ألطون لـ"العربي الجديد": أمن دول الخليج واستقرارها من أمننا
تأتي زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى قطر في إطار جولة خليجية في أعقاب الانتخابات الرئاسية والتشريعية التركية. ما هو الغرض من هذه الجولة على الصعيدين السياسي والاقتصادي؟
تربط تركيا شراكة قوية مع جميع الدول الشقيقة في منطقة الخليج، إذ تجمعنا روابط تاريخية وإنسانية وثقافية عميقة إلى جانب تعاون اقتصادي واسع النطاق. وأثبتت الانتخابات التي أجريت في مايو/أيار الماضي مرة أخرى ثقة شعبنا في الرئيس رجب طيب أردوغان وحكومتنا، والآن لدينا الكثير لنفعله في الحقبة المقبلة كمثل تحسين علاقاتنا الممتازة مع الخارج. وفي هذا السياق، يُسعدني أن أزور قطر الشقيقة.
إلى ذلك، يصادف عام 2023 الذكرى الخمسين لتأسيس العلاقات الدبلوماسية بين بلدينا. ومن هذا المنطلق، يسعدنا أن نحتفل بهذه المناسبة السعيدة من خلال القيام بهذه الزيارة رفيعة المستوى. ومن خلال هذه الزيارة، نهدف أيضاً إلى لقاء نظرائنا القطريين وتبادل وجهات النظر حول علاقاتنا الثنائية والتطورات الإقليمية، ومناقشة الخطوات المستقبلية التي ينبغي اتخاذها بما يخدم مصالحنا المشتركة ومصالح منطقتنا. ولذلك، سنعمل على توسيع الشراكة الاستراتيجية بين تركيا وقطر وتوطيدها.
تتّبع تركيا منذ فترة سياسة تقوم على تطبيع العلاقات مع دول المنطقة وحل الخلافات، فما هي أهمية هذه الخطوات التركية، وكيف ينعكس ذلك إيجاباً على العلاقات مع دول الخليج وكذلك على القضايا الإقليمية؟
في عصر تعمّق الغموض الجيوسياسي والتهديدات المعقّدة على نحو متزايد في جميع أنحاء المنطقة، بات التعاون والتضامن بين دول المنطقة أكثر أهمية بكثير، إذ نرى أن التعاون الوثيق في القضايا التي تهم بلدنا وبلدان المنطقة سيوفّر فائدة كبيرة للمنطقة بأسرها. بصفة تركيا الشريك الاستراتيجي لبلدان مجلس التعاون الخليجي، لطالما شدّدنا في تركيا على أن أمن واستقرار دول الخليج من أمننا واستقرارنا. ومن هنا، أصبح التعاون التركي الخليجي ركيزة من ركائز الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط إذ تجدنا نتشاطر الرؤية بشأن الحوار والتكامل والترابط على الصعيد الإقليمي.
أصبح التعاون التركي الخليجي ركيزة من ركائز الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط إذ تجدنا نتشاطر الرؤية بشأن الحوار والتكامل والترابط على الصعيد الإقليمي
نرحّب بالمناخ الجديد الذي يسوده الالتزام والتعاون في المنطقة. وفي هذا السياق، نرحب بالقرار الأخير الذي اتّخذته دولة قطر ودولة الإمارات العربية المتحدة بإعادة تنشيط بعثتيهما الدبلوماسيتين، وكذلك قرار قطر والبحرين باستئناف العلاقات الدبلوماسية والرحلات المباشرة. كما رحبنا بالاتفاق السعودي-الإيراني كجزء من ذلك التوجّه نحو التطبيع في المنطقة. ونرى أن هذه الخطوات ستعود بالفائدة على المنطقة بأسرها وستساهم بشكل كبير في إحلال الأمن والاستقرار والازدهار فيها.
العلاقات التركية القطرية متقدمة في العديد من القطاعات، أبرزها العلاقات الثنائية والتعاون التجاري والاقتصادي. ما هي أهم الاتفاقيات التي سيتم التوقيع عليها خلال هذه الجولة مع الجانب القطري، وكيف ستنعكس في تطوّر العلاقات الثنائية بين البلدين؟
بين تركيا وقطر شراكة استراتيجية فريدة من نوعها، فتعاوننا الثنائي لا مثيل له، وتتّسم علاقاتنا الاقتصادية مع قطر بالصلابة في العديد من المجالات. كذلك تعمل الشركات التركية في قطر والاستثمارات القطرية في تركيا في مشاريع كبرى، بما في ذلك في حقول التمويل والبناء والطاقة والصحة. هذا وبلغ حجم التبادل التجاري بين بلدينا 2.2 مليار دولار في عام 2022.
