سميرة عزام.. في تأسيس القصة الفلسطينية
يشير الناقد والأكاديمي الأردني ناصر الدين الأسد (1922 – 2015)، في مقال نشره في "مجلة الهلال" المصرية عام 1970، إلى أنَّ سميرة عزام التي تمرُّ، اليوم الثلاثاء، ذكرى رحيلها "تعتمد على الحوادث، لا على الحبكة، أو العُقدة القصصيّة، وإنّما تستغني عن ذلك بقدرتها الرائعة على التصوير والتحليل، تصوير جوّ القصة بأجزائه الدقيقة وتفصيلاته الخفية، وإحاطته بإطار فنّي واقعي، يشوّق القارئ بصدقه وبساطته، وتحليل النفس الإنسانية تحليلاً يستخرج أعمق مكوّناتها، وأدقّ خفاياها، وقد نجحت سميرة عزام في أن تجعل شخوص قصصها نماذج حيّة نابضة، يُخيل للإنسان أنها تُجالسه وتُحادثه".
تنتمي الكاتبة والمترجمة الفلسطينية (1927 – 1967)، إلى الجيل الثاني من كتّاب السرد الفلسطينيين، الذين عرفت نصوصهم نقلة جديدة في المضامين بعد نكبة فلسطين، في تجاوز للنزعة الرومانسية التي كانت سائدة لدى كُتّاب الجيل الأوّل، وكذلك على المستوى الفنّي عبر استخدام لغةٍ أكثر واقعيّة وتقشُّفاً، بعيداً عن الزخرف والإنشاء، كما بدأوا التجريب في تقنيات السرد الحديثة.
في مجموعاتها الخمس، استطاعت عزّام أن تُكرِّس حضور القصة القصيرة الفلسطينية الذي سيترك تأثيره كبيراً لدى مُجايليها، كما يذكر غسان كنفاني نفسه، الذي خاطبها في تأبينها بقوله "أُستاذتي ومُعلّمتي"، في إشارة إلى نزوعها نحو تصوير واقع المنفى الذي عاشته لاجئة إلى بيروت، ومنها انتقلت إلى العمل في الصحافة والإذاعة ببغداد والكويت، حيث عالجت القضايا الاجتماعية في تفاصيلها اليومي، ونظرت إليها كجزء من المأساة الفلسطينية كذلك.
منظور حكَم كتابة القصة لديها منذ بداياتها في الخمسينيات، التي أصدرت خلالها ثلاث مجموعات هي: "أشياء صغيرة"، و"الظل الكبير"، و"قصص أُخرى"، في محاولة تقديمها التداعيات التي عاشها اللاجئ الفلسطيني على صعيد الهويّة وإحساسه المتزايد في الاغتراب، وصراعه الطبقي في لحظة مُركّبة يُقاتل فيها من أجل البقاء.
عالجت القضايا الاجتماعية في تفاصيلها اليومي، ونظرت إليها كجزء من المأسأة الفلسطينية
وخلف كلّ ذلك، بحثت عزّام عميقاً في دواخل الإنسان الفلسطيني، والمرأة على وجه الخصوص، حيث كتبت في قصة "دموع للبيع" التي نشرتها عام 1955، عن امرأة تُدعى "خزنة"، تبيع في الأتراح دموعها لمن يُعطيها المال حتى تندب ميّته، ولكنها حين ماتت ابنتها لم تستطع ذرف دمعة واحدة ، بعضهم قال إنها جُنّت حتى بدَت كالعُقلاء، وقالوا لم يعد لديها دموع تبكي بها بعد أن استنفدتها في المآتم، كما لم يعدم المأتم من قال: "خزنة لم تبك لأنها لم تقبض". هكذا سعت إلى تصوير تلك الاضطرابات والمآزق النفسية المُعقّدة التي تعكسها ظروف سياسية واجتماعية قاسية.
تعكس كثير من شخصيات قصصها، جانباً من خبراتها في حياة قصيرة لم تكمل الأربعين عند رحيلها، إذ عملت مدرّسة وهي في سنّ السادسة عشرة، في "مدرسة الروم الأرثوذكس" بمدينة عكا بين عامَي 1943 و1945، ونشرت أُولى مقالاتها في الصحافة خلال الأربعينيات أيضاً، تحت اسم مستعار هو "فتاة الساحل".
عملت في التدريس منذ الأربعينيات بموازاة عملها في الصحافة والإذاعة إلى جانب ترجمتها مؤلفات عدّة
هجّرت عزام مع عائلتها إثر نكبة فلسطين إلى لبنان، ثم انتقلت إلى العراق وعملت هناك في مجال التدريس لسنتين، وعادت ثانية إلى بيروت حيث نشرت في صحفها ومجلّاتها مثل "الأديب" و"الآداب" قصصها التي ستُؤثّث مجاميعها الأولى، كما عملت سنة 1952 في إذاعة "الشرق الأدنى" في قبرص، مذيعةً وكاتبة، وواصلت العمل فيها بعد انتقالها إلى العاصمة اللبنانية حتى توقّفها عن الصدور سنة 1956.
ارتحالٌ آخر إلى بغداد عام 1957، لتعمل مُعدّة للبرامج الأدبية في إذاعتَي بغداد والكويت وصولاً إلى عام 1959، وشاركت خلال الفترة ذاتها في تحرير جريدة "الشعب"، الذي ضمّ فريق تحريرها بدر شاكر السيّاب، لكنها أُبعِدت عن العراق بعد انقلاب عبد الكريم قاسم لميولها القومية، إلى بيروت مرّة أُخرى.
في بيروت، واصلت عزّام ترجمة العديد من المؤلّفات، منها: "كانديدا" لـ برنارد شو، و"أميركي في أوروبا" لـ ودز ورث، و"جناح النساء" و"ريح الشرق وريح الغرب" لـ بيرك بك، و"القصة القصيرة في أميركا" لـ راي وست، و"القصة الأميركية القصيرة" لـ دانفورث روس، و"حين فقدنا الرضا" لـ جون شتاينبك، و"حكايات الأبطال" لـ أليس هزلتون، وغيرها. بالإضافة إلى إصدارها مجموعة قصصية بعنوان "الساعة والإنسان"، لتُنشَر مجموعتها الخامسة "العيد من النافذة الغربية" بعد رحيلها بنحو أربع سنوات.