ضبط الحدود اللبنانية - السورية إلى الواجهة مجددا
كان مفاجئاً إلى حد ما عدم دعوة لبنان إلى الاجتماع الخماسي الذي عقد في العاصمة الأردنية عمان على مستوى وزراء خارجية الأردن ومصر والسعودية والعراق وسوريا أول من أمس الثلاثاء، وهو الاجتماع الذي بحث في ملف تطوير العلاقات مع دمشق ومسألة إعادة اللاجئين السوريين، وخلص إلى التأكيد على أولوية إنهاء الأزمة السورية وعودة اللاجئين، لكن لبنان الدولة العربية الوحيدة المجاورة لسوريا لم تكن مدرجة على لائحة المدعوين، على رغم تحملها أعباء النزوح والنازحين منذ بدء الحرب السورية في مارس (آذار) 2011.
وقال نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين الأردني أيمن الصفدي، وفقاً لما نقلت عنه صحيفة "النهار" اللبنانية، "إننا ممثلين لأنفسنا ولأشقائنا الذين حضروا ذلك الاجتماع ولسنا ممثلين عن بقية الدول العربية".
وعلى الصعيد الرسمي اللبناني قالت وزارة الخارجية في بيان إن اتصالاً جرى بين الوزير الصفدي ونظيره وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبدالله بوحبيب لوضعه في خلفيات ونتائج الاجتماع الوزاري، إذ سبق أن أعلمه خلال زيارة الوزير بوحبيب أخيراً إلى عمان أن الدعوة محصورة بدول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى كل من مصر والأردن والعراق التي تجتمع عادة بصورة دورية.
وأضاف البيان أن "لبنان الدولة الجارة لسوريا تتحمل منذ 12 عاماً عبئاً رئيساً في مسألة النزوح، وجاهزة للمشاركة والإسهام في الحل بالتنسيق مع الجميع، بخاصة الأشقاء العرب، فكما أسهم لبنان في تحمل أعباء النزوح انطلاقاً من العلاقات الأخوية بين البلدين، يضع اليوم إمكاناته كافة للدفع قدماً باتجاه حل عربي شامل وجامع، وغياب لبنان عن الإسهام في جهود حل الأزمة السورية، لا سيما مسألة النزوح، يعمق تحدياته".
لاجئو سوريا
بحسب إحصاءات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، جاء أكثر من ثلثي اللاجئين 69 في المئة من خمسة بلدان فقط هي سوريا (6.8 مليون) وفنزويلا (4.6 مليون)، وأفغانستان (2.7 مليون) وكذلك جنوب السودان (2.4 مليون) وميانمار (1.2 مليون).
يوجد في لبنان أكبر عدد من اللاجئين بالنسبة إلى إجمالي عدد السكان بين دول العالم، وفقاً لمجلس اللاجئين النرويجي (NRC)، وبحسب إحصاءات المفوضية الأممية يقدر عدد السوريين على الأراضي اللبنانية بـ814715 نسمة في آخر إحصاء أجرته حتى 31 يناير (كانون الثاني) 2022، وتعكس هذه الأرقام أعداد المسجلين فقط، مع الحديث عن أكثر من ضعف هذا الرقم معظمهم من الهاربين، أي أن عدد الفارين من الحرب السورية بات يعادل 19.8 في المئة من تعداد سكان لبنان، كما يتوزع على الأراضي اللبنانية نحو 3100 مخيم عشوائي ومعظمها في مناطق البقاع والشمال.
ويقدر الأمن العام اللبناني عدد السوريين المقيمين في لبنان بمليونين و80 ألف لاجئ، معظمهم لا يملكون أوراقاً نظامية، فيما أعلنت المديرية العامة للأمن العام اليوم الخميس أنه "في إطار متابعة موضوع النازحين السوريين الراغبين في العودة الطوعية إلى مدنهم، ستستأنف تأمين هذه العودة الطوعية من لبنان إلى الأراضي السورية".
النازحون والإجراءات
ينسحب توقف عمل المؤسسات الشرعية والإدارات الرسمية في البلد على ملف النازحين، إسوة ببقية الملفات العالقة، وتغيب الحلول والآليات الحكومية لمعالجة هذا الملف الضاغط الذي ينذر بتطورات خطرة، وأواخر أبريل (نيسان) الماضي تصدر ملف النازحين السوريين عناوين الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي والحملات الإعلامية والبلدية والسياسية والحزبية الداعية إلى ترحيل السوريين والمطالبة بعودتهم بعد استقرار الوضع الأمني في كثير من المناطق السورية، وأخرى رافضة لتلك العودة قبل توفير "الضمانات" الأمنية للعائدين، كما انتشر وسم "أنقذوا السوريين في لبنان" عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ اعتبر مغردون أن ترحيلهم يعني الإعدام لهم".