وتشكّل اللجنة الاستراتيجية القطرية التركية العليا برئاسة الرئيس أردوغان وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني النتيجة الملموسة لعلاقاتنا المتقدمة. فمنذ اجتماعها الأول في عام 2015، تم توقيع ما مجموعه 95 اتفاقية ووثيقة في المجالات التجارية والعسكرية والصحية والتعاون الدولي. كما تجري الاستعدادات للاجتماع التاسع المقرر عقده في النصف الثاني من عام 2023 في الدوحة. وبفضل جهودنا المشتركة في عمل اللجنة الإستراتيجية القطرية التركية العليا، نسهم في استكمال الأرضية التعاقدية حسب الحاجة. وعلى نحو مماثل، من المتوقّع أيضاً خلال الزيارة توقيع عدد من الاتفاقيات التي من شأنها أن تساعد في توطيد علاقاتنا في مختلف المجالات.
بين تركيا وقطر شراكة استراتيجية فريدة من نوعها، فتعاوننا الثنائي لا مثيل له
تعوّل تركيا على طريق التجارة السريع أو "طريق التنمية" الذي يربط بينها وبين دول الخليج عبر العراق. كيف يمكن لقطر ودول الخليج أن تلعب دوراً في إنجاز الطريق وتسريع تشغيله، وما هي أهميته الاستراتيجية لدول الخليج وتركيا؟
تدعم تركيا إنجاز مشروع "طريق التنمية" وتعتبره وسيلة قيّمة لدعم توليد الثروات والاستقرار والتكامل الإقليمي. وهنا، على العراق تنفيذ العديد من مشاريع البنية التحتية الاستراتيجية تماشياً مع توقعات الشعب العراقي. ومن شأن "طريق التنمية"، من خلال ربطه دول الخليج بتركيا عبر العراق، أن يساعد هذا البلد الأخير فعلاً على إعادة الاندماج مع دول منطقته. كما سيكون لهذا الطريق دور محوري كممر عبور في منطقتنا لمرور البضائع والركاب. وترغب تركيا في المشاركة في هذا المشروع بإشراك قطاعيها العام والخاص.
إلى ذلك، نحن عازمون على التعاون مع أشقائنا في دول الخليج في إطار هذا المشروع الذي بمجرد تحقيقه، لن يسهم في تنمية العراق فحسب، بل سيوفر أيضاً ترابطاً مستداماً ومجدياً للمنتجات التجارية التي ترد إلى دول الخليج وتغادرها. كذلك نرى مع أشقائنا العراقيين وجميع الأشقاء الخليجيين أنه يمكننا اتخاذ هذه الخطوة الكبيرة جدًا لتحقيق التكامل والترابط الاقتصاديين على الصعيد الإقليمي.
تدعم تركيا إنجاز مشروع "طريق التنمية" وتعتبره وسيلة قيّمة لدعم توليد الثروات والاستقرار والتكامل الإقليمي
التعاون العسكري بين تركيا وقطر على مستوى رفيع، فما رأيكم في ذلك؟
يُعدّ التعاون العسكري ركيزة مهمة للغاية في الشراكة الاستراتيجية التركية القطرية إذ تشكّل الأخوّة المتجذرة بيننا الركن الأساسي لهذا التعاون. كما يعود توحيد قدرات البلدين الفريدة عليهما بالإفادة من خلال هذه الشراكة القائمة بينهما. ويجري الجيشان التركي والقطري مناورات عسكرية مشتركة، وكذلك يسهّل الوجود العسكري التركي في قطر قيام الإسهامات المتبادلة في التدريب وتحسين القدرات القتالية. هذا ويشكّل قطاع الدفاع العسكري مجالاً ما زال بمقدورنا تحقيق إمكانات كبيرة فيه. إنه قطاع يجمع بين التكنولوجيا المتقدّمة والنطاق الصناعي والثقة الأخوية المتميّزة.
يعد قطاع الطاقة أحد المجالات التي تعتمد عليها تركيا في اتفاقياتها مع قطر. هل من اتفاقيات جديدة في هذا الصدد؟ كيف تواجه تركيا الانتقادات الشعبية والسياسية حيال الحاجة المتزايدة للغاز؟
يمر العالم بأزمة طاقة غير مسبوقة وأوروبا في قلب هذه الأزمة، لا سيما في قطاع الغاز. وقد تسبب هذا الأمر بعدم القدرة على التنبؤ بما سيحدث في أسواق الطاقة العالميّة وباضطرابات على صعيد الأسعار. كما ستواجه أوروبا مخاطر كبيرة في الشتاء المقبل في قطاعي الغاز والكهرباء. أصبح أمن إمدادات الطاقة مرة أخرى أحد الموضوعات الرئيسية المطروحة في جدول أعمال الأمن الدولي.
