مشروع قطار الخليج ينطلق بسرعة ... يعزز تجارة المنطقة وبوابة للتكامل
خطت دول مجلس التعاون الخليجي خطوة مهمة نحو التكامل الاقتصادي والتجاري والاستثماري بالاتفاق على تنفيذ مشروع سكك حديد ضخم، أو ما يطلق عليه "قطار الخليج" بتكلفة استثمارية مبدئية قيمتها 15 مليار دولار قابلة للزيادة، على أن يترك لكل دولة تحديد مساهمتها في التكلفة الإجمالية.
ويساهم المشروع الذي تسارعت وتيرة تنفيذه في الفترة الماضية وأقرته الحكومات الخليجية وآخرها الكويت منتصف الشهر الجاري، في تمتين وتيسير عمليات التبادل التجاري وخفض كلفتها، ونقل الركاب والسياح بين دول المجلس.
إضافة إلى تحسين الاتصال الإقليمي بين دول مجلس التعاون، وتقليل وقت النقل والتكلفة بين المدن والموانئ الرئيسية بتلك المنطقة، إضافة لتعزيز التدفقات التجارية، وجذب مستثمرين محتملين.
واكتسب مشروع قطار الخليج زخما مع المصالحات التي تمت بين الحكومات الخليجية في العام 2021، والقمم المتتالية لقيادات دول المجلس.
كما اكتسب زخما آخر مع اتفاق دول خليجية وإقليمية عدة على المشاركة في "قطار التنمية" والذي حدد العراق كلفته بنحو 17 مليار دولار، وهو مشروع خط برّي وخط سكك حديد يصل الخليج بالحدود التركية عبر العراق، وتطمح الدول المشاركة من خلاله للتحول إلى خط أساسي لنقل البضائع بين الشرق الأوسط وأوروبا.
ويأتي مشروع قطار الخليج ضمن خطة ربط الطرق البرية بين دول مجلس التعاون، كما يكتسب النظام الموحد للنقل البري الدولي أهمية متصاعدة بإقرار دول خليجية عدة له، وآخرها الكويت، التي أقر مجلس وزرائها مشروع قانون بشأنه، في 17 يوليو/ تموز الجاري، ما سلط الضوء على مشروع قطار الخليج الذي يهدف إلى توحيد الأنظمة واللوائح الخاصة بالنقل البري في دول المجلس، وتعزيز العمل الخليجي المشترك، وخلق فرص نمو وعمل جديدة، وتطوير نماذج اقتصادية أكثر مرونة واستدامة، بما يعزز من فاعلية الاقتصاد الخليجي وتنافسيته ومساهمته في نمو الاقتصاد العالمي" وفق مصادر خليجية.
ويهدف المشروع الجديد إلى تسهيل حركة البضائع والركاب بين دول المجلس عبر شبكة طرق موحدة ومتطورة، ويشمل توحيد معايير السلامة والتفتيش والتشغيل، وكذلك توحيد الأنظمة الجمركية واللوائح الخاصة بالنقل البري عبر الحدود، ويعد أحد أهم المشاريع الاستراتيجية التي تهدف إلى تعزيز التعاون بين دول الخليج في دعم تنمية التجارة وتكامل الأسواق فيما بينها، حسبما أورد بيان لمجلس الوزراء الكويتي.
ومن المخطط أن يبدأ مسار سكة حديد دول مجلس التعاون من الكويت، مرورا بالدمام في السعودية، إلى البحرين، ومن الدمام إلى قطر عن طريق منفذ سلوى، وسيربط قطر بالبحرين، ومن السعودية إلى الإمارات عبر أبوظبي والعين، ومن ثم إلى العاصمة العمانية مسقط عبر صحار.
ويمثل النقل البري البيني في دول الخليج 80% من النقل التجاري في المنطقة، ولذا من شأن النظام الموحد أن يساهم في تقليل كلفة النقل البري، وتحسين كفاءة النقل، وتعزيز السلامة على الطرق.
شبكة سكك حديدية متكاملة
يتضمن المشروع، الذي يستند إلى أساس اتفاقية التعاون في مجال سكك حديد دول مجلس التعاون، التي أبرمت في عام 2004، ربط دول مجلس التعاون لدول الخليج بشبكة حديدية متكاملة، تمتد من دولة الكويت إلى سلطنة عمان، بطول إجمالي يصل إلى 2177 كيلومتراً.
