الذكاء الاصطناعي في العالم المتنافس بعد إذابة حدوده الفاصلة
د. محمد وليد صالح
باحث وكاتب عراقي
ما يميز الثورة الصناعية الرابعة هو اندماج مختلف التقانات وشبكة الانترنت الخلوية والمنصات والتقانات السحابية والبيانات الكبرى، والطاقة الجديدة والروبوتات التكنولوجية الذكية إلى جانب إزالة الحدود بين العالم المادي والرقمي والحيوي بإستمرار، حسب وصف كلاوس شواب مؤسس منتدى الاقتصاد العالمي دافوس.
اليوم العالمي للعَلاقات العامة بدورته الثالثة 2023 والاحتفاء به جسدت فيه جمعية العَلاقات العامة العراقية (ايبرا) رؤيتها لانطلاق المبادرة الأممية بأهمية هذا العلم المعاصر لجذب انتباه الجمهور إلى أساليبه العلمية، في اطار منظومة بناء الثقة المتبادلة وتدعيم التفاهم المشترك ومستوى الرضا عن المؤسسة للربط بين الأداء والتوقعات، مع ولوج تقانات الذكاء الاصطناعي في المجالات العلمية والإدارية والفنية والتنافس بين التكنولوجيا الحديثة والقدرات البشرية، بهدف ممارسة العَلاقات العامة لتحقيق التوظيف الاتصالي في السلوك الذكي لحل المشكلات ومعالجتها، بواسطة أنظمة حاسوبية مبرمجة ومتابعة أوجه الاستعمالات الممكنة في الأعمال اليومية عن طريق تطبيقات وسائط التواصل الاجتماعي، ومحركات البحث في شبكة الانترنت لتحليل اتجاهات الجمهور النوعية نحو خدمات المؤسسة ومنتجاتها وتحليل حملات المؤسسات المنافسة في سوق العمل وجدولة أولوياتها، والمساعدة في تقييم المواقف تجاه القضايا والأحداث المتصلة بها.
إن إعداد المواد الإعلامية الرقمية في العَلاقات العامة تنبعث من توفير البيانات والمعلومات المتنوعة ومتابعة متغيرات العمل في ممارسة أنشطتها، ومراقبة محتوى وسائل الإعلام والاتصال عن المؤسسة وفعالياتها وتصنيف قادة الرأي العام في الردود والتأثير في المجتمع، عبر اتجاهات إدارة السمعة الإلكترونية وتطوير المحتوى الرقمي والتعاون مع المؤثرين والذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة والوصول الذكي لوسائل الإعلام المناسبة والتقارب مع التسويق ومبادرة السعادة المؤسسية.
إذ يتسم الذكاء الاصطناعي في ممارسة العَلاقات العامة بتطوير السلوك الإنساني وخصائصه في أداء مهامه بسرعة ودقة، ومضاعفة كمية البيانات ونوعيتها بسبب استمرار العمل على مدار الساعة بوصفه اتجاهاً جديداً لإنتقال ممارسيها من الحيّز التقليدي لفتح أفقاً جديداً من أجل تقوية الاتصال المؤسسي سواء أكان الداخلي أم الخارجي، لزيادة تفاعل الجمهور والتعامل مع متطلبات البيئة الرقمية بواسطة انتاج المحتوى الاتصالي وتوزيعه، فضلاً عن استثمار تقانة الواقع المعزز لإتاحة خيارات متعددة للمتعاملين مع المؤسسة لمشاهدة المنتج قبل اقتنائه كوظيفة للإعلان الرقمي وتصميمه المنسجم مع اهتمامات الجمهور المستهدف وانماط تفاعله.
فيما تتجلى تحديات استعمال تقانات الذكاء الاصطناعي في العَلاقات العامة بالمؤسسات المتنوعة في العراق والدول العربية ارتباطها بالبعد الإنساني غالباً، ونقص المعرفة والكفاءة والمهارات التحليلية والتقنية اللازمة ومنافسة قدرات الموارد البشرية وتقليل فرص العمل، على الرغم من توفير الوقت والجهد في إعداد الرسائل الإبداعية وتوجيهها إلى الجمهور المستهدف، وكذلك تراجع تفاعلهم ينعكس سلباً في مؤسسات الأعمال في عالم تكتنفه حالة من الغموض يصبح عامل القدرة على التكيّف مع المستحدثات موضع الحسم والقرار في المضي قدماً وصعود المنحنى أو الهروب خارجه، من خلال الدقة والتسريع وأتمتة تفصيلات العمل بميادينه كافة، فضلاً عن تخمين حملات العَلاقات العامة من ناحية وقت بدء الحملة والموضوعات الأكثر إلحاحاً وفاعلية مواقع التواصل الاجتماعي فيها، وما يقوله المؤثرون لمن وأين والاعتماد على البيانات الضخمة لتحديد مستوى التأثير الحقيقي، وتقديم رؤى جديدة لتكيّف نهجهم وتحسين معدل نجاحهم.
وهناك خيارات محسنة للمحتوى الذي يلقى صدىً كبيراً لدى الجمهور ويتجنبون إغراقهم بمحتويات عديمة الفائدة، ويمكن للآلة تحليل مئات العوامل ومنها الاستماع الاجتماعي للتنبؤ بالتهديدات وتجنب الأزمات ومنها أزمة السمعة في خطة عمل للتعامل مع المواقف المحتملة، وبرامج التعرف على الصور وتحليل المشاعر وروبوتات الدردشة والإعلانات الموجهة وتحليل البيانات وبناء الستراتيجيات وفهم المتعاملين وصياغة الرسائل لتحقيق أقصى قدر من التفاعلية.
فالمهيمنة التي تحلل التقاربات والتناقضات وتقيسها للخروج بنتيجة سريعة بنسبة دقة أعلى من الطرائق التقليدية هي الآلة القادرة على محاكاة القدرات البشرية والذهنية، مع الفهم الشامل للذكاء الاصطناعي كنوع متقدم من البرمجة وتقانات الاتصال والمعلومات وتوقّع لاحتياجات الجمهور ومحاولة ربط المؤسسات والقطاعات العامة مع الأطراف المعنية في الساحة، فالعَلاقات العامة كنشاط ممنهج تسعى عبر الرصد الإعلامي لتوظيف تقانات الذكاء الاصطناعي بهدف قياس مؤشرات الأداء وتحليلها بين مدة وأخرى، واقتراح حلول استباقية للحد من تفاقم الأزمات وتحسين بناء الصورة بالتنبؤ بها ومراقبتها بواسطة تعليم الآلة وكيفية تطويعها وبرمجتها وتوظيف البيانات فيها، فالعالم الآن لابد ان يعلن عن جهوزيته لاعتماد الذكاء الاصطناعي من أجل المنافسة بعد تغيره وإذابت الحدود الفاصلة واختلاف طبيعة العَلاقات الدولية.
إن التحوّل الرقمي في ممارسة أنشطة العَلاقات العامة في المؤسسات العراقية يتطلب إدارة عملية الموازنة بين استغلال الإمكانيات وبناء الثقة والتفاهم المتبادل، ضمن إجراءات تنظيمية واجتماعية ومالية وإعداد أولي للبيانات وتنمية المهارات البشرية في المجال التقني والتواصل غير التقليدي مع الجمهور، بواسطة تبني الستراتيجيات ومطالعة النماذج ونتائج البحوث والدراسات المختصة والهادفة للإفادة من طرائق توظيفها لتقانات الذكاء الاصطناعي في ممارسة العَلاقات العامة.