الإنتاج الإعلامي ووسائله المسيطرة
د. محمد وليد صالح
ليست هناك ايديولوجيا للدولة وأخرى لوسائل الإعلام، بل هناك أيديولوجيا واحدة ترسم الخط السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة، وكذلك موقفها من الاتصال وأدواره وعمليته ووظائفه التي تتكامل مع مؤسساتها بهدف تحقيق التوازن، الذي يؤدي إلى دعم قيّم ومصالح وأهداف القوى المسيطرة على وسائل الإنتاج الإعلامي الأساسية في المجتمع، وتتحكم بالتالي في أدوات التغيير، بحسب ما أشارت إليه الدراسات، وهذه تشتمل على عناصر عدة لتنظيم الممارسة الإعلامية ومتطلباتها.
فمسؤولية وسائل الإعلام الحرة تفرض على الصحافيين التزامات تجاه المجتمع الذي تعمل داخل إطاره وتنقل الأخبار والمعلومات إليه، وتقع عليهم مسؤولية حماية مصادرهم عندما لا يكون بإمكانهم تسمية أو كشف هذه المصادر، إذ إن اغلب الجمهور لا يزودون الصحافيين بالأخبار والمعلومات المهمة عن الفساد خشية من كشف أسمائهم وهوياتهم، فالذين يتحلون بالمسؤولية المهنية سيعتمدون على الأساليب الموضوعية للوصول إلى الأخبار.
إذ يسعى الصحافي المحترف لإعداد تقرير متوازن يحتوي على وجهات نظر ومواقف الجانبين، لا سيما أن معظم القواعد السلوكية للصحافة تضع أهمية كبرى لموضوعة عدم الانحياز أو عدم اتخاذ جانب ما في أي مسألة، وأن البحث عن أكثر من رأي سيساعد في التغلب على مظهر الانحياز وهذا يتطلب عملاً اضافياً من أجل الوصول إلى موازنة عادلة في التغطية الإعلامية للحدث.
أما الدقة فتأتي للحصول على المعلومات الدقيقة والصحيحة هو الجزء الأكثر أهمية في الصحافة المتميزة بالموضوعية، إذ إن المرشحين والناخبين يمكن أن يكونوا عاطفيين في أثناء الانتخابات، لذا يتوجب نقل كلماتهم بدقة لتعكس المعاني المقصودة، وإيضاح سياقات الأحاديث من دون تضخيم للمعاني.
وعلى سبيل المثال نجد أن الصحافيين المحترفين حتى لو كانوا يعملون لصالح مؤسسة إعلامية تدعم كياناً سياسياً أو تابعا للحكومة، فأنهم يسعون لأن يكونوا غير منحازين وان يضمنوا تقاريرهم تغطيات متوازنة تقوم على أسس واضحة، وأن عدم الانحياز بالنسبة للمراسل الصحافي يعني أنه يجب ألا يؤدي دور الناشط السياسي في أية عملية انتخابية، بوصفه جزءًا مهماً منها، وقد يتفق أغلب المؤسسات الإعلامية والصحافيين على مبادئ سلوكية في مجال عملها، فضلاً عن الاعتماد على مبادئ وقواعد السلوك المهني، التي تنظم تغطية وسائل الإعلام للانتخابات وهو ما يسمى بـ(المسؤولية الإعلامية)، مما يعني أن تراجع دور الإعلام المستقل يدفع بوسائله إلى عدم دخولها طرفاً في التنافس السياسي والدعائي الانتخابي، وأصبح ظاهرة بما تعنيه من الشمول والأهداف وتعددية الوظائف التي يسعى لتحقيقها في عصر تقانات الاتصالات والمعلومات الرقمية، ولما يقدمه من خدمات في تطوير حياة المجتمعات وتنميتها لزيادة معارفهم وتوسيعها ونقلها، وتعبئة الرأي العام في ما يتعلق بالقضايا التي تتحكم في تطور الإنسان.