اخبار العراق الان

عاجل

ساعة تسديد الحساب الوطني

ساعة تسديد الحساب الوطني
شفق نيوز

ليس تصريح رئيس حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني بأن التحدي الأمني الذي كانت تواجهه الحكومات السابقة، أصبح أثناء حكومته من الماضي، وحده الذي يمكن منه بناء قصة تحليلية بشأن “الوعد الزائف” الذي يراد له أن يتحول إلى ظاهرة مطمئنة عند حكومة السوداني.

سنجد الكثير مثل هذا الوعد يطلقه نوري المالكي وعمار الحكيم وقيس الخزعلي وهادي العامري… في تعبير عن القلق الكامن بأنهم مهددون، فتزييف القلق على أنه استقرار سياسي واقتصادي حكومي وشعبي، محض حل إعلامي لا يبعد عن نفوسهم ترقب العاصفة. بأنهم جميعا مطالبون بتسديد الثمن للعراقيين برمتهم.

ولأنه لا توجد سمة في السياسة أكثر رعباً من اليقين خصوصا ما يتعلق بالمستقبل. تلك التي لم يتعلمها بعد السوداني وهو يتحدث بغرور مفرط عن تلاشي الخيار الأمني وعبور التصدع الاقتصادي ومنح حكومته درجة النجاح المبكر… متناسياً قدر العراق التاريخي عندما تقترب البلاد من المعادلة الصفرية القادمة لا محالة.

نحتاج هنا التذكير بما كتبه محمد توفيق علاوي عن تسديد الثمن، نقلا عن رئيس وزراء سابق بأن العراقيين سيدخلون يوماً ما على بيوتنا ويسحلوننا في الشوارع!

ذلك يعني ببساطة أن “متوالية السحل” هاجس قائم ومستمر عند المالكي والخزعلي والحكيم والعامري وهم يروجون للاستقرار الأمني والسياسي الزائف.

مع ذلك علينا أن نأخذ كلام السوداني على محمل الجد، ونحن نجمع المؤشرات السياسية للواقع العراقي، فكوميديا التزييف السياسي مستمرة، وإن أعتمر لصوص الدولة عمائم الورع، لأنه ببساطة لا يمكن لقم فم التاريخ حجرا كي ينسى مثلا “سرقة القرن”!

لم تكن الطائفية التي كانت عنوان الخطاب الدائم للمالكي مثالية بالنسبة للسوداني مع أنه نتاج فعلي لأحزابها، فهي كانت درساً مفيداً للتعلم من الفشل، لكن هناك ما هو أفضل منها عندما يتعلق الأمر بالانتهازية والتلفيق واستثمار الوقت في ضخ ما يمكن أن يسمى خدعة الإنجاز السياسي.

ترك السوداني غرور المالكي الطائفي ووجد ما يساعده على التحرك، فكانت انتهازية الوهم، نجمه الوحيد والمستمر بينما قضى نصف عامه الأول في رئاسة الحكومة.

مع ذلك لا يمكن للعراقيين لمس إنجاز حكومة السوداني إلا بطريقة واحدة تكمن في إغلاق متعمد للعيون عن التصدع الموجود بالأساس في بنية العملية السياسية.

كلام السوداني وقبله المالكي وعمار الحكيم، عن القدر السياسي المستمر بالنسبة إليهم، وأنه حقيقة نهائية. إنهم في ذلك يريدون من العراقيين التخلي عن الأمل، لأن ثورة تشرين ثانية تعني بالضرورة تهديم معبد العملية السياسية على رؤوس مشيديها.

فالعراق يدخل مرحلة خطيرة بشكل فريد، حيث حقق أتباع إيران سيطرة لا سابق لها على البرلمان والقضاء والسلطة التنفيذية، وهم يتلاعبون أكثر وبسرعة بالنظام السياسي لصالحهم وينهبون ثروات البلاد.

سنجد شيئا من الإجابة عن كل ذلك فيما كتبه مايكل نايتس الباحث المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران ودول الخليج. عندما وصف الهدوء السياسي القائم منذ تشكيل حكومة الإطار التنسيقي بالخادع الذي لن يطول قبل أن تحل لحظة الانفجار. فالعراق ينهار بهدوء في تعبير سياسي دقيق لمتابع يعرف العراق جيدا، لأنه زار بغداد من قبل، والأهم من ذلك عمل نايتس في ملف العراق مع المؤسسات الأمنية الأمريكية، ويعمل اليوم كزميل في معهد واشنطن، لذلك تحول تقريره المطول الذي نشر قبل أيام في مجلة “فورين آفيرز” الأمريكية ومعهد واشنطن للدراسات، إلى إحدى وثائق الكونغرس الأمريكي في الملف العراقي. “نشر موقع أوروبي هامشي (EU REPORTER) لاحقا مقالاً سطحياً يرد على ما كتبه نايتس كخدمات صحفية مدفوعة الثمن من قبل حكومة الإطار التنسيقي”.

كتب نايتس الحاصل على درجة الدكتوراة من “قسم دراسات الحروب” بـ “الكلية الملكية في لندن”

“إن الإطار التنسيقي يحكم بسلطة مطلقة لم يشهدها العراق ويحرك السوداني كدمية في رئاسة الحكومة”. مشددا على أن “الهدوء الظاهر في العراق قد يتحول إلى الهدوء الذي يسبق العاصفة”، عندما عد السوداني بمثابة دمية، وأن القوى الحقيقية هم ثلاثة أمراء حرب يقودون الإطار التنسيقي، وهم قيس الخزعلي ونوري المالكي وهادي العامري.

ذلك أيضا يمنحنا سببًا لقراءة ترويج خطاب “الاستقرار السياسي والأمني” الذي لم يتوقف عنه أمراء الحرب وفق تعبير نايتس.

لكن مثل هذا الخطاب الإطاري الأجوف لا ينهي، في حقيقة الأمر، الأمور التافهة والخداع وضيق الأفق، وهي سمات ثابتة في العملية السياسية القائمة في العراق منذ عشرين عامًا، ولا تتغير بمحض تصريح للصوص الدولة ولوردات الطائفية.

فالميليشيات وأحزابها مستعدة للانتقام في حال أدركت عجزها عن فرض “قيادتها” على مستقبل العراق، لذلك فأن التعويل الإقليمي ومنح الشرعية السياسية لحكومة السوداني في مسعى لترسيخها في مذكرات تفاهم واتفاقيات مشكوك بتنفيذها على الأرض، يضع كل معتقدات إضفاء الشرعية موضع شك.

ذلك لأن السوداني ومن يحركه كدمية يرفضون الاعتراف بدرجة غليان “قدر الضغط الكاتم” والكامن في نفوس العراقيين ومحاولات الوقوف في وجوههم، سواء بخطاب التهدئة والاستقرار الأمني ومزيد من الوظائف التي لا تنتج غير الفراغ، أو بسلاح الميليشيات الذي يرفض أن يعود الى المخازن. لأنهم في كل ذلك يدفعون باتجاه إبعاد ساعة تسديد الحساب الوطني!