الصومال: مخاوف من تمدد المعارك ضد "الشباب" للمناطق الكينية الحدودية
تشهد المناطق الحدودية بين الصومال وكينيا توتراً أمنياً في الفترة الأخيرة بعد انسحاب القوات الكينية من قاعدة جيرلي العسكرية في مدينة جيرلي بإقليم جدو (جنوب الصومال)، التي تبعد نحو 12 كيلومتراً عن الحدود الكينية الصومالية. وكثّفت القوات الكينية دورياتها الأمنية في المناطق الحدودية بنشر وحدات عسكرية من الشرطة تحسباً لعمليات أمنية وهجمات انتحارية من حركة "الشباب" تستهدف المناطق الكينية في الأقاليم الشمالية الشرقية، والتي تعرف بمقاطعة أنفدي (الصومال الكيني سابقاً).
وهاجمت حركة "الشباب" مركزاً للشرطة في بلدة ورغدود الواقعة شمال شرقي كينيا، فجر الجمعة الماضي، واشتبكت مع رجال الأمن الكينيين، وزعمت الحركة الاستيلاء على معدات عسكرية في أحد مقار الشرطة الكينية، قبل أن تنسحب بعد هجوم من الجيش الكيني.
تستغل "الشباب" الفراغ الأمني الذي أحدثه انسحاب القوات الكينية من قاعدة مدينة جيرلي أواخر يونيو الماضي
ويعد هذا الهجوم، وفق مراقبين، نقلة نوعية لهجمات "الشباب" نحو المناطق الحدودية الكينية، ويعكس نشاطاً متزايداً لعمليات الحركة بالقرب من المناطق الواقعة على الحدود المشتركة بين البلدين، التي يصل طولها إلى نحو 900 كيلومتر. وتستغل "الشباب" الفراغ الأمني الذي أحدثه انسحاب القوات الكينية من قاعدة مدينة جيرلي في 29 يونيو/حزيران الماضي.
تحديات أمنية في المناطق الحدودية
يأتي هذا وسط تحديات أمنية تشهدها أيضاً المناطق الصومالية القريبة من الحدود الكينية. وتمكنت القوات الصومالية في ولاية جوبالاند، المعروفة بـ"درويش"، من استعادة السيطرة على قاعدة جيرلي العسكرية الاستراتيجية في إقليم جدو أول من أمس الجمعة، بعد أن استولى عليها مسلحو "الشباب" الخميس الماضي. وبحسب وسائل إعلام محلية، فإن القوات المحلية في ولاية جوبالاند شنت هجوماً عنيفاً على "الشباب" في مدينة جيرلي، انتهت بطرد مسلحي الحركة من المدينة.
وتبدي قيادات العشائر الصومالية، القاطنة في المناطق الكينية القريبة من الحدود الصومالية ضمن ما يعرف بـ"إقليم أنفدي"، تخوفها من تمدد الصراعات العسكرية بين الجيش الكيني ومسلحي الحركة إلى المناطق التي تسكنها غالبية صومالية في منطقة مانطيرا، التي يعيش فيها مئات الآلاف من الصوماليين بصفة رسمية أو لاجئين في المخيمات الكينية التي تشرف عليها المنظمات الأممية.
وقال عمدة مقاطعة مانطيرا علي معلم محمد، في حديث لوسائل إعلام كينية، إن التحديات الأمنية الهائلة التي تواجهها المقاطعة ليست نابعة فقط من احتمالية تزايد هجمات "الشباب" على المنطقة، بل هناك سعي حالياً لتوعية السكان والتحذير من المخاطر الناجمة عن تلك التداعيات الأمنية التي تخلفها هجمات "الشباب"، وكذلك في سبيل التعاون مع الأجهزة الأمنية وتقديم المعلومات الضرورية لمواجهة العراقيل والتحديات الأمنية.
وأكد محمد أن الوضع الأمني حالياً في المقاطعة مستتب، وأنها تحت سيطرة الأمن الكيني، كما أن الأجهزة الأمنية قادرة على تحديد المناطق التي تتسلل منها عناصر "الشباب"، خصوصاً في الفترة الأخيرة التي بدأ نشاط عناصر الحركة بشكل متزايد.
"الشباب" تعوض تراجعها في جنوب الصومال
وفي هذا السياق، قال الباحث في شؤون مكافحة الإرهاب في وزارة الأمن الصومالية عبدي علي حسن، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن القوات الكينية العاملة ضمن قوات حفظ السلام الأفريقية الانتقالية (أتمس) والقوات الفيدرالية الصومالية تعمل بجد للتخلص من هجمات "الشباب"، لافتاً إلى أن الهجمات التي تشنها الحركة تأتي في إطار تراجعها العسكري في مناطق عدة جنوبي البلاد، بعد أن تمكن الجيش الصومالي من طردها من مناطق جديدة بإقليم جوبا الوسطى.
