العطش يفتك بالمثنى العراقية.. والزراعة تنحسر
تشهد محافظة المثنى جنوبي العراق انعكاسات خطيرة للتغيرات المناخية التي تسببت في حدوث أزمة مياه حادة تضاف إلى معاناة الفقر الشديد الذي يعيشه سكان هذه المحافظة، التي تواجه خطراً كبيراً بسبب انحسار المساحات الزراعية إلى مستويات قياسية، على الرغم من أراضيها الخصبة ووفرة مواردها الطبيعية وموقعها الجغرافي المهم على الخارطة العراقية.
وكان 75% من سكان المحافظة يعملون بالزراعة والرعي وتربية الثروة الحيوانية، بسبب وفرة المياه والأراضي الصالحة لزراعة العديد من المحاصيل، لكن الجفاف والتصحر وعدم الاستثمار الأمثل للموارد تسبب في هجرة الكثير من المزارعين لمهنتهم والبحث عن مصادر جديدة للدخل، بينما اتجه معظمهم إلى استخدام طرق ووسائل بدائية للحصول على المياه الجوفية التي تسببت في حدوث اقتتال ونزاعات عشائرية راح ضحيتها العديد من الأشخاص.
وتعدّ محافظة المثنى ثاني أكبر محافظة في العراق من حيث المساحة والأقل في عدد السكان، وتمتلك العديد من مقومات التنمية والموارد البشرية، إذ تحتوي على كميات كبيرة من النفط والمواد الخام الداخلة في صناعة الإسمنت، بالإضافة إلى وجود مصفى لتكرير النفط الخام، ومحطة نقل للسكك الحديدية.
تهديد مباشر
رغم غناها بالموارد الطبيعية وموقعها الجغرافي المتميز، وصلت المثنى إلى مرحلة تهدد حياة السكان لما تعانيه من جفاف وتصحر شديدين، وتصدّرها تصنيف المحافظات الأشد فقراً في العراق.
وقال الباحث الاقتصادي مناف الخزعلي، إن نسبة الفقر في المحافظة تزيد عن 52%، فيما ترتفع نسبة البطالة بشكل كبير بسبب عدم استثمار الموارد، فضلاً عن انعكاسات الجفاف وشح المياه الذي انعكس على 75% من سكان المحافظة ممن يمتهنون مهنة الزراعة والرعي.
وأضاف الخزعلي، خلال حديثه مع "العربي الجديد"، أن "الجفاف وشح المياه تسببا في زيادة نسبة البطالة، وأن الكثير من المزارعين ومربي الحيوانات لا يمتلكون وسائل العمل والمعيشة، ومنهم من اتجه للعمل في مجالات أخرى". وأكد أن "الزراعة في محافظة المثنى تشهد تراجعاً مخيفاً في المساحات الصالحة للزراعة، مما أدى إلى انخفاض مستويات الإنتاج إلى حد كبير".
وحذر من "نزوح قسري ستشهده المحافظة بسبب التصحر والآثار المترتبة عنه وتدهور الأوضاع الزراعية المتردية وانعكاسات التغيرات المناخية على المجتمع وتهديدها المباشر للأمن الغذائي العراقي".
وأشار الباحث الاقتصادي، إلى أن "العراق بشكل عام يحتل المرتبة الخامسة عالمياً لجهة أشد البلدان تضرراً من التغير المناخي بحسب تقرير الأمم المتحدة، وأن أزمة المياه الشديدة أدت إلى خسارة البلاد 70% من مساحاتها الزراعية، ونفوق أعداد كبيرة من الثروة الحيوانية، مما ينذر بأرقام صادمة ستخلفها أزمة المياه".
وبحسب الخزعلي، فإن "اللامركزية المعتمدة في المحافظات خلقت حالة من الفوضى وعدم التنظيم الإداري المنهجي للأزمات، على العكس مما كانت عليه قبل سنة 2003 في تطبيق نظام التنمية المستدامة، ومن ضمنها التنمية الزراعية وتوفير الحصص الكاملة للمياه على أساس العدالة في توزيع الثروات والموارد".
وأوضح أن "محافظة المثنى تمتلك موارد طبيعية وبشرية تمكنها من النهوض والتنمية، إلا أن ما تشهده اليوم من تدهور اقتصادي وبيئي وصحي يشكل تهديداً للبنية الاجتماعية فيها، يتمثل في هجرة السكان للعمل والمأوى".
من جهته، أكد المتحدث باسم وزارة الزراعة، محمد الخزاعي، "نفوق الكثير من الحيوانات في محافظات جنوب العراق ومنها محافظة المثنى، ونزوح المئات من المزارعين ومربي الحيوانات من مناطقهم بسبب الجفاف والتأثيرات المناخية".
وأضاف الخزاعي، في حديث صحافي، أن "انحسار المساحات المزروعة وتقليص الخطة الزراعية الموسمية خلّف مشاكل كثيرة انعكست على حياة وسلامة السكان". وأكد أن "هذه المشاكل لا يمكن مواجهتها إلا من خلال معالجة شح المياه وتوفيرها بالشكل الذي يضمن ديمومة الحصول على المياه وزراعة المحاصيل".
مؤشرات خطيرة
وفي حديث خاص لـ"العربي الجديد"، أكد مستشار محافظ المثنى، حيدر الوهامي، أن "المحافظة يئست من الزراعة بسبب عدم وجود المياه، وباتت تسعى لتوفير المياه لتغذية محطات مياه الشرب لديمومة حياة السكان".
وأضاف، أن "هناك مؤشرات خطيرة في حدوث تغيير ديموغرافي للسكان وهجرة العديد من المزارعين وترك أراضيهم ومصادر قوتهم باتجاه مراكز المدن أو المحافظات الأخرى بحثاً عن مصادر جديدة للرزق".
وأوضح أن "السياسة المائية تعتمد على مستوى وحجم الإطلاقات المائية القادمة من الدول المتشاطئة، مما يتطلب إجراءات عديدة تتعلق بالخزين الاستراتيجي خلال مواسم الوفرة المائية وإنشاء سدود للخزن وإمكانية الحفاظ على المياه من الهدر والضياع"، مشدداً على "أهمية إقامة اتفاقيات وبروتوكولات دولية تساهم في رفع مستويات ضخ المياه وفق القوانين الدولية".
وأشار إلى "وجود الكثير من التجاوزات المائية من قبل المحافظات التي يمر من خلالها نهر الفرات، ولكون محافظة المثنى تقع على نهر الفرات، فهي المتضرر الأكبر من هذه التجاوزات".
ولفت إلى أن "الحكومة المحلية اتجهت إلى بادية المثنى التي تضم بحدود 8 ملايين دونم صالحة للزراعة، فضلاً عن استخدام المياه الجوفية الموجودة في البادية، وإحالة هذه الأراضي إلى شركات استثمار زراعي لغرض الاستخدام الأمثل للمياه وفق وسائل الري الحديثة".
وطالب بـ"ضرورة دعم الحكومة الاتحادية للزراعة في المحافظة، والعمل على توفير مياه الشرب، لأن المحافظة تعاني من موجة جفاف شديدة تنذر بكارثة إنسانية وبيئية حقيقية إذا بقي الحال على ما هو عليه".