هل استفاد العراق من الاستقرار في المنطقة؟
حالة الصراع (الأميركي - الروسي الصيني) جعلت خارطة التحرك الأميركي في منطقة الشرق الأوسط تتراجع كثيراً، فمع تصاعد حدة الصراع والاقتتال في أوكرانيا تراجع وهج واشنطن في منطقة الشرق الأوسط وتحديداً العراق وسوريا واليمن، واتضح ذلك من خلال حالة الهدوء النسبي الذي يسود المنطقة، وجعل حركة الاقتصاد تتحرك فيها بسهولة، وحجم الاستثمارات يتزايد خصوصاً في العراق، بالإضافة إلى المتغيرات الإيجابية التي قربت وجهات النظر بين طهران والرياض، وقادت المباحثات التي كان العراق الراعي الرسمي لها، الى تفاهمات ناضجة افضت الى عقد اتفاقيات وتبادل السفراء ليس فقط بين طهران والسعودية، بل أوسع من ذلك الى دول الخليج عموماً، وبالفعل قاد العراق هذه المباحثات المهمة والتي انعكست بالايجاب على الوضع الاقليمي ككل، والوضع الداخلي وجعله أكثر هدوءاً واستقراراً من ذي قبل.
المجتمع الدولي دعم توجهات العراق نحو تعميق علاقاته مع دول التعاون الخليجي، وذلك من أجل التغلب على مشاكله الداخلية والانفتاح السياسي والاقتصادي عليه، ما جعله يكون لاعب مهم في عملية الاستقرار، خصوصاً بعد زوال مبررات المواقف المتشنجة تجاه العراق واعتباره (الحديقة الخلفية لايران)، لذلك سعى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الى ان يعمل على إحداث توازن من خلال إقامة علاقات أوثق مع دول الخليج، خصوصاً وأنه مدعوم من أكبر الاحزاب القوية في البلاد.
العراق بدا ملتزماً تجاه الوضع العربي، حيث جاء ذلك من خلال خطابه الذي ألقاه في قمة الجامعة العربية التي عقدت في الرياض مؤخراً، والتي تعهدت باستضافة جامعة الدول العربية في بغداد عام 2025، ما يعطي إشارة واضحة بالتزام العراق تجاه المجتمع العربي، بالمقابل كان موقف دول مجلس التعاون الخليجي إيجابياً تجاه الوضع في العراق، واعترفت أخيراً أنه على الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها النظام السياسي، إلا أنه يسير نحو الاستقرار والثبات والقدرة على معالجة معالم التحديات ومواجهة الأزمات الكبرى كالإرهاب والحركات الانفصالية والاحتجاجات الواسعة التي تخرج بين الحين والآخر، وهذا ما انعكس بالفعل من خلال الاستثمارات الكبيرة في العراق، إذ بلغت الاستثمارات السعودية لوحدها أكثر من 6 مليارات دولار شملت قطاع الطاقة وباقي قطاعات الخدمات، ومن المرجح أن تنمو هذه الاستثمارات في مجال الطاقة لتشمل قطاعات اقتصادية مهمة أخرى في البلاد.
بات من الضروري على المجتمع الدولي، وعلى الاتحاد الاوربي العمل على تشجيع ودعم مجلس التعاون الخليجي والدول العربية لتوسيع مشاركتها في الاستثمار بالعراق وفي كافة القطاعات وأهمها المجال الأمني والمناخي، كما ينبغي على الأوربيين أن يعملوا ما بوسعهم من أجل دعم الفرص التي تجذب طهران إلى أطر التعاون في المنطقة، والتي من شأنها تعزيز خفض التصعيد الإقليمي والدولي على نطاق أوسع والوقوف بوجه التحديات التي تواجه المنطقة، مثل التي يفرضها تغير المناخ والذي بات من أهم المشاكل التي يعاني منها العالم أجمع.