حملة تأهيل شارع الرشيد البغدادي تنطلق بعد الأضحى
يحمل شارع الرشيد وسط العاصمة العراقية بغداد في زواياه وفي ذاكرة أبناء الرافدين، كثيراً من الأحداث التي شهدها العراق على مدار أكثر من قرن كامل، إلا أن الإهمال طال الشارع خلال السنوات الماضية وأصبح مهجوراً لا سيما في أوقات العصر والليل. واليوم تحاول السلطات العراقية إعادة إحياء تراث الشارع عبر مبادرة "تمكين" التي يشرف عليها البنك المركزي العراقي ورابطة المصارف العراقية وبالتنسيق والتعاون مع الجهات ذات العلاقة في الحكومة العراقية وأمانة بغداد.
فشارع الرشيد الذي يعتبر شاهداً على ما مر به العراق من أحداث سياسية واضطرابات أمنية واحتجاجات شعبية عبر قرن كامل من الزمن، أصبح اليوم شارعاً تجارياً ذات بنايات متهالكة وملامح قديمة، ومن المؤمل أن تبدأ عمليات الإعمار في منطقة شارع الرشيد أو "بغداد القديمة" كما يسميها البعض بعد عيد الأضحى.
وقد بدأت اليوم ملامح التحضير للبدء بالشكل الرسمي في العمل على تأهيل الشارع وترميم البنايات القديمة بما يناسب ملامح المنطقة والتراث العراقيين، وقد حجزت آليات العمل مكانها في الشارع الذي يعد من أهم الشوارع العراقية تاريخياً.
الحفاظ على إرث بغداد القديمة
وفي مارس (آذار) الماضي، أكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أهمية الحفاظ على إرث مدينة بغداد القديمة.
وقال بيان صادر عن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء، إن "السوداني ترأس اجتماعاً للجنة تأهيل بغداد القديمة بحضور أمين بغداد ورئيس هيئة الآثار والتراث والمستشار الثقافي لرئيس مجلس الوزراء ورئيس رابطة المصارف الخاصة ومدير الدائرة الهندسية في صندوق المبادرات (تمكين) في البنك المركزي".
أكدت الحكومة العراقية أهمية الحفاظ على إرث مدينة بغداد القديمة (اندبندنت عربية)
وأضاف أن "السوداني استمع إلى شرح واف عن أعمال المرحلتين الثانية والثالثة من مشروع تطوير بغداد القديمة المقرر الشروع بهما في مطلع مايو (أيار)، حيث تتضمن المرحلة الثانية محور السراي الموازي للقشلة، فيما تتضمن المرحلة الثالثة تأهيل شارع الرشيد وساحة الميدان وساحة الرصافي. ووجه رئيس الوزراء باختيار واجهات تراثية تتطابق مع بيئة المكان التراثية، وإنشاء مرائب ومرافق خدماتية".
وثمن السوداني عمل اللجنة وأكد دعمه الكامل لها كي تعود بغداد إلى ألقها الحضاري والتراثي المشرق، مشدداً على أهمية الحفاظ على إرث مدينة بغداد القديمة، كونه يمثل واجهة تضم أهدافاً اجتماعية واقتصادية، فضلاً عن أهدافها العمرانية المهمة.
ولفت البيان إلى أن مشروع تطوير بغداد القديمة يأتي ضمن مبادرة رئيس مجلس الوزراء الحكومية التي أعلن عنها خلال الاحتفال بمئوية أمانة بغداد في فبراير (شباط) الماضي، وأطلق خلالها 150 مشروعاً خدماتياً وتطويرياً.
جلسات بغدادية واستفادة
وفي هذا السياق، كشف مدير عام دائرة العلاقات والإعلام في أمانة بغداد محمد الربيعي، أنه بعد توجيه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى تطوير شارع الرشيد، تم تشكيل لجنة مركزية بإدارته، إذ إن تطوير الشارع يدخل ضمن إحياء منطقة شارع السراي خلف المتنبي، ثم باتجاه وزارة الدفاع على اليمين واليسار، ثم في الذهاب إلى تقاطع العلاوي، ثم نزولاً إلى تمثال الشاعر العراقي معروف الرصافي وصولاً إلى المتحف البغدادي.
وأكد أن عملية التأهيل ستشمل المباني التراثية وتحويلها إلى جلسات بغدادية ولقاءات ثقافية واجتماعية وواجهة اقتصادية وتطوير واجهة النهر، إضافة إلى عملية تنظيف وتجديد المباني بالشكل المناسب التي أعطتها وزارة الثقافة ودائرة التراث والآثار.
وأضاف أنه تم تشكيل اللجنة والعمل جار على تحديد الرؤية والأولويات ثم الموافقات، والبدء في عملية التنفيذ التي تبدأ بعد العيد وتنتهي حين إكمال هذا الجزء.
التجديد والتطوير
وفي هذا السياق، أكد الكاتب والصحافي زيدان الربيعي، أن "عملية تطوير شارع الرشيد وبعض الأسواق التراثية والمتاحف المتاخمة له تمثل خطوة لافتة من قبل الجهات المعنية التي تولت هذا الأمر من أجل أن يعود الشارع إلى ماضيه الجميل، عندما كان يمثل الملتقى الأهم لكل شخص يصل إلى العاصمة بغداد سواء من العراقيين أو غير العراقيين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبر أن "عملية ترميم الشارع وتطويره تأخرت كثيراً، وقد أدى هذا التأخير إلى سقوط بعض المباني المهمة التي تحمل ذكريات رائعة ومميزة للعاصمة بغداد عموماً وشارع الرشيد حصراً، ومنها الأماكن التي غنت فيها أم كلثوم وزارها عبدالحليم حافظ، فضلاً عن اندثار بعض المحال التي كان يشغلها أشخاص لهم علاقة مهمة بتراث وتاريخ الشارع ومنهم حلاق الملك الذي توفي قبل سنوات، مما أدى إلى إشغال المكان الذي كان يعمل به من قبل أشخاص يمتهنون مهنة أخرى، ولكن في النهاية أتت عملية التطوير وهذا المهم، ونأمل أن يتماشى التطوير مع أهمية الشارع لدى العراقيين ومكانته الكبيرة في نفوسهم، لأنهم يرتبطون ارتباطاً وثيقاً جداً مع هذا الشارع الذي شهد كثيراً من الأحداث المهمة في تاريخ العراق سواء كانت سياسية أو ثقافية أو فنية أو اجتماعية".
ورأى الربيعي أن "عملية تطوير شارع المتنبي قبل سنوات كانت رائعة جداً ومنحت الشارع رونقاً مميزاً سواء من حيث الإدامة والتنظيم وكذلك الإنارة والنظافة، ونأمل أن يكون تطوير شارع الرشيد بالمستوى ذاته أو أفضل من ذلك، لأن العاصمة بغداد باتت في حاجة ماسة جداً إلى وجود المقاهي والصالونات الأدبية والثقافية في شارع الرشيد، فضلاً عن المقاهي التي بقيت فيه، وهي من الطراز القديم وباتت في حاجة ماسة جداً إلى التجديد والتطوير".
وختم بالقول "لدي أمل كبير جداً أن يتم العمل بسرعة فائقة جداً حتى نرى شارع الرشيد يعود إلى رونقه القديم والجميل، كذلك نتمنى الحفاظ على مكانته التراثية من خلال إعادة ترميم المباني المتضررة وفقاً لطرازها القديم، علماً أن بعض البنايات في شارع الرشيد وتحديداً بالقرب من جامع (الحيدر خانة) قد تم ترميمها من قبل أصحابها وفق الطراز القديم وبطريقة مميزة للغاية".
ثروة هائلة من التراث العمراني
في حين، يؤكد الباحث الاقتصادي بسام رعد، أن محافظة بغداد تزخر بثروة هائلة من التراث العمراني الذي يمثل ذاكرتها الحضارية، ويعتبر الشارع المركز الرئيس للتفاعلات التاريخية والاجتماعية والاقتصادية التي حدثت خلال القرن الماضي.
وأكد الرعد أن إعادة تأهيله يمكن أن تحقق مجموعة من الأهداف وفي مقدمها الحفاظ على التراث الثقافي لمدينة بغداد، وتعزيز التنمية الاقتصادية المحلية، وتهيئة وتوفير مزيد من فرص العمل.
وأشار الرعد إلى أن هذا الشارع يتميز بتنوع النشاط الاقتصادي متمثلاً في المحال التجارية والمقاهي التاريخية والمكتبات العريقة.
وأضاف أن إعادة تأهيله وإحيائه وتوفير الخدمات الأساسية لها مردودات اقتصادية، وستشجع على إقامة مشاريع قد تكون متناهية الصغر إنما تعود بالمنفعة على سكان المناطق المحيطة إضافة إلى تحويله إلى ركيزة جذابة للسياحة الثقافية.
منافع عدة على المستوى الاقتصادي
وفي هذا الإطار، قال أستاذ الاقتصاد الدولي نوار السعدي، إن هناك أهمية كبيرة لتطوير الشارع لما له من قيمة على المستوى التاريخي، إذ يعتبر أحد أقدم الشوارع في بغداد وله تاريخ طويل ويحتضن عديداً من المعالم والمباني التاريخية البارزة، مما يجعله مصدراً للفخر والهوية الثقافية للمدينة.
وذكر السعد أنه سابقاً كان يعد مركزاً ثقافياً توجد فيه عديد من المتاحف والمعارض الفنية والمكتبات التي تعرض الفن والثقافة العراقية، ومرجعاً رئيساً للفعاليات الثقافية والاجتماعية في بغداد، ناهيك بالأهمية التجارية إذ كان الرشيد لفترة طويلة مركزاً تجارياً حيوياً في بغداد، لافتاً إلى أنه يوجد على طول الشارع عديد من المحلات التجارية والأسواق الشعبية التي تقدم مجموعة متنوعة من المنتجات والسلع، ما يجذب السكان المحليين والسياح للتسوق والتجول فيه في الأزمنة كافة.
وأكمل أن إعادة تطوير وتأهيل شارع الرشيد مرة أخرى سيعود بمنافع عدة على المستوى الاقتصادي، وسيجذب بفضل تراثه التاريخي والثقافي الغني عدداً كبيراً من الزوار السياح في المستقبل.