وأشار إلى أن هجمات "الشباب" على المناطق الكينية القريبة من الحدود المشتركة بين البلدين تعجل نهايتها فقط وتشعل فتيل المعركة الأخيرة ضدها، التي يخطط لها الجيش الصومالي حالياً في جنوب البلاد ووسطها، وترفع درجة التعاون الأمني بين الصومال وكينيا، وهذا ما يمهد للقضاء عليها نهائياً قريباً.
وأوضح الباحث أن طول الحدود المشتركة بين البلدين يمثل تحدياً كبيراً لأمن البلدين، نتيجة عدم توفر إمكانات أمنية هائلة لمراقبة تلك المناطق الحدودية، وبالتالي، فإن إيجاد آلية للتنسيق الأمني بين الجانبين ضرورية حالياً، لمواجهة هجمات الحركة.
تزايد التوترات في المناطق الحدودية يؤجل فتح المعابر الحدودية بين البلدين
وبعد إعلان الانسحاب الجزئي للقوات الأفريقية من جنوب البلاد، ازدادت المخاوف من تفجر الوضع الأمني في المناطق الحدودية بين الصومال وكينيا، وبدأت تحركات عاجلة تقودها كينيا لاستباق التدهور الأمني في مناطقها الحدودية مع الصومال.
وزار رئيس جهاز الأمن والمخابرات الكيني نور الدين محمد حاجي العاصمة الصومالية مقديشو، في 7 يونيو الماضي، وسط إجراءات أمنية مشددة، وأجرى لقاءات مكثفة مع المسؤولين الأمنيين والمشرفين على الأجهزة الأمنية الصومالية. وتمحورت الزيارة في إطار تعزيز التعاون بين البلدين في مجالات الأمن والسلامة وتبادل المعلومات الأمنية لمكافحة "الشباب"، التي تنشط عبر المناطق الحدودية الواقعة بين البلدين.
ووفق متابعين، فإن تزايد التوترات في المناطق الحدودية يؤجل فتح المعابر بين الدولتين. وأعلن وزير الداخلية الكيني كيثور كنديكي، في تصريح سابق، أن إعادة فتح المناطق الحدودية مع الصومال ستتأخر، بسبب المخاوف حول زيادة المخاطر التي تشكلها أنشطة "الشباب". يذكر أن حكومتي البلدين توصلتا في مايو/ أيار الماضي إلى اتفاق أمني لإعادة فتح النقاط الحدودية بين الدولتين، لتسهيل حركة المرور والبضائع العابرة بين الحدود، خصوصاً لسكان المناطق من الجانبين، لكن عودة نشاط الحركة وعملياتها بالقرب من الحدود أدّت إلى تمديد فترة الإغلاق الحدودي إلى أجل غير مسمى.
وقال الصحافي في إذاعة صوت أميركا (القسم الصومالي) عبد العزيز برو، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الرهانات تشير إلى قرب معركة حامية الوطيس عند الحدود بين الدولتين، لافتاً إلى أن نجاح العملية العسكرية المرتقبة ضد "الشباب"، التي أعلنتها الحكومة الفيدرالية الصومالية، يضع مستقبل "الشباب" ووجودها في القرن الأفريقي أمام سيناريوهات مفتوحة.
وأوضح برو أن الحركة قد تتمكن من التوغل عسكرياً في المناطق المأهولة القريبة من الحدود الكينية الصومالية، والتي تحصن فيها مقاتلو المحاكم الإسلامية عندما انهزموا أمام القوات الإثيوبية أواخر عام 2006، حيث فرَّ العديد منهم إلى الأدغال الكينية والغابات الممطرة في جنوب الصومال.
وأشار برو إلى أن المناطق الساحلية يمكن أن تمثل لقيادات الحركة جسر عبور باستخدام قوارب الصيد والهروب إلى المناطق الشمالية الشرقية من الصومال، خصوصاً إقليم بونتلاند الذي يتمركز فيه مقاتلون من الحركة في جبال غلغلا منذ عام 2010، وينتشر فيها أيضاً تنظيم "داعش"، حيث تشهد تلك المنطقة بين الحين والآخر مواجهات عنيفة بين الجانبين بشأن الهيمنة على المناطق الجبلية الوعرة في هذه المنطقة.
ولفت برو إلى أن سبب تزايد نشاط الحركة في المناطق الحدودية بين الصومال وكينيا يعود لمحاولتها خلق بيئة جديدة للمعركة مع خصومها، والبحث عن أرضية للانتشار في حال هزمت واضطرت للانسحاب من المناطق التي تسيطر عليها حالياً في جنوب البلاد.