صفقة التبادل الأميركية ـ الإيرانية: مقدّمة لاتفاق أوسع؟
أعاد الإعلان عن صفقة تبادل السجناء بين الولايات المتحدة وإيران، أمس الخميس، ملف برنامج طهران النووي للواجهة مع حديث عن اتفاق غير رسمي بين البلدين لتخفيض التصعيد بينهما بعد وصوله لنقاط حرجة مع دعم إيران العسكري لروسيا في حربها على أوكرانيا بالإضافة للتوتر في الخليج العربي وأمن حركة الملاحة فيه.
وتناولت صحيفة "نيويورك تايمز" في مقال أبعاد الصفقة وإمكانية أن تؤدي إلى المزيد من التعاون الدبلوماسي بين الطرفين بما يحقق هدف إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في احتواء البرنامج النووي الإيراني.
اتفاق غير رسمي
وعلى الرغم من نفي المسؤولين الأميركيين مراراً التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، بعد المحادثات غير المباشرة التي عُقدت في عُمان في وقت سابق من هذا العام، فإن مسؤولين من عدة دول تحدثوا للصحيفة عن اتفاق يبدو أن إيران ملتزمة به، ويشمل إبقاء تخصيب إيران لليورانيوم بمستويات نقاء لا تزيد عن 60 في المائة وعدم القيام بهجمات كبيرة ضد القوات الأميركية من قبل المليشيات التابعة لإيران في سورية والعراق.
وقال مسؤول عسكري أميركي كبير إن هناك نشاطاً أقل للمليشيات المدعومة من إيران في سورية والعراق ضدّ القوات الأميركية في الأسابيع الأخيرة.
وتنقل الصحيفة الأميركية عن مسؤولَين في وزارة الدفاع الإسرائيلية قولهما إن الصفقة المتعلقة بالسجناء والأموال المجمدة هي جزء من تفاهمات أوسع تم التوصل إليها في عُمان، وهذه التفاهمات، بحسبهما، يجري تنفيذها بالفعل على الأرض.
وتنقل نيويورك تايمز عن هنري روما، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، قوله إن "صفقة الأسرى هي خطوة رئيسية في جهود واشنطن وطهران لخفض التوتر مع تطلعهما للعودة إلى المفاوضات النووية الرسمية في وقت لاحق من هذا العام".
وأضاف روما أن إدارة بايدن تأمل في استئناف المحادثات النووية الرسمية التي ينظمها الاتحاد الأوروبي مع إيران في وقت لاحق من هذا العام. وكانت المفاوضات، التي كانت تسعى للعودة إلى اتفاق 2015 الذي انسحب منه الرئيس السابق دونالد ترامب في 2018، قد توقفت في الصيف الماضي بسبب ما وصفه المسؤولون الأميركيون بالمطالب الإيرانية غير المقبولة.
لكن روما أضاف أنه من غير المرجح أن ترغب إدارة بايدن في اتفاقية نووية جديدة قبل انتخابات 2024، وهو ما تريده إيران على الأغلب مع احتمال عودة ترامب إلى المكتب البيضاوي. إذ كان أحد الأسباب الرئيسية لفشل محادثات إعادة الاتفاق النووي هو إصرار طهران على ضمانات بأنه لا يمكن التراجع عن الاتفاق مع رئيس جديد، كما حدث مع ترامب، وهو ما لم تستطع إدارة بايدن أن تقدمه.
ويبدو أن إدارة بايدن تفضل الاتفاقات غير الرسمية، كما في الصفقة الحالية، مع إيران لتجنب الكونغرس الأميركي حيث يشكك عدد من النواب، بينهم ديمقراطيون، في أي خطوات لتزويد حكومة إيران الاستبدادية القمعية بالراحة الاقتصادية والسياسية.
واحتج، فعلاً، نواب جمهوريون، الخميس، لاعتبارهم أن صفقة الإفراج عن الأميركيين ستقدم مكافأة لإيران بمليارات الدولارات على احتجاز رهائن بحكم الأمر الواقع.