جاء ذلك بعدما رحلت السلطات الأمنية 50 سورياً دخلوا إلى لبنان خلسة عبر المعابر البرية غير النظامية، وجرى وضعهم خارج الحدود، ودعت بعض البلديات السوريين المقيمين إلى تسجيل أسمائهم لديها وطالبتهم بإحضار جميع الأوراق الثبوتية للتأكد من مطابقتها لشروط الإقامة واعتبرت كل من يتخلف "مقيماً غير شرعي سيتم ترحيله".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مصدر سياسي لبناني تحدث إلى "اندبندنت عربية" قائلاً إن السلطات تتعامل "بشكل طفولي استعراضي مع أزمة النازحين الخطرة، فمداهمات الجيش وخطوات وزارة الداخلية لترحيل النازحين فاشلة، ففي وقت ترحيل 50 لاجئ يدخل 500 آخرون عبر المعابر غير الشرعية على طول الحدود الشرقية وبمساعدة أجهزة النظام السوري".
وفعلياً تمكن الأمن العام من تنظيم قافلات معدودة فقط نقلت مجموعات صغيرة من السوريين إلى بلادهم، وذلك منذ صدور قرار مجلس الدفاع الأعلى في الـ15 من أبريل 2019 والقاضي بترحيل السوريين الداخلين خلسة. في حين ترى منظمات حقوقية أن القرار لا يراعي شروط العودة الآمنة ويعرض السوريين لخطر التعذيب والاضطهاد، وطالبت "منظمة العفو الدولية" السلطات اللبنانية "وقف عمليات الترحيل غير القانونية للاجئين سوريين"، خوفاً من المصير المجهول الذي ينتظرهم، كما نفت الدولة اللبنانية صحة تلك المزاعم وعلى لسان وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار.
وعلق المصدر السياسي على هذا الموضوع قائلاً "إن البلد يتحمل عبر سياسة الانتظار والمماطلة التي يعتمدها مسؤولوه، أعباء وجود أكثر من مليوني نازح مع انتشار عشوائي لمخيمات النازحين من دون رقابة للإدارات الرسمية ولا للأجهزة الأمنية، كما يحدث في الأردن وتركيا"، ويتابع "من هنا جاء الانكفاء الدولي تجاه لبنان، وذلك ما بدا واضحاً في استبعاده عن المشاركة في اجتماع عمان، كما أن الفشل في التعاطي مع ملف النازحين أول المستفيدين منه هو نظام دمشق الذي لا يزال يطالب بتواصل رسمي مع وفد رفيع المستوى".
معابر غير شرعية
وتعود قضية المعابر غير الشرعية للواجهة مجدداً، حيث وضع صندوق النقد الدولي شرطاً أساسياً لمساعدة لبنان، على خلفية الأزمة الاقتصادية الحادة، إغلاق المعابر "غير الشرعية" مع سوريا التي تعتبر إحدى أدوات التسرب المالي والسلعي، ويعد هذا البند شرطاً أساسياً في كل القرارات الأممية والعربية الخاصة بلبنان، وبناء عليه جاءت "المبادرة الكويتية" لإعادة بناء الثقة بين لبنان ودول الخليج في يناير 2022 التي تضمنت بنداً أساسياً التشدد في منع تهريب المخدرات من لبنان إلى دول الخليج من خلال الصادرات وتفعيل التعاون الأمني بين الأجهزة اللبنانية والخليجية على أن تكون المنافذ كلها بأيدي السلطات الرسمية، إذ إن تهريب المخدرات من لبنان إلى بعض دول الخليج يعد أحد أسباب توتر العلاقة بين بيروت وعواصم خليجية عدة في الفترة الماضية.
ضبط حدودي
ويواجه ضبط الحدود بشكل كامل بين لبنان سوريا صعوبة كبيرة نظراً إلى طول مساحتها نحو 375 كيلومتراً، فضلاً عن تداخلها في كثير من المواقع، لاسيما في البقاع، وبحسب مصدر أمني لا تهدأ عمليات تهريب الأفراد وكذلك البضائع، كما أن لـ"حزب الله" عشرات المعابر للانتقال إلى الداخل السوري والتبديل العسكري الذي يحصل يومياً أو أسبوعياً، إذ تدخل وتخرج المواكب العسكرية والقوافل والعتاد عبر تلك المعابر، فيما تستغل هذا الواقع العسكري العشائر والعائلات القريبة من "الحزب" التي فتحت لنفسها عشرات المعابر وسميت بأسمائها منها معابر "ناصر الدين" و"جعفر" و"زعيتر" وغيرها، بخاصة في مقلب حوش السيد علي والقصر اللبنانية ومزارع مشاريع القاع.
ونشرت مؤسسة "شاتهام هاوس" البحثية البريطانية تحقيقاً حول تلك الظاهرة أواخر عام 2022 وأشارت خصوصاً إلى دور "حزب الله" فيها، ويستند إلى معطيات ميدانية وثقها "برنامج أدلة النزاع العابر للحدود واتجاهاته" ويعرف باسمه المختصر "إكسبت" (XCEPT)، إذ يجري التهريب بين سوريا ولبنان في الاتجاهين عبر عشرات من المعابر غير القانونية، بينما تهيمن شبكات محلية على تلك الظاهرة، كما أن معظم من تشملهم "يفعلون ذلك لأسباب مالية"، إضافة إلى اللاجئين السوريين في لبنان و"المعارضين السياسيين لنظام بشار الأسد ومقاتلي المعارضة المسلحين" وأشخاص مطلوبين في قضايا جنائية وفارين من الخدمة العسكرية وغيرهم، كذلك رصد التحقيق نفسه وجود طرق رئيسة للتهريب أبرزها تلك التي تجري عبر مسالك في ريف حمص، إذ تتميز بسهولة عبورها بواسطة "الحافلات أو السيارات، وأحياناً الدراجات النارية".
