اخبار العراق الان

هشاشة الاندماج وتأصيل الرفض

هشاشة الاندماج وتأصيل الرفض
واع

نازك بدير

 ثمّة من يحاول تصوير ما يحصل في فرنسا من موجة احتجاجات موسّعة إثر مقتل الفتى «نائل المرزوقي» على يد ضابط شرطة فرنسي يوم الثلاثاء الموافق في 27 من يونيو أنّه في سياق العداء بين مسلمين و»العلمانيّة».
لكنّها أزمة مركّبة تعود جذورها إلى الجيل الأوّل من المهاجرين المغاربة الذين وفدوا إلى ميناء مارسيليا منذ بداية القرن العشرين وقبلوا القيام بأعمال يرفضها الفرنسيّون واستلموا وظائف لا تخلو أحيانا من الخطورة(حفر الأنفاق).
ولأسباب عديدة منها احتلال بلادهم، وتعرّضهم للظلم ومنْع مَن يحمل أسماء أمازيغيّة غير مقبولة في المجتمع الفرنسي (قبل قيام الاصلاحات) مِن دخول سوق العمل، فإنّ عددًا غير قليل منهم رفض الجنسيّة الفرنسيّة.
لم يتمكنّوا من التصالح مع البلد المضيف، وترسّبت أحقاد دفينة عند هذا الجيل (الأجداد) وانتقلت إلى الجيل الثاني، وتوارثها الجيل الثالث.
قسم كبير منهم لم يكمل تعليمه، ولم يحظَ بالتالي بفرصة تحسين أوضاعه الاجتماعيّة والاقتصاديّة، وهم في غالبيّهم يعيشون في أحياء منعزلة، هامشيّة، في ظروف غير ملائمة، تتزايد فيها معدّلات البطالة.
منهم من يبحث عن حياة سهلة، ويفضّل الركون إلى المساعدة الاجتماعيّة التي تقدّمها الدولة، في حين أنّ شريحة كبيرة من الجيل الثالث من المهاجرين تأخذ على الحكومات المتعاقبة إهمالها مطالبهم، وعزلهم في تجمّعات بعيدة من المجتمع الفرنسي، وحصر عملهم في مجال السمكرة والكهرباء( على الرغم من بروز نجوم من أبناء الأحياء الشعبيّة من المهاجرين في مجالَي الرياضة والفنّ).
من جهة ثانية، أثّر خطاب اليمين المتطرّف ضدّ المهاجرين المسلمين تحديدًا بشكل سلبيّ على اندماج المسلمين في فرنسا وحرّض عليهم في وسائل الإعلام.
ماكرون متّهم، على حدّ ما ذكرته صحيفة التايمز، بشحن المهاجرين خارج المدينة تمهيدًا ل» دورة باريس للألعاب الأولمبيّة 2024».
لكن ما حصل هو العكس تمامًا؛ السياسات المتّبعة أدّت إلى تسليط الضوء عليهم مجدّدًا.
في المحصّلة، الإخفاق في إدارة الأزمة التي تعيشها فرنسا ليس سببها «مهاجرون مغاربة»؛ هي ذات أبعاد متعدّدة: حسب مجلة le point الفرنسيّة، سياسات ماكرون هي التي ضاعفت الأزمة وسط خوف من أن يقضي على المجتمع الصناعي ويعمل على زيادة الدَّين العامّ.
إنّها مشكلة دولة ترفع شعار “الحريّة والعدالة والمساواة” وتتقاعص عن تحقيقها.
الرئيس الفرنسي في موقف لا يُحسد عليه: داخليًّا، أمام غضب شعبي نتيجة تمريره مشروع ما سمّي ب “إصلاح نظام التقاعد”.
وخارجيًّا، فتور في حضور باريس على الساحة الدوليّة.
الاندماج لا يتوقّف على المهاجر وحده.
الحلّ يبدأ من الداخل عندما تطرح الحكومة الفرنسيّة خطّة إصلاحات جذريّة، وتعمل على تنفيذها.
أمّا إذا غلبت العنصريّة وسياسة اليمين المتطرّف، فسنشهد جولات متكرّرة من الاحتجاجات في عاصمة الموضة، وغيرها من العواصم الغربيّة.

* كاتبة لبنانيّة