احتفالية العام الهجري في تونس... ملوخية وكسكسي بالقدّيد
تفوح رائحة طبق الملوخية من بيوت التونسيين، اليوم الأربعاء، تزامناً مع احتفال رأس السنة الهجرية، إذ يُعتبر الطبق الأخضر عنواناً للتفاؤل بعام جديد يحمل معه الخصب والفأل الحسن.
وتحتفل تونس مع الشعوب الإسلامية برأس السنة الهجريّة، حيث تمتد الاحتفالات على يومين يقترنان بالعادات والطقوس الغذائية التي يطغى عليها طبخ الكسكسي بالقَدّيد والملوخية، مع مميزات احتفالية أخرى تختص بها بعض المدن، على غرار صنع عرائس السكر في محافظة نابل شمال شرق البلاد.
وفي تونس، عادة ما تفتتح السنوات الجديدة بالأطباق الخضراء والكسكسي، الذي يعد أيضاً من الأطباق الدالة على الأفراح، كما تُضاف إليه أصناف من الحلوى والفواكه الجافة والبيض المسلوق الملون كعلامة للفرح وتحقيق الأمنيات.
وتبدأ الاحتفالات بـ"رأس العام العربي"، كما يصطلح على ذلك محلياً، منذ إعلان ديوان الإفتاء عن مفتتح العام الجديد، فيتبادل الأهالي التهاني وتعد أطباق الكسكسي بـ"القديد"، وهو لحم مجفف من أجزاء من أضحية العيد تخصص للاحتفال بالسنة الهجرية الجديدة.
ويتميز طبق الكسكسي في العام الهجري عن باقي أصناف الكسكسي التي تطبخ في باقي الأيام بلونه المذهب ومذاقه المميز الذي يكتسبه من اللحم المجفف والفول.
وعادة ما يزيّن طبق كسكسي "العام العربي" بالبيض وأنواع من الحلوى تصنع بطريقة تقليدية، ويوضع في إناء فخاري، ويقدم في غذاء آخر أيام شهر ذي الحجة.
وفي أول أيام شهر محرم، تعد أغلب الأسر التونسية طبق الملوخية التي يضاف إليها لحم البقر، وتستغرق مدة طهيها نحو 7 ساعات، بحيث تترك على نار خافتة من أجل ضمان مذاق جيد للطبق الاحتفالي، وتُعد في أطباق من نحاس كدلالة على العراقة.
يقول المؤرّخ المختص في التراث اللامادّي، عبد الستار عمامو، إنّ احتفالية حلول العام الهجري الجديد ترتكز على عادات ضاربة في القدم تعود إلى الفترة الفاطمية، مؤكداً أن الفاطميين هم أول من أضاف اللحم المجفف للكسكسي ذي الأصول الأمازيغية الذي يعد علامة مميزة في المطبخ التونسي.
وأفاد عمامو، في تصريح لـ"العربي الجديد"، بأن "الأطباق التي يميل لونها إلى الأخضر على غرار الملوخية ترمز لوفرة الغذاء، ويتبارك بها التونسيون الذين يستبشرون بقدوم العام الجديد".
وأشار في سياق متصل إلى أن "بعض الأسر في العاصمة تونس تطبخ بهذه المناسبة طبق الحلالم، وهو عبارة عن حساء يصنع من عجين تقليدي وتضاف له أصناف من البقول". وأضاف: "يعتقد أن هذا الحساء، أو طبق الجاري كما يقول التونسيون، يجعل الخير ممتداً وجارياً على امتداد السنة".
وفي محافظة نابل شمال شرقي البلاد، تكتسي احتفالية السنة الهجرية الجديدة طابعاً مختلفاً. فبالإضافة إلى إعداد طبقي الكسكسي بالقديد والملوخية، تختص المنطقة المطلة على البحر بعرائس السكر، التي تعد في هذه المناسبة وتباع في محلات متخصصة، وتزين الأطباق وتقدم للأطفال كهدايا.
تزدحم الأسواق في ولاية نابل، وخاصة بجهات بني خيار وقربة، بعرائس السكر التي يستغلها سكان الجهة في تزيين أطباق الكسكسي مع الحلوى والمكسرات، وتكون غالباً من مجسمات تتخذ هيئة أسد أو ديك أو أرنب أو حصان، تمنح للذكور، في حين يختار البنات شكل عروس.
ويتطلب إعداد عرائس الحلوى قدراً من السكر والماء وروح الليمون ليطبخ هذا الخليط حتى ينضج السكر ويكتسب لوناً ناصع البياض، ثم يسكب في قوالب ذات أحجام وأشكال مختلفة ويزين بألوان زاهية ترمز للفرح.