وتشمل تكاليف المشروع بناء وصيانة وتطوير طرق الربط والطرق الرئيسية بدول المجلس، وتكاليف إعداد وتطبيق المواصفات واللوائح والأنظمة الموحدة، إضافة إلى إنشاء قاعدة بيانات قطاع النقل، وغيرها من التكاليف المتعلقة بخدمات وسلامة النقل، غير أن قرار مجلس التعاون ترك اعتمادها وتقديرها لكل دولة على حدة.
وكان اجتماع سابق لوزراء اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي، قدر تكلفة مشروع "قطار الخليج"، بحوالي 15 مليار دولار. وتقدَّر تكلفة نصيب الكويت من مشروع السكك الحديدية بنحو 300 مليون دينار كويتي (987 مليون دولار)، كما تعمل الكويت على مشروع مترو الأنفاق، وسوف يتصل في نهاية المطاف بمشروع سكة حديد الخليج.
ويخضع تنفيذ مشروع قطار الخليج للخطط الزمنية الخاصة بكل دولة خليجية، حسب استعدادها وقدراتها على تطبيق النظام، وهي خطط ترتبط بمشروع آخر أكبر، هو خط السكك الحديدية الرابطة لدول المجلس، والذي يبلغ طوله 2177 كيلومترا، ومن المتوقع إتمامه في عام 2025، حسبما أورد موقع الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي.
وكان المشروع قد أحرز تقدماً وقطع خطوات على مسار تنفيذه، إذ اتفقت دول التعاون على خطة عمل وبرنامج زمني لاستكمال التصاميم الهندسية التفصيلية للمشروع خلال عام 2014، على أن يستكمل تنفيذه وتشغيله خلال عام 2018.
غير أن المشروع واجه تأخيرات في جدول تنفيذه بسبب تحديات فنية وإدارية وتمويلية، وزيادة المخاطر الجيوسياسية، كما أثرت جائحة كورونا والخلافات الخليجية على سير العمل فيه، ولا يزال قيد التخطيط والتنفيذ في مختلف دول الخليج.
ويجري تنظيم نشاط قطاع النقل البري في دول المجلس عبر اللجنة الفنية للنقل البري وهندسة الطرق وفرق العمل التابعة لها، والتي تعمل على إنشاء الطرق الرئيسة وطرق الربط بين المدن بدول المجلس، واعتماد كل من القانون الموحد للنقل البري الدولي بين الدول الست، والدليل الموحد لأجهزة التحكم المروري بصفة إلزامية، ولائحة اشتراطات سلامة النقل البري.
تكامل اقتصادي
يؤكد المحلل الاقتصادي علي العنزي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن نظام النقل يمثل مرحلة مهمة للتكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي، لأن النقل من القطاعات الاقتصادية الرئيسية التي تسهل تبادل السلع والمنتجات بين دول المجلس.
ويضيف العنزي أن مشروع النظام الموحد للنقل البري ظل حاضراً برؤية المسؤولين الخليجيين منذ فترة طويلة، ويمكن أن يعظم الاستفادة من القطاع بشكل كبير جداً خلال الفترات القادمة، خاصة في حال ربطه بشبكة للسكك الحديدية، واصفاً موقع الكويت من النظام بأنه بوابة عبور إلى مناطق أخرى في شمال الخليج، مثل العراق وإيران.
ويؤكد العنزي أن عملية ربط النقل البري الخليجي من شأنها تعظيم الأهمية الاستراتيجية لموقع الكويت كمحور رئيسي في عمليات نقل السلع هذه، فضلاً عن رفع درجات النمو الاقتصادي لدى كافة دول مجلس التعاون.
وكانت نقطة التحول في مشروع قطار الخليج عام 2021 عندما وافقت دول المجلس الست على إنشاء هيئة سكك حديد دول مجلس التعاون الخليجي، للقيام بمهام الإشراف والتنسيق على المشروع.
وفي مارس/ آذار 2022، تعززت فكرة استئناف المشروع، عندما أفادت وسائل إعلام قطرية أن بناء القسم الذي يربط بين قطر والسعودية سيبدأ قريبًا، مع استكمال الأعمال الأساسية مثل التصاميم الهندسية وخطة العمل بالفعل.