"الدبلوماسية الشريفة"
ورغم اعتبار وسائل إعلام إيرانية الصفقة بأنها انتصار للإدارة المحافظة للرئيس ابراهيم رئيسي ووصفتها بـ"الدبلوماسية الشريفة"، فإن محللين إيرانيين قالوا إن البناء على النوايا الحسنة لتبادل الأسرى للتوصل إلى اتفاقيات أوسع بشأن البرامج النووية والعسكرية لإيران لا يزال يمثل تحدياً.
وكان اتفاق عام 2015 قد أحيا الآمال في أن البلدين قد يتخطيان شبح المواجهة العسكرية، لكن انسحاب ترامب من الاتفاق النووي في 2018 وفرض عقوبات جديدة على الاقتصاد الإيراني وخنق صادراتها النفطية، دفع إيران لتسريع برنامجها النووي ولديها الآن ما يكفي من اليورانيوم المخصب إلى مستويات قريبة من مستوى القنبلة لصنع عدة قنابل نووية، ويرى العديد من المحللين أن صناعة قنبلة قد تستغرق أكثر من عام وربما حتى عامين.
بعد انهيار المحادثات النووية خلال الصيف الماضي عادت العلاقات للتوتر، وحذر المسؤولون الأميركيون إيران من أن تخصيب اليورانيوم إلى مستوى نقاء بنسبة 90 في المائة يخاطر بالعواقب الأكثر خطورة و"هو رمز فعلي للعمل العسكري".
كما تعتقد الولايات المتحدة بأن إيران وجهت هجمات متكررة على القوات الأميركية في الشرق الأوسط من قبل المليشيات التابعة لها، كما حاولت إيران الاستيلاء على سفن تجارية في مضيق هرمز وخليج عُمان في الأسابيع الأخيرة، ما أدى إلى نشر آلاف البحارة ومشاة البحرية الأميركيين هذا الشهر "لدعم جهود الردع" في المنطقة.
"عداء استراتيجي"
ويحذر بعض المحللين من رفع سقف التوقعات الدبلوماسية المستقبلية، قائلين إن صفقة الأسرى ربما لا تكون علامة على أي انفتاح دبلوماسي أكبر. ويقول كريم سجادبور، المحلل في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إن "عداء الجمهورية الإسلامية للولايات المتحدة أمر محوري لهويتها كقوة ثورية، إنها بحاجة إلى أميركا كخصم من أجل شرعيتها الداخلية"، ويضيف أن طهران "مستعدة لعقد صفقات تكتيكية بشأن الرهائن والأسلحة النووية عندما تريدها اقتصادياً لكن عداءها للولايات المتحدة استراتيجي ودائم".
من جهته، ندد ريتشارد غولدبرغ، المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض في عهد ترامب ويعمل الآن مع مؤسسة الصقور للدفاع عن الديمقراطيات، بالاتفاق حول إطلاق سراح السجناء باعتباره حافزاً لدول أخرى لسجن الأميركيين ظلماً ثم السعي للحصول على فدية.
كما أعرب عن قلقه من أن إدارة بايدن كانت تعقد اتفاقات أمنية مع إيران سرّاً، وقال "إن ذلك ستكون له تداعيات واسعة على الأميركيين في الخارج".
وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن حريصاً أمس على إظهار أن الولايات المتحدة تحتفظ بموقف متشدد، وقال للصحافيين "سنواصل فرض جميع عقوباتنا، وسنواصل التصدي بحزم لأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة وخارجها".
وبيّن أن هذه مسارات منفصلة تماماً، موضحاً "نحن نركز على إعادة شعبنا إلى الوطن، لكننا نواصل اتخاذ إجراءات قوية ضدّ أنشطة إيران الأخرى التي نعارضها نحن والعديد من الدول الأخرى بشدة".
وبموجب الصفقة، التي أُعلن عنها الخميس، ستفرج إيران عن خمسة إيرانيين أميركيين من الحجز مقابل إطلاق سراح خمسة إيرانيين مسجونين في الولايات المتحدة بالإضافة لإلغاء تجميد نحو 6 مليارات دولار من الأصول الإيرانية لأغراض إنسانية تحت رقابة صارمة.