ليست مجرّد لعبة
من يقرأ كتاب "بيليه أم مارادونا؟ الإجابة ميسّي"، للكاتب والإعلامي العُماني سليمان المعمري، الصادر أخيرا عن منشورات مجلة نزوى في مسقط، يعيش جوّا من الإمتاع والمؤانسة، وكأنه يلعب أو يتفرّج على مباراة حماسية لكرة القدم. وذلك لأن مقالات الكتاب التي تزيد على العشرين منسجمة الفضاء وهجينة المواضيع، يتداخل فيها التأمّلي بالتوثيقي، والفرجوي بالاستنباطي. كما أننا نكتشف من خلالها أن كرة القدم يمكنها أن تشكّل حياة كاملة. وهي ليست فحسب لعبة للتسلية، كما تبدو في الظاهر، بل يمكنها، حتى بالنسبة للمتفرّجين المتابعين من بعيد ومن خلف الشاشات، أن تشكّل موضوع حياة ومتابعة طويلة وشغفا محموما.
يبدأ المعمري مشواره التأملي في كرة القدم من الطفولة، حين كان يلعب في الحارة، ويأتي بمواقف شائقة في هذا السياق، تثبت أمنيته الواردة في المقدمة "يحدوني أن يجد القارئ في هذا الكتاب شيئا من الإمتاع والمؤانسة". وبعد أن يؤثّث كتابه بمقال "الطفولة ومواقفها البريئة"، يعبر على ذاكرة كرة القدم العُمانية، ويتوقف عند اللاعب العُماني الراحل غلام خميس، بطل المنتخب الوطني في مواسم بطولات كأس الخليج، المنتخب الذي لم يكن في بداياته إلا "محطّة استراحة" للفرق الأخرى، حين ظلّ لا يبارح المركز الأخير سنوات. ولكن الأمر اختلف أخيرا، حين انتفض من رماده، وصار من أكثر الفرق قوّة ومنافسة وهيبة. بل صار بمثابة شبح لبقية المنتخبات الخليجية، بما فيها العريقة في الفوز بكأس الخليج، كالعراق والكويت.
يأتي الكتاب على أساطين كرة القدم العالمية، يبدأ ببيليه ويذكر تفاصيل عن حياته وصراعه، بلغة شاعرية لمّاحة يجيدها سليمان المعمري، بحكم تمرّسه في كتابة القصة القصيرة. ليتنزّه القارئ بين بيليه ومارادونا وميسّي وزين الدين زيدان وكريستيانو. وإن أختلف معه في أفضلية ميسّي على كريستيانو الذي صار أسطورة مع الوقت، فكم من بيت رأيت فيه صورة هذا اللاعب النجم معلقة في مجالسها وبأحجام كبيرة، وكم طفلٍ رأيته يقلد قفزته بعد أن يوقِع هدفا في الشّباك، ويرسمه آخرون في كراريسهم المدرسية. إلى جانب مواقفه الإنسانية التي يفتقد مثلها ميسّي، الأقرب إلى اللاعب المؤطّر الخالي من المشاعر العامة والأشبه بالآلة الجيدة.
وأختلف مع مقارنة أي لاعب بمارادونا. هناك لاعبون كثيرون رائعون، ولكن ثمّة مارادونا واحدا في العالم، لأنه أسطورة في الملعب وشخصية عظيمة خارجها. يكفي أن ننظر إلى مواقفه الإنسانية التي خلّدته في حياته المليئة بالدراما والصراع والبساطة. أتذكّر مقولة للمخرج العالمي أمير كوستاريكا، في فيلم دبّجه عنه "مارادونا عبر كوستاريكا"، حين قال إن "مارادونا كائن أسطوري، قدّيس، ثائر، يساري، ثم لاعب كرة قدم". ويذكر الكتاب مواقف إنسانية عامة للاعب الأسطورة.
يزخر الكتاب كذلك بانتقاداتٍ للإهمال الذي كانت تحظى به كرة القدم في عُمان. وكان من أكثر المواقف صعوبة وفاة لاعبٍ في الملعب بسب الإهمال وعدم إسعافه إلا بعد نصف ساعة وعن طريق سيارة نصف نقل. ويعقد المعمري مقارنات بين هذا الحادث المؤسف ومواقف في مباريات عالمية توقفت فيها المباريات بسبب توعّك أصاب لاعبا، ليشير هنا إلى مبدأ عظيم، حياة الإنسان أهم وأقدس من أي مباراة.
يأتي الكتاب بمعلوماتٍ طريفة وجديدة، استقاها الكاتب من متون عربية ومترجمة عن كرة القدم، منها عبارات لمحمود درويش عن مارادونا. مثلا: "يا مارادونا، يا مارادونا، ماذا فعلت بالساعة؟ ماذا صنعت بالمواعيد؟".
قسّم المعمري كتابه تقسيما طريفا، ليجعله منسجما مع لعبة كرة القدم وقوانينها. حيث بدأ بتذكرة المباراة، ثم الدخول إلى الملعب، ثم الشوط الأول، ثم الشوط الثاني، ثم الوقت بدل الضائع، وانتهى بالخروج من الملعب. كما اشتمل الكتاب على انطباعاتٍ سبق أن قرأناها في أوقات كأس العالم في قطر، وخصوصا ما يتعلق منها بإنجازات المنتخب المغربي الذي أذهل العالم. وتحديدا مقال بعنوان "أشرف حكيمي: قبلة على رأس راقص البطريق".