ذلك المتحدث باسم وزارة الهجرة العراقية علي عباس، بالقول في حديثٍ مع "العربي الجديد"، إن "تأخير حسم إعادة العائلات من مخيم الهول، وإيقاف إعادة المزيد منها يعود لأسباب تنظيمية، متعلقة بالتدقيق الأمني في مخيم الهول وكذلك إجراءات تأهيل العائلات في مخيم الجدعة في الموصل".
علي عباس: تأخير حسم إعادة العائلات من مخيم الهول يعود لأسباب تنظيمية
وأشار عباس إلى أن "استئناف إعادة العائلات العراقية من مخيم الهول، سيكون قريباً جداً بعد إكمال الإجراءات التنظيمية والأمنية، خصوصاً أن العراق تمكن من إعادة تأهيل عدد كبير من العائلات في مخيم الجدعة، وإعادتهم إلى مناطقهم الأصلية، وهناك تعاون ودعم دولي وأممي لتحركات العراق لحسم هذا الملف". وأكد عباس أن "لا علاقة لوزارة الهجرة والمهجرين بالعائلات الأجنبية داخل مخيم الهول، فعمل الوزارة يقتصر على العائلات من حملة الجنسية العراقية، وهناك تواصل بين الحكومة العراقية والأطراف الدولية المعنية لحسم قضية العائلات الأجنبية".
من مخيم الهول إلى الجدعة
بدوره، ذكر عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان كريم عليوي، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "التريث في إعادة العائلات العراقية من مخيم الهول إلى مخيم الجدعة في محافظة نينوى، نابع من التدقيق الأمني بسبب الخشية من تسلل عناصر إرهابية مطلوبة مع تلك العائلات. وهذا الأمر يشكّل تهديداً لأمن واستقرار الموصل وكافة مدن العراق".
وشدّد عليوي على أن "العراق جادّ بقضية إنهاء عودة العائلات العراقية من مخيم الهول، ويعمل على عودة كافة عائلات تنظيم داعش الأجانب إلى بلدانهم الأصلية، فالعراق يعتبر المخيم ورقة ضغط تهدد أمنه، ولهذا يعمل بشكل سريع على حسم الملف، في سياق التواصل المستمر بين العراق والجهات الدولية ذات العلاقة".
واعتبر عليوي أن مخيم الجدعة "يمثل خطورة أيضاً على أمن العراق، ولهذا يجب الإسراع بعملية إعادة تأهيل العائلات العائدة من مخيم الهول، خصوصاً الشباب منهم، كما أن هناك رفضاً سياسياً وشعبياً في نينوى لتحويل الموصل إلى سجن لتلك العائلات. وهذا الرفض من أسباب تأخير إعادة كل العائلات، ولهذا هناك حذر في التدقيق الأمني لمنع أي تسلل أي مطلوب مع العائلات". ويضم مخيم الجدعة الواقع على بعد نحو 20 كيلومتراً جنوبي الموصل، الأسر العراقية التي كانت تقطن في مخيم الهول، والتي عادت إلى العراق خلال الأشهر الماضية بعد تدقيق سجلاتها أمنياً، وغالبيتهم من النساء والأطفال والمرضى وكبار السن.