موجة حارة تضرب أنحاء العالم... الكوكب يشتعل
تدعو السلطات في أنحاء العالم مواطنيها إلى اتخاذ تدابير للتعامل مع شدة القيظ، والحذر من الفيضانات، ومن اندلاع الحرائق، والتي تُعزى إلى تزايد الاحتباس الحراري والتغير المناخي المتفاقم، في حين تفشل الحكومات في الاتفاق على خفض الانبعاثات لحماية الكوكب من مخاطر تؤثر على كل مناحي الحياة، ويتضرر منها كل الكائنات.
كان شهر يونيو/حزيران الماضي هو الأكثر سخونة على الإطلاق، وفقًا لوكالة "كوبرنيكوس" الأوروبية ووكالة "ناسا" الأميركية، ثم كان الأسبوع الأول من شهر يوليو/تموز هو الأكثر سخونة على الإطلاق، وفقًا لبيانات صادرة عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، والتي شددت على أن ارتفاع درجات الحرارة هو أحد أخطر الأحداث المرتبطة بالطقس.
في الصيف الماضي، تسببت درجات الحرارة المرتفعة في وفاة أكثر من 60 ألف شخص في قارة أوروبا وحدها، فضلاً عن كوارث عالمية كبرى بينها حرائق وفيضانات وموجات جفاف خلفت ضحايا وأضراراً مادية كبيرة.
وتشهد غالبية الدول العربية حالياً موجة شديدة الحرارة، وسط توقعات باستمرارها خلال الأسبوع المقبل، وتحذر السلطات من مخاطر التعرض المباشر لأشعة الشمس، وتدعو المواطنين إلى الإكثار من شرب الماء، والتزام الطعام الصحي. لكن تلك النصائح لا يمكن تحقيقها في البلدان التي تشهد نزاعات وصراعات دامية، أو تعاني من الفقر، أو من تفشي الفساد.
في العراق، أعلنت هيئة الأنواء الجوية، ارتفاع درجات الحرارة في عموم المناطق، وأنها ستصل إلى أعلى معدلاتها في المحافظات الجنوبية، لتتجاوز الحرارة في محافظتي ميسان والبصرة حاجز 50 درجة مئوية. وفي فلسطين، أكدت دائرة الأرصاد الجوية، استمرار الأجواء الحارة المقدرة بخمس درجات أعلى من المعدل المعتاد، محذرة من مخاطر التعرض لأشعة الشمس.
وتتأثر منطقة الخليج العربي بامتداد منخفض الهند الموسمي المصحوب بكتلة هوائية شديدة الحرارة، فضلاً عن مستويات رطوبة عالية، ما يجعل الشعور بالحرارة أكبر، وأقرت كل تلك الدول قوانين تمنع العمل تحت أشعة الشمس في الفترة من العاشرة صباحاً حتى الخامسة مساء لحماية العمال من مخاطر الحرارة المرتفعة.
في سورية، ومع ارتفاع درجات الحرارة في معظم الأنحاء، يعاني غالبية السكان من مخاطر متفاقمة من جراء غياب وسائل الحماية الأساسية، خصوصاً سكان مخيمات النزوح الذين يعيش عشرات الآلاف منهم في خيام لا تقيهم قيظ الصيف، ولا يتوفر لهم مياه الشرب الكافية، أو الرعاية الصحية اللازمة، كما اندلعت عشرات الحرائق في المناطق الزراعية والحراجية، وخاصة في الساحل السوري، ومنطقة الغاب، ما استدعى تدخل فرق إطفاء من مختلف المحافظات، في محاولة للسيطرة على الحرائق التي وصفت بعضها بأنها "ضخمة"، ما استدعى مشاركة طائرات مروحية لبلوغ مناطق لا تستطيع عناصر الإطفاء الوصول إليها.
في مصر، توقعت هيئة الأرصاد الجوية، استمرار ارتفاع درجات الحرارة بكافة أنحاء البلاد حتى بعد غد الأربعاء. وفي لبنان، حذرت مصلحة الأرصاد الجوية من خطر اندلاع حرائق خلال موجة الحر. في حين سجلت الجزائر رقماً قياسياً، إذ بلغت الحرارة 47.9 درجة مئوية في ولايات الشمال، ولامست 50 درجة في المناطق الصحراوية جنوبي البلاد، بحسب إدارة الأرصاد الجوية.
في اليمن، توقعت هيئة الأرصاد الجوية "طقساً شديد الحرارة في الصحاري والهضاب الداخلية والمناطق الساحلية"، ودعت المواطنين إلى تجنب التعرض لأشعة الشمس المباشرة. وفي المغرب، توقعت مديرية الأرصاد الجوية، تسجيل درجات حرارة تتراوح بين 43 إلى 48 درجة في كافة الأقاليم، في حين تشهد تونس، منذ 5 يوليو الجاري، موجة تجاوزت فيها الحرارة 50 درجة في بعض الولايات، إذ وصلت الحرارة في الظل في ولاية توزر (جنوب) إلى 48.9 درجة، وفي الشمس إلى 57.3 درجة مئوية، حسب المعهد الوطني للرصد الجوي.
في موريتانيا، حذرت هيئة الأرصاد الجوية من موجة الحر الشديدة مع وصول الحرارة إلى 49 درجة في مناطق شمالي البلاد. وفي ليبيا، أفاد المركز الوطني للأرصاد الجوية، باستمرار ارتفاع درجات الحرارة في عدة مناطق، بعد تسجيل 46 درجة مئوية.
وتتزامن درجات الحرارة المرتفعة في الدول العربية مع مستويات جفاف متفاقمة تشهدها عدد من تلك الدول التي تقلص هطول الأمطار فيها بشكل غير مسبوق، والتي يشكو سكانها من نقص كميات المياه اللازمة للشرب والزراعة، خصوصاً في العراق وسورية وتونس والمغرب والأردن.
في أوروبا التي شهدت خلال السنوات الأخيرة درجات حرارة غير مسبوقة، تشهد دول جنوب القارة المطلة على البحر المتوسط درجات حرارة قياسية، ومن بينها إيطاليا التي تعيش موجة شديدة الحرارة، وأصدرت وزارة الصحة الإيطالية، الجمعة، إشعار تنبيه أحمر لعدة أيام في العديد من المدن، من روما إلى بولونيا، ومن فلورنسا إلى بيسكارا، مع تسجيل 36 إلى 37 درجة مئوية يشعر السكان عادة بأنها توازي 39 درجة مئوية. في العاصمة روما، ارتفعت درجات الحرارة إلى 40 درجة مئوية، ويتوقع أن تزيد إلى 42 درجة مئوية خلال الأيام المقبلة، وهذا أعلى من الدرجة القياسية السابقة البالغة 40.5 درجة مئوية، والتي سُجلت في أغسطس/آب 2007.
وبينما تواجه إسبانيا والبرتغال وشرق فرنسا وألمانيا وبولندا ذات الموجة الحارة الواسعة، يقول عالم الأرصاد الجوية في جامعة تورينو، كلاوديو كاساردو، إن "التغير المناخي يجعل مثل هذه المعدلات أكثر تواتراً، وأكثر حدة مقارنة بالماضي، وحتى مقارنة بالسنوات الأخيرة".
تعاني اليونان أيضاً من الموجة الحارة، ما اضطرها إلى إغلاق "الأكروبوليس" في العاصمة أثينا خلال ساعات الظهيرة التي ترتفع فيها الحرارة. وفي حين أن درجات الحرارة في أثينا تتراوح بين 40 و41 درجة مئوية، غير أن "درجة الحرارة الحقيقية التي يشعر بها الجسم أعلى بكثير من ذلك"، وفق لينا مندوني، وزيرة الثقافة والرياضة اليونانية.
في نهاية يونيو الماضي، شهدت بريطانيا ارتفاعاً ملحوظاً في درجات الحرارة، والتي وصلت إلى 31.7 مئوية في مدينة كونينجسبي في مقاطعة لينكولنشاير. وفي الفترة الحارة من صيف 2022، تم تسجيل 2800 حالة وفاة إضافية ضمن الفئة العمرية 65 فما فوق، مقارنة مع المعدلات الطبيعية خلال هذا الوقت من العام، بحسب وكالة الأمن الصحي البريطانية.
وفي آسيا، تعاني بعض مناطق الصين، بما في ذلك العاصمة بكين، من موجة الحر الشديدة، ويترافق ذلك مع أمطار موسمية غزيرة في مناطق عدة، ما يخلف فيضانات وانزلاقات أرضية. كما تُسجل أجزاء من شرق اليابان 38 إلى 39 درجة مئوية، تترافق أيضاً مع أمطار غزيرة تخلف فيضانات في عدد من المناطق.
وفي الولايات المتحدة، ارتفعت درجة الحرارة في فينيكس، عاصمة ولاية أريزونا، الجمعة، فوق 43 درجة مئوية لليوم الخامس عشر على التوالي، وفقًا لهيئة الأرصاد الأميركية، بينما في صحراء وادي الموت بولاية كاليفورنيا، ينهمك رجال الإطفاء في مكافحة عدة حرائق مستعرة، في حين التهمت الحرائق الضخمة في كندا أكثر من عشرة ملايين هكتار من الغابات هذا العام، وهي مساحة غير مسبوقة في تاريخ البلاد ويتوقع أن تزداد خلال الأسابيع المقبلة.
وحرائق الغابات أحد أبرز تداعيات ارتفاع درجات الحرارة، وشهد العديد من بلدان العالم خلال السنوات الأخيرة حرائق قضت على مساحات شاسعة من الغابات، وخلفت مستويات عالية من تلوث الهواء، ويخشى خبراء المناخ من تكرارها خلال موسم الصيف الحالي.
وبينما تعد الولايات المتحدة والصين الملوثين الرئيسيين للكوكب، لم يُجر البلدان محادثات بشأن المناخ منذ نحو عام، ووصل إلى بكين، المبعوث الأميركي للمناخ، جون كيري، أمس الأحد، على أمل استئناف الحوار في وقت بات تأثير تغير المناخ واضحاً مع موجات حر في عدد كبير من مناطق العالم.
ويقول عالم المناخ دانييل سوين، من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس، إن "درجات الحرارة يمكن أن تتجاوز أعلى درجات حرارة للهواء قيست على نحو موثوق على وجه الأرض، والتي بلغت 54.4 درجة مئوية في عامي 2020 و2021، وفقًا للعديد من الخبراء".