التعليم في ليبيا وسط مد وجزر
لا يختلف العام الدراسي الحالي في ليبيا عما سبقه من أعوام في ظل الفوضى السياسية والأمنية التي تطغى على البلاد، فالمحاولات المبذولة من جانب الأمم المتحدة وغيرها تصطدم بمرجعية الأطراف المتصارعة وتضارب مصالحها. واللاعبون أكثر مما يمكن إحصاؤه.
تظل المخاوف من إمكان تكرار العراقيل والصعوبات التي واجهت المؤسسات التعليمية خلال السنوات الماضية قائمة، ويعتبر أولياء الأمور أن تراجع مستوى التعليم يدفع بعضهم إلى الرحيل عن البلاد نحو "ملاذات آمنة " يستطيع أبناؤهم فيها تلقي تعليم طبيعي.
وأدى الانقسام الحكومي والجهوي إلى تباين وتعدد المرجعية المسؤولة عن التعليم، ما أنتج هاجساً لدى مدراء المدارس والجامعات حول التعذر في ظل التخبط والفوضى، والتنافس في إصدار القرارات. ويعزز من حال التشرذم وجود مرجعيات فاعلة على الأرض لها طابع مناطقي، ما يحول دون تمكن أي حكومة من تنفيذ قوانينها، والإشراف الفعلي على مجريات الأمور في مؤسسات تعليمية تكاد تقتصر علاقتها بها على رسائل البريد الإلكتروني، من دون قدرة على التثبت مما يجري على الأرض.
ولا يقتصر هذا الوضع على سير العملية التعليمية، بل يصل إلى الامتحانات كاستحقاق تحرص كل جهة من جهات الأمر الواقع على إثبات وجودها عبره.
في ظل أوضاع على هذا النحو تتراجع جودة التعليم حتى الحدود الدنيا، ولا يقتصر الأمر على "الكيف" بل يشمل "الكم" أيضاً، فالإحصاءات تشير إلى انخفاض عدد المؤسسات التعليمية نتيجة ما تعرض له بعضها من تدمير من جانب أطراف الصراع، ما يعني تدني عدد الطلاب في مختلف المراحل.
ويضاعف من دلالات هذا التراجع تعذر إرسال أولياء الأمور أبناءهم وبناتهم إلى مؤسسات بعيدة عن سكنهم، ما يقود إلى أعداد فائضة عن قدرة الاستيعاب في بعض المؤسسات مقابل أعداد قليلة في أخرى.
وتتمثل الأزمة في غياب الحلول لدى وزارة التربية التي يتوجب عليها مراعاة الوقائع القاهرة، ومن بين تلك الوقائع ندرة الأموال المرصودة للعملية التعليمية لتأمين رواتب لائقة للمعلمين، وصيانة الأبنية والمختبرات التي تعرضت لأضرار، أو باتت بحاجة ماسة إلى إصلاح وتأهيل بفعل التقادم.
ومع أن السلطات التربوية تحاول جاهدة تجاوز العقبات المالية، إلا أن النجاح بالوصول إلى النتيجة المرجوة لا يتحقق دوماً، وينسحب مثل هذا الوضع على الكتاب المدرسي والدفاتر ودليل المعلم والطالب وغيرها من مستلزمات قرطاسية سواء للمعلمين أو الطلاب.
وهناك عراقيل تظهر مع كل عام دراسي، وفي مقدمتها عدم إكمال البرامج والمقررات حيث تلجأ المدارس والجامعات إلى ما يشبه الترفيع الآلي، ما يقود إلى ضعف في الأداء التعليمي والتحصيل في القطاعين. ومثل هذه المشكلة لا تنجم عن الواقع السياسي، بل عن الوضع الإداري أيضاً. إذ في ظل مثل هذه الأوضاع يستحيل إجراء دورات تقوية للأساتذة وورش تدريب ومؤتمرات كما يجب أن يحصل. وهو ما يعني أن التراجع في المستوى أصاب المعلمين والأساتذة والطلاب على حد سواء.
(باحث وأكاديمي)