حظر "تليغرام" في العراق... إجراء سياسي وأمني
تتواصل تداعيات حظر "تليغرام" منذ الأحد في العراق، وتحديداً من قبل القنوات والمنصات القريبة من الأحزاب الدينية والمليشيات والفصائل المسلحة الموالية لإيران، كونها تعتمد على التطبيق في نشر أخبارها وخطابها الطائفي والتحريضي ضد شرائح كبيرة من العراقيين، إضافة إلى نشر التهديدات ضد البعثات الأجنبية والسفارة الأميركية والناشطين والصحافيين الذين لا ينسجمون مع الخط الموالي لإيران.
وعلى الرغم من الهجمة الإعلامية التي نفذتها وسائل إعلام تابعة لهذه المليشيات، مصحوبة بتأييد سياسي من قبل زعماء أحزاب وأعضاء في مجلس النواب، فإن قرار وزارة الاتصالات بحظر "تليغرام" أخذ حيز التنفيذ، بأوامر من جهات أمنية وحكومية.
وأعلنت وزارة الاتصالات العراقية، الأحد، أنها حظرت "تليغرام" "لمحددات تتعلق بالأمن الوطني، وحفاظاً على البيانات الشخصية للمواطنين، التي خرق التطبيق المذكور سلامة التعامل بها، خلافاً للقانون". وأضافت الوزارة، في بيان لها، أن "مؤسسات الدولة ذات العلاقة قد طلبت مراراً من الشركة المعنية بإدارة التطبيق المذكور التعاون في إغلاق المنصات التي تتسبب في تسريب بيانات مؤسسات الدولة الرسمية والبيانات الشخصية للمواطنين، ما يشكل خطراً على الأمن القومي العراقي والسلم المجتمعي، إلا أن الشركة لم تستجب، ولم تتفاعل مع أيٍّ من تلك الطلبات"، مؤكدة "احترامها حقوق المواطنين في حرية التعبير والاتصال، من دون المساس بأمن الدولة ومؤسساتها"، معربة عن ثقتها "في تفهم المواطنين لهذا الإجراء".
وعارض أعضاء مجلس النواب التابعين لتحالف الإطار التنسيقي، وهو المظلة الجامعة لغالبية الكيانات السياسية والمليشيات الموالية لإيران، القرار، ووصفوه بالمستعجل والمُحدد لحرية التعبير، إلا أن ذلك لم يترك أثراً لدى السلطات. حتى إن تغريدة زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، التي انتقد فيها حظر التطبيق، والتي عوّلت عليها الجماعات الإعلامية للمليشيات، لم تؤثر على القرار هي الأخرى.
وذكر المالكي في تغريدة عبر "إكس" (تويتر سابقاً) أن "العراق بلد ديمقراطي يؤمن بحرية الإعلام والتعبير، ورغم أنها حق أساسي، ولكنها ليست حقاً مطلقاً، وأن مسألة حجب مواقع التواصل الاجتماعي لدواعٍ أمنية يجب أن تراعي المواقع التي تدعم الدولة والحكومة عن المواقع التي تحرض على الكراهية والعنف والتعدي على خصوصية الآخرين".
وعلمت "العربي الجديد"، من مصادر حكومية وأمنية مختلفة، أن قرار الحظر "جاء بعد مباحثات سياسية وأمنية"، وأن "ممثلين عن حكومة محمد شياع السوداني ووزارة الاتصالات اجتمعوا أخيراً مع قادة الأحزاب وبعض الشخصيات المهمة داخل هيئة الحشد الشعبي، واتفقوا على إيقاف نشاط القنوات والمنصات التي تمارس الابتزاز السياسي، وتدعم فصائل مسلحة تسعى إلى زعزعة الأمن القومي من خلال نشاطاتها التي تهدف إلى ضرب السفارات والبعثات الأجنبية، وقد وافق الجميع على ذلك".
وأشارت المصادر إلى أن "وزارة الاتصالات لم تتمكن من إغلاق هذه المنصات والصفحات"، وأبرزها "أبو مزيعل" و"صابرين نيوز" و"ولد الشايب" و"توثية الشيعة"، لأن قاعدة البيانات خارج العراق، كما أن التطبيق يمنح خصوصية عالية في إنشاء القنوات والمجموعات، مبينة أن "الوزارة توجهت، وفق تعليمات من أجهزة المخابرات والأمن الوطني ورئاسة الحكومة، إلى إغلاق التطبيق، وبالفعل حصل ذلك، لكن ليس بصيغة كاملة. إجراء الوزارة تسبب بشلل كبير لهذه القنوات والمنصات".
وفقاً لإحصاء سابق لوزارة الداخلية العراقية، فإن عدد مستخدمي "تليغرام" في البلاد يفوق 16 مليون مستخدم، في حين تنشط آلاف القنوات على التطبيق في مجالات مختلفة، أبرزها الأخبار والترفيه. لكن هذا العدد لا يعني أن جميع المستخدمين من جمهور الفصائل المسلحة، لا سيما أن شركات كبيرة تعتمد على التطبيق، إضافة إلى الطلبة الذين يتداولون الكتب والمناهج الدراسية فيه، وكذلك المجاميع الإخبارية لوسائل الإعلام.