وفي هذا الصدد، تنهض قطر بدور رئيسي من ناحية الإمداد العالمي من الغاز وهي شريك موثوق به وعضو مسؤول في المجتمع الدولي. لطالما كان التعاون القطري التركي في مجال الطاقة وثيقاً. وفي هذا الإطار، يلعب الغاز الطبيعي المسال الذي توفّره قطر دوراً مهماً من ناحية إمدادنا بالغاز، والذي بدوره يساهم في تأمين الطاقة في أوروبا. وأكد الجانبان من جديد رغبتهما في الإبقاء على هذه العلاقة وتوطيدها.
تشهد العلاقات التركية السعودية تطوراً متسارعاً. كيف يخدم هذا التقارب مصالح الطرفين؟ هل يمكنه أن يساعد في قيام مبادرات مشتركة تتعلق بالأزمات في المنطقة؟
إنّ تركيا والمملكة العربية السعودية دولتان صديقتان وشقيقتان تتشاركان إرادة سياسية قوية لتطوير علاقاتهما في جميع المجالات. وبفضل الزيارات المتبادلة التي قام بها الرئيس رجب طيب أردوغان بتاريخ 28-29 إبريل/نيسان 2022 وولي العهد محمد بن سلمان في 22 يونيو/حزيران 2022، دخلت الدولتان حقبة جديدة من التعاون الوثيق.
وفي هذا الصدد، بدأت السلطات المختصة في الدولتين العمل المشترك بهدف إعادة تفعيل آليات التعاون القائمة وتبادل الزيارات الرسمية. ويجري هذا التعاون في مجالات التجارة والاستثمارات والمقاولات والطاقة والزراعة والصحة وقطاع الدفاع العسكري وقطاعات أخرى. كما تبذل جميع المؤسسات ذات الصلة من الجانبين جهوداً مشتركة لاستكشاف سبل جديدة للتعاون. ومن المتوقّع انعقاد مجلس التنسيق التركي السعودي، وهو عبارة عن منصة تعاون تنسيقي مشترك يرأسه وزيرا خارجية الدولتين ويجري تنظيمه بمشاركة العديد من الوزارات والمؤسسات الحكومية، في الأشهر المقبلة. وزيارة الرئيس أردوغان الحالية إلى المملكة العربية السعودية بدعوة كريمة من الملك سلمان بن عبد العزيز علامة أخرى على التحسن القوي والصحي للعلاقات بينهما.
التعاون بين تركيا والمملكة العربية السعودية سيسهم في إحلال الاستقرار والسلام الإقليميين
بالطبع، لا يقتصر هذا التعاون على العلاقات الثنائية إذ يتشارك البلدان رؤية أكثر اتّساعاً. ففي الوقت الذي تواجه فيه منطقتنا تحديات جيوسياسية، من الأهمّية بمكان أن تنسّق تركيا والمملكة العربية السعودية سياساتهما. التعاون بين تركيا والمملكة العربية السعودية سيسهم أيضا في إحلال الاستقرار والسلام الإقليميين. فللبلدين إرادة قوية لتنسيق سياساتهما حيال القضايا الإقليمية وفي المنظمات الدولية.
من الواضح أن هناك اهتماماً سعودياً بالمسيّرات التركية، خصوصاً طائرات بيرقدار، وفي قطاع الدفاع العسكري بشكل عام. هل سنشهد في الفترة المقبلة شراء المملكة لهذه الطائرات المسيّرة أو حتى إقامة مشاريع تشاركية في إنتاجها في ظل الحديث عن اتفاقيات بين أرامكو وشركات البناء التركية تقدر بمائة مليار دولار؟
يُعدّ قطاع الدفاع العسكري مجالاً واعداً للتعاون. ففي الواقع، تقدّم تركيا أحدث التقنيات والمنصات التي أثبتت جدواها في ساحة المعركة إذ يجري استخدام هذه المنصات بنجاح في مختلف البلدان حول العالم. ومن هنا، تجد قطاع الدفاع العسكري التركي منفحتاً دوماً على إرساء مجالات للتعاون وإقامة مشاريع مشتركة مع المملكة العربية السعودية الشقيقة.
ولطالما احتّل قطاع المقاولات موقعاً طليعياً في علاقاتنا الاقتصادية منذ عقود. فحتّى يومنا هذا، نفّذ المقاولون الأتراك 375 مشروعاً بقيمة 24 مليار دولار في المملكة العربية السعودية. وفيما تملك المملكة العربية السعودية مشاريع بنية تحتية مهمة تهدف إلى إعداد البلاد للمستقبل، أثبت المقاولون الأتراك أنفسهم في جميع أنحاء العالم من خلال موثوقيتهم وإكمالهم بنجاح للمشاريع التي التزموا القيام بها. ومن هذا المنطلق، سيلعب المقاولون الأتراك دور الشركاء الممتازين في أي مشروع تطرحه السلطات والشركات السعودية.