سوق خليجية
فيما يرى الخبير الاقتصادي حسام عايش أن مشروعات الربط بين دول مجلس التعاون تفتح الآفاق أمام سوق خليجية أكبر من حيث الحجم والإمكانيات، ومن حيث التبادل التجاري، الذي يشكل حوالي 12% من إجمالي تجارة دول الخليج مع العالم، وهي نسبة منخفضة للغاية إذا ما قورنت بالاتحاد الأوروبي، الذي يمثل التبادل التجاري البيني 70% من إجمالي تجارته مع العالم، حسبما صرح لـ"العربي الجديد".
ويرى عايش أن وسائل النقل المختلفة في دول الاتحاد الأوروبي، لا سيما البرية منها، من بين الأسباب التي رفعت نسبة التبادل التجاري البيني بإجمالي حجم تجارتها العالمية.
ولأن أسطول النقل البري، الذي يقدر بـ400 ألف شاحنة، يشكل حوالي 80% من إجمالي نشاط النقل في دول الخليج، فإن له الأولوية في ما يتعلق بالربط الاقتصادي بين هذه الدول، وهو الربط الذي يصفه عايش بأنه "يزيد مشروعات التنمية، ويطور المشروعات البينية بين الدول الخليجية، ويزيد دور الطرق الرئيسية والربط بين المدن المختلفة، إضافة إلى الربط بين الموانئ ومراكز الصناعة".
ومن شأن ذلك تحسين وتيرة وأداء النمو الاقتصادي المعتمد على النشاط الداخلي في دول الخليج عبر استخدام قطاع نقل بري أكثر تفاعلية وتنظيماً، وأكثر قدرة على زيادة التواصل الخليجي - الخليجي من جهة، وتقليص زمن النقل من جهة أخرى، ورفع كفاءة التواصل الاقتصادي من جهة ثالثة، حسب عايش.
المنافذ البرية
يلفت الخبير الاقتصادي إلى وجود 11 منفذاً برياً للشاحنات والركاب بين دول الخليج العربية، مشيراً إلى إمكانية فتح منافذ جديدة لزيادة العرض من طرق ومنافذ التواصل بين الدول الخليجية، إضافة إلى إمكانية تطوير المواصفات القياسية الموحدة لبناء الطرق وتحسينها.
يرى الخبير الاقتصادي حسام عايش أن مشروعات الربط بين دول مجلس التعاون تفتح الآفاق أمام سوق خليجية أكبر من حيث الحجم والإمكانيات
ويشير عايش أيضاً إلى أن "الربط السككي"، عبر القطارات، يوطد أيضاً دعائم نظام النقل البري الخليجي الموحد، لأنه أكثر قدرة على حمل كميات أضخم من البضائع، وزيادة التواصل السكاني، وبالتالي خلق كل الأسباب التي تدفع نحو سوق داخلية خليجية تعظم مكاسب دول الخليج الاقتصادية.
وهنا يضرب عايش مثالا بالطريق البري بين السعودية وسلطنة عمان، والذي قلل المسافة بين الدولتين بنحو 800 كيلومتر، وبالتالي فإن أهمية نظام النقل البري الخليجي لا تقتصر على ربط الطرق البرية، بل بالبحث عن أساليب ربط تضمن قطع مسافات أقل بكفاءة أعلى، وبالتالي تحسين وتطوير سلاسل الإمداد الداخلي لدول الخليج في حال حدوث أي مشكلة أو اضطراب أو جائحة.
ومع هذا الربط، يمكن أن تكون هناك حركة داخلية قوية بين المواطنين والمقيمين في دول مجلس التعاون الخليجي، بما يوفر أداء تجاريا، ومن ثم نموا اقتصاديا، وبالتالي عائدا أكبر لهذه الدول، حسبما يرى عايش.
وعلى هذا الأساس، يصف الخبير الاقتصادي العناية بتطوير النقل البري وتحسين الطرق برفع المواصفات القياسية لبنائها بأنه من أهم الوسائل لتكريس السوق الخليجية المشتركة واقعيا من خلال نشاط النقل البري، خاصة عبر السكك الحديدية.