برامج توعوية لمناهضة التعذيب في سجون العراق
أطلقت مفوضية حقوق الإنسان في العراق برنامجاً توعوياً لمواجهة التعذيب داخل سجون البلاد، مؤكدة أهمية تعزيز الوعي الإنساني والقانوني لضباط ومنتسبي الأجهزة الأمنية العاملين في تلك السجون، محاولة اعتماد تقنيات حديثة بدلاً من القسوة في انتزاع الاعترافات.
ويُعَدّ ملف السجناء في العراق من الملفات المعقّدة، وتعاني السجون العراقية من اكتظاظ وإهمال كبير، وغياب رقابة الجهات الحكومية والمسؤولة عن حقوق الإنسان، في وقت يجري الحديث عن سيطرة بعض الأطراف السياسية على السجون، وقد سجلت الفترات السابقة حالات وفاة داخلها في ظروف غامضة.
وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، قد دعا أخيراً ضحايا عمليات التعذيب في السجون والمراكز الأمنية، إلى رفع شكاوى معززة بالأدلة، وخصص بريداً إلكترونياً لاستلامها، وقد وصلت إلى الحكومة إثر ذلك 5 آلاف شكوى عن حالات تعذيب وانتهاكات داخل السجون، مؤكدة أن العدد يزداد، فيما لم تظهر بعد أي معالجات للملف.
ووفقاً لمدير قسم العلاقات والإعلام في المكتب الوطني للمفوضية، سرمد البدري، فإنّ "المفوضية وضعت خطة تعاون مشترك مع وزارة الداخلية تشمل جميع المواضيع التي تخص تحسين واقع حقوق الإنسان"، مؤكداً، في تصريح لصحيفة الصباح الرسمية، اليوم الخميس، أنه "تم إطلاق برنامج توعوي يتضمن مناهضة جميع أشكال التعذيب وغيرها من ظروف المعاملة القاسية في السجون والمواقف الخاصة بالتحقيق الابتدائي".
وأوضح أنّ "البرنامج تضمّن تعزيز الوعي الإنساني والقانوني للعاملين بمجال إنفاذ القانون من ضباط ومنتسبي الأجهزة الأمنية والمؤسسات المرتبطة بها، إلى جانب المعنيين بإجراء التحقيقات في قيادات الشرطة ببغداد ومحافظات كربلاء والنجف وواسط وذي قار والديوانية وديالى"، مؤكداً أنّ "البرنامج حدّد آلية الحصول على اعترافات من السجناء والموقوفين دون اللجوء إلى القوة والتعذيب لانتزاعها".
ولفت إلى أنّ "هناك تقنيات حديثة يمكن من خلالها الاستغناء عن اللجوء إلى العنف أو القسوة في التحقيق، منها انتشار الكاميرات والعناصر الاستخباراتية، وكذلك قواعد البيانات والمعلومات الكاملة المركزية بما يتعلق بالبصمات الوراثية والتي أحرزت في العديد من الدول تقدماً تم الاستغناء بها عن اللجوء إلى نزع الاعترافات بالقوة".
وأشار إلى أنّ "تطوير الأداء المؤسساتي يتم وفقاً لأهم المواد والقوانين المنصوص عليها في قانوني العقوبات والمحاكمات الجزائية التي تحظر أي شكل من أشكال اللجوء إلى التعذيب النفسي والجسدي، إلى جانب اتباع الضمانات الدستورية لحقوق المتهم"، مؤكداً أنّ "هناك اتفاقيات دولية لمناهضة جميع أشكال التعذيب اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة وصادق العراق عليها وتعهد بتطبيقها عام 2011 لاسيما أنه ناقش تقريره الأول بهذا المجال عام 2015، فيما ناقش التقرير الدوري الثاني المعني بهذه الاتفاقية خلال العام الماضي 2022 للتأكد من مدى التزامه بها".
من جهته، قلّل الناشط بمجال حقوق الإنسان هيثم المحمدي، من أهمية تلك البرامج إذا لم تعزز بتوجيهات حكومية ومحاسبة صارمة للمخالفين في إدارات السجون. وقال المحمدي، في حديث لـ"العربي الجديد"، اليوم الخميس، إنّ "الملف يحتاج أولاً إلى أوامر حكومية بتطبيق معايير حقوق الإنسان، ولجان خاصة تعمل على متابعة ذلك، وأن تكون هناك محاسبة شديدة للضباط وعناصر الأمن ممن يخالفون".
وأضاف أنّ "الحملات التوعوية تأتي بالمرحلة الثانية، إذ إنّ الضباط وعناصر الأمن لا يلتزمون إلا إذا كانت هناك مساءلة ومحاسبة قانونية"، مشيراً إلى أنّ "الملف معقد ويحتاج لقرارات حكومية صارمة".
ولا توجد إحصائية رسمية لعدد السجناء في العراق، لكن أرقاماً متضاربة تؤكد أنها تقارب المائة ألف سجين يتوزعون على سجون وزارات العدل والداخلية والدفاع، إضافة إلى سجون تمتلكها أجهزة أمنية مثل جهاز المخابرات والأمن الوطني ومكافحة الإرهاب والحشد الشعبي، وسط استمرار الحديث عن سجون سرية غير معلنة تنتشر في البلاد وتضم آلاف المعتقلين.