عراقيون يبتكرون طرقاً تقليدية لمواجهة الحرّ
يعدّ العراق خامس أكثر بلدان العالم تضرراً من تداعيات تغير المناخ، بحسب الأمم المتحدة، ويتعاظم تأثيره في الأرياف والمدن الفقيرة التي تخلو من الخدمات، كالكهرباء والمياه، تزامناً مع فصل الصيف الملتهب. وتتجاوز الحرارة خمسين درجة مئوية في شهري يوليو/ تموز وأغسطس/ آب، في ظل انقطاع التيار الكهربائي بشكل منتظم، الأمر الذي يتسبب في إعياء عدد من المواطنين، فضلاً عن حدوث حالات اختناق شديدة.
وفي محاولة للتغلب على درجات الحرارة المرتفعة، ابتكر عراقيون وسائل قد تخفف من شدة الحر، سواء في الشوارع العامة أو داخل المنازل. وكثيراً ما يشكو جبار أبو محمد (45 عاماً)، الذي يملك عربة متنقلة للأكلات السريعة في منطقة باب الشرقي وسط العاصمة بغداد، من شدة الحرارة وتحديداً بعد الساعة الحادية عشرة صباحاً. ويقول لـ "العربي الجديد": "أعمل منذ 25 عاماً في منطقة باب الشرقي على عربتي هذه لكسب الرزق، لكنني أواجه صعوبة في العمل خلال فصل الصيف الحار. وأحياناً، لا أتحمل ارتفاع درجات الحرارة التي تزيد عن 50 درجة مئوية، مبيناً أن أصحاب المحال القريبة من مكان عربتي يضعون مرشات للمياه تقلل من آثار درجات الحرارة، علماً أنها تعتمد على توفر الطاقة الكهربائية. وفي حال انقطاعها، تتوقف عن العمل. وأحياناً، نستخدم قطعة قماش مبللة لنضعها على رؤوسنا". أما جاسم جعفر (27 عاماً)، وهو عامل بناء، فيقول إنه يعاني من الاختناق كلما ارتفعت درجات الحرارة. يضيف: "حالتي الصحية تتدهور بسبب موجات الحر خلال عملي. اشتريت مروحة صغيرة على شكل قبعة أضعها على رأسي لتخفيف شدة الحرارة".
خالدة علي (60 عاماً)، وهي أم لسبعة أولاد، تحاول ابتكار أفكار لتخفيف شدة الحرارة داخل منزلها خلال انقطاع التيار الكهربائي وإطفاء المولدات الكهربائي. تقول لـ "العربي الجديد": "أشتري أنواعاً من الأقمشة الخضراء المثقبة في الأسواق وأضعها على جدران المنزل من الخارج. وكل ساعة، أحاول رشها بالمياه لتبريد الهواء وتقليل حدة الحرارة"، مبينة أنها تستخدم أيضاً المراوح اليدوية القديمة المكونة من سعف النخيل.
تتابع: "في المنزل، لا نستطيع الاستغناء عن المسبح الداخلي. بدءاً من منتصف شهر يونيو/ حزيران، ننظفه ونجهزه ونضعه في الباحة الخارجية لتبريد الأطفال وحتى الكبار أحياناً".
وتحذّر وزارة الصحة من مخاطر ارتفاع درجات الحرارة والتعرّض المباشر لأشعة الشمس، موصيةً بأهمية شرب المياه الباردة غير المثلجة. وتقول الطبيبة المتخصصة في أمراض الجهاز التنفسي مروة أحمد، لـ "العربي الجديد"، إن "الحرارة المرتفعة تؤدي إلى تعب وإرهاق جسم الإنسان، كونها تزيد من تعرضه للتعرق وتؤدي إلى تسارع نبضات القلب، بالإضافة إلى ضيق في التنفس وصعوبة استنشاق الأوكسجين، الأمر الذي يصعب على المريض سحب كمية كافية من الهواء، ويؤدي إلى حالات إغماء وفقدان الوعي". تضيف أن "المستشفيات العراقية تسجل بشكل يومي حالات اختناق ليست بالقليلة، وخصوصاً خلال شهري يوليو/ تموز وأغسطس/ آب، يكون أغلبها لمن يعانون من مرض الربو". وتوضح أن "هذه الحالات تعالج من خلال وضع أسطوانات الأوكسجين إلى حين استقرار الحالة".
من جهة أخرى، يشكو الطبيب الاستشاري م. ر، العامل في قسم طوارئ مستشفى الشيخ زايد وسط بغداد، والذي رفض الكشف عن اسمه خوفاً من الملاحقة القانونية، أن الأقسام الطبية في المستشفى تعاني أحياناً من صعوبة استيعاب أعداد المتأثرين بدرجات الحرارة، بسبب نقص الأسرة والأجهزة الطبية، ما يؤدي أحياناً إلى تفاقم حالة المصاب أو الاضطرار إلى معالجة الحالات الحرجة والاكتفاء بمعاينة الحالات الأخرى. ويطالب "بضرورة أن تهتم الحكومة بالقطاع الصحي وتزويد الجهات الصحية بمزيد من الأجهزة الطبية حتى لا تحجز المستشفيات عن السيطرة، وخصوصاً أن البلاد مقبلة على موجات حر أشد من الموجات الحالية".
ويؤكد م. ر أن "هناك حالات وفيات تسجل بشكل مستمر نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وغالباً ما تتزايد بين كبار السن". وينصح الطبيب والباحث في السياسات والنظم الصحية مهدي حسين بضرورة أخذ الاحتياطات، إذ إنّ غيابها يمكن أن يؤدي إلى جفاف الجسم، مبيناً أن الآثار الصحية للحرارة المفرطة يمكن أن تصيب جميع الفئات العمرية إلا أنها تكون أكثر حدة بالنسبة للأطفال والمسنين. ويقول لـ "العربي الجديد" إن "هناك مجموعة نصائح وقائية يجب اتباعها في فصل الصيف، من بينها شرب الماء والعصائر وتناول حساء العدس للحصول على الأملاح المعدنية، فضلاً عن ضرورة الاغتسال مرات عدة"، مشدداً على "عدم ترك الأطفال والأشخاص المسنين أو المرضى ذوي الإعاقة داخل السيارات لوحدهم".