اخبار العراق الان

عاجل

في انتظار عودة السندباد

في انتظار عودة السندباد
في انتظار عودة السندباد

2023-08-14 00:00:00 - المصدر: العربي الجديد


لي صديق، عزيز على القلب، كثير الترحال، حتى إني عندما أحادثه عبر وسائل التواصل الاجتماعي أبدأ بالسؤال: على أي خط طول أنت الآن؟

وقد لقّبته السندباد، تيمناً بالسندباد المشهور في قصص ألف ليلة وليلة.

في رسالتي الأخيرة، قلتُ له:

إيه يا صديقي، ماذا أكتبُ لك؟

أنتَ مبحرٌ في عالمك الخاص، ونحن في عالمنا متلاطم الأمواج الذي نصارع فيه أشباحاً لننتزع منهم اعترافاً بسيطاً بالحياة!

يا صديقي، عِشْ حياتك، فالناس هنا قد استمرأوا الظلمات، وصاروا يخافون أن يفتحوا عيونهم على

الحقيقة، أو أنهم يعرفونها، لكنهم يتعامون عنها!

وفي كلتا الحالتين، هم غارقون في دركات لا نهاية لها..

هذا (بلد العميان) الذي وصفه ويلز في إحدى قصصه القصيرة، فلتكن (نيونز)، بطل قصة بلد العميان، الذي فر منه في الختام، رافضاً انتزاع عينيه منه مقابل الاقتران بإحداهن والمكوث هناك..

لذا، اذهب إلى الضوء لوحدك!

صديقي السندباد البعيد، كم الحوار معك جميل، أيها الغالي، وأنت تحدثني عن أسفارك التي لا تنتهي، فأحس أنني أسافر معك إلى تلك الأراضي البعيدة.

وتمنحني الأحاديث الممتعة أو الماتعة، حسب ما تقوله العربية، روحاً جديدة متوثبة، روحاً أقابل بها الانكسارات اليومية التي تعتريني في هذه الجغرافية المنسية، وكأنك تنفخ فيّ هذه الروح المفعمة بالحياة.

بيد أني أعود للتساؤل: هل السفر حياة؟

أنا شخص لا أحب الأسفار، بالرغم من أني أتنقل في (أسفار) السابقين كثيراً، ولكن شتان بين سَفَر وسِفر!

فالسفر لا يزال عندي قطعة من جهنم، ربما لكوني كائناً كسولاً مثل كوالا أسترالي أو باندا صيني.

المهم؛ أحاديثك المتقطعة بين الحين والآخر لها عَبقها، وأنت تجوب بحار الدنيا من شرقها إلى غربها.

وأسألك يا "ذو القرنين" عصرك، أما أتعبتك الأسفار أم أنك بصُرْتَ بالرَّاحةِ الكُبرى فلمْ تَرها تُنالُ إلاَّ على جسرٍ منَ التَّعبِ؟!

وأنَّ لذيذَ العيشِ في النَصَبِ؟

صديقي السندباد، لا تزال بغدادك تنتظر قدومك على ظهر سفينة ذات يوم، وأنا ما أزال منتظراً أن نعيد جلسات (المقيل) تلك التي نتحدث فيها عن الدنيا والآخرة، بكل التفاصيل المملة والمضحكة والمبكية معاً.

ربما هذه هي الحسنة اليتيمة (للقات)؛ أنه يجعل المتحدثين أكثر أريحية، ويدلون بكل تفاصيل أيامهم المنسية!

السفر لا يزال عندي قطعة من جهنم، ربما لكوني كائناً كسولاً مثل كوالا أسترالي أو باندا صيني

كان والدي، رحمه الله، يحدثني في مجلس القات، أحاديث لا تنتهي عن الأيام الخوالي، وذكرياته القديمة؛ سواء عن صنعاء في خمسينيات القرن المنصرم، عندما كان طالباً في المدرسة العلمية آنذاك، أو ذكرياته عن دراسته الجامعية في يوغسلافيا السابقة بين عامي 1964 و1972م، وما بعد ذلك حتى قبيل رحيله في العام 2008م.

ولا ينسى مولانا البردّوني، الذي تتلمذ على يديه في المدرسة العلمية، فقد ذكر لي والدي، ضمن أحاديثه الكثيرة، قصة حدثت