ويشير أحد شيوخ العشائر في حديث صحافي إلى أن "تداخل القرى يعزز نشاط المهربين والسماسرة بين الجانبين اللبنانيين والسوري"، كما أن وتيرة تهريب الأفراد تراجعت في الأيام الأخيرة بفعل حملات الجيش، لكن لا يمضي يوم من دون عبور أكثر من 100 سوري من وادي خالد وحدها، وتصل أحياناً إلى 500 سوري يعبرون إلى قرى المنطقة.
في حديث سابق مع مسؤول العلاقات الإعلامية في "حزب الله" محمد عفيف أكد أنه لا دخل للحزب بأي معبر غير شرعي، بل لديه معبر وحيد في منطقة القصير معروف من قبل الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية، ويمرر "الحزب" عبره سلاحه وعتاده وعناصره من سوريا وإليها، لافتاً إلى أن هناك 161 معبراً منها الشرعي وغير الشرعي، وهناك عائلات تعمل في التهريب لكنها لا تعتبر أن ذلك جرماً، إذ تقع بعض القرى ما بين الأراضي اللبنانية والسورية وبسبب تلك التركيبة الجغرافية، فإن "عمر التهريب من عمر البلد ومنذ كانت الحدود بين البلدين".
وأضاف عفيف أن "حزب الله" كان أول من طالب الجيش اللبناني بالانتشار على الحدود بعد معركة "فجر الجرود" ضد "داعش"، لكن الجيش لم يجد حينها التغطية السياسية لعملية الانتشار.
غياب مسبب
ترى بعض المصادر أن معالجة لبنان لملف اللاجئين غابت عنها الحلول الجدية، ويأتي ذلك بعد تعثر انتخاب رئيس للجمهورية، بالتالي تشكيل حكومة يكون من مهماتها الأساسية وضع خطة لمعالجة هذا الملف مواكبة للتحركات العربية.
يرى الصحافي والكاتب السياسي أسعد بشارة أن لبنان غيب عن اللقاء الخماسي في عمان لأن الطبيعة لا تتحمل الفراغ، مؤكداً أنه لا يمكن إغفال مجموعة من العوامل أدت إلى هذا التغييب، منها أن النظام السوري لا يريد أن يكون الطرف اللبناني حاضراً ولا يريد أن يصل إلى حل في موضوع اللاجئين، إلا اذا استطاع أن يبتز الجميع بشروطه غير المقبولة، بحسب قوله.
وتابع "مع معاناة لبنان فراغاً قاتلاً وانهياراً اقتصدياً كبيراً وعلى مختلف الصعد ووصاية من إيران على قراره، يأتي الغياب عن لقاء عمان نتيجة لهذا الفراغ وربما يعتبر محور الممانعة أن النظام السوري في لقاء عمان مثل سوريا ولبنان معاً".
ومن وجهة نظر أخرى يقول الكاتب والباحث السياسي حسن الدر إنه "لم يكن مفاجئاً غياب لبنان عن اجتماع وزراء خارجية الدول العربية في عمان، ولم يكن تغييباً او استخفافاً من الأشقاء العرب بلبنان، بل هو سياق طبيعي سببه تراكم الأزمات في البلد الصغير وغياب المرجعية الدستورية القادرة على اتخاذ القرار".
ويتابع "الفراغ يملأ كرسي رئاسة الجمهورية والحكومة منقوصة الصلاحيات لأنها حكومة تصريف أعمال والانقسام السياسي العمودي يحد من قدراتها واجتماعاتها"، مشدداً على أن الملفات التي بحثت في الاجتماع تعني لبنان بالمباشر، من قضية النازحين التي باتت قنبلة موقوتة تهدد النسيج الاجتماعي والاستقرار الأمني، إلى مكافحة تهريب المخدرات، إذ اتهم لبنان بتسهيلها في فترة سابقة وكانت أحد أسباب قطع العلاقات التجارية بين لبنان والسعودية". ويرى الدر أن الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة وفق برنامج إصلاحي وإنقاذي واضح، سيعيد لبنان إلى مكانه الطبيعي وممارسة دوره في تحمل مسؤولياته، مضيفاً أنه "من هذا المنطلق يدعم الرئيس نبيه بري وصول الوزير السابق سليمان فرنجية إلى قصر بعبدا باعتباره قادراً على التواصل مع القيادة السورية بثقة ومسؤولية ويمكنه معالجة ملف النازحين وكذلك ملف الكبتاغون بالتعاون بين لبنان وكل من سوريا والسعودية"، بحسب تعبيره.