وضمن ردود الفعل المعارضة للقرار، توجه نائب لاستجواب وزيرة الاتصالات هيام الياسري التي تنتمي إلى منظمة بدر. ووجهت كتلة حقوق في البرلمان العراقي (الجناح السياسي لكتائب حزب الله العراق) أربعة اسئلة نيابية لوزيرة الاتصالات بشأن إغلاق الوزارة التطبيق.
وأشار رئيس الكتلة سعود الساعدي، في بيان، إلى أن "الدستور العراقي قد كفل حرية الإعلام والتعبير عن الرأي وفق المادة (38)"، متسائلاً عن "الضوابط والإجراءات التي تعتمدها وزارة الاتصالات بشأن الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي". وأكمل مستنكراً: "سبب قيام الوزارة بإغلاق المنصة على الرغم من الدور المهم الذي تؤديه في مجال الإعلام ونشر المحتوى الهادف". وقال: "هل الحكومة العراقية تملك حصة فيه من خلال وزارتكم، وهل يتم تقاضي الرسوم والضرائب من المنصات الإلكترونية وغيرها من وسائل التواصل الاجتماعي؟".
واستبدل ملايين العراقيين "تليغرام" بمجموعات عبر "واتساب"، لغرض إكمال أعمالها، حتى إن المنصات "الولائية" أنشأت حسابات عبر "تويتر"، في سبيل البقاء متواصلة مع جمهورها، فيما شنت الأخيرة هجمة كبيرة ضد حكومة السوداني، متوعدة بأنها لن تسكت، وراحت تستنجد بالسياسيين، مذكرة إياهم أنهم يحتاجون هذه القنوات في سبيل الترويج والدعاية الانتخابية.
من جهته، أشار عضو مجلس النواب عن كتلة صادقون المنضوية ضمن تحالف الإطار التنسيقي حسن سالم إلى أن "قرار وزارة الاتصالات جاء متسرعاً، وإن كانت لديها ملاحظات حول تسرب بعض البيانات والوثائق الحكومية، فكان من الأفضل ملاحقة المتورطين ومنعهم من نشر مثل هذه الأوراق، لكن أن يغلق تطبيق كامل فإن في ذلك ظلم للإعلاميين والصحافيين والطلبة". وقال لـ"العربي الجديد" إن "حكومة السوداني تريد أن تضبط الوضع الأمني، لكن عليها في الوقت نفسه مراعاة حق التعبير وحرية الإعلام".
لكن الباحث والمحلل السياسي عبد الركابي لفت إلى أن قرار حظر "تليغرام" هو "سياسي وأمني بامتياز"، وتوقع وقوع خلافات حادة بين رئيس الحكومة والفصائل المسلحة التي بدأت تتمرد عليه تدريجياً خلال الفترة الماضية، من خلال انتقادات لقاءاته بالسفيرة الأميركية. وأضاف متحدثاً لـ"العربي الجديد" أن "التطبيق جرى استغلاله بشكلٍ غير صحيح من قبل الفصائل المسلحة، وبات يتسبب بمشاكل أمنية وسياسية، بالتالي فإن إغلاقه لفترة قد يؤدي إلى تراجع النشاط الإعلامي الموالي لإيران في العراق".
بدوره، رأى الصحافي العراقي علي محمود، وهو محرر في وكالة أنباء محلية، أن إغلاق التطبيق "لن يؤثر على حرية الإعلام كثيراً، لأن تطبيقات التواصل كثيرة، ولعل واتساب أكثرها شهرة في البلاد، إلا أن جهات سياسية ستتأثر، وكذلك الطلبة الذين يعتمدون بشكلٍ كبير عليه، لكن يمكنهم الانتقال إلى واتساب بسهولة". وأصر، خلال حديثه مع "العربي الجديد"، على أن "الصحافيين العراقيين المستقلين هم أكثر المتضررين من المشاكل التي تتسبب بها القنوات السياسية في تليغرام، بالتالي فإن التضحية بالتطبيق أمر قد يصب في مصلحتهم".
ووفقاً لمعلومات صحافية، فإن الحراك الإعلامي للمليشيات الموالية لإيران أسس نحو 40 منصة وقناة عبر "تليغرام"، منذ مطلع عام 2020، وجميعها ترتبط بمليشيات وأجنحة مسلحة، وتولت هذه القنوات نشر بيانات عمليات عسكرية للمليشيات، وكذلك إيصال رسائل أمنية وسياسية للحكومة العراقية السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، وتهديد سياسيين وقنوات فضائية وحكومة إقليم كردستان ودول خليجية مثل السعودية والإمارات والكويت وأيضاً تركيا والأردن، ناهيك عن تسريب وثائق ومعلومات حكومية مهمة ومؤثرة، من بينها أسماء ضباط في جهاز الاستخبارات وبرقيات سرية وصور اجتماعات حكومية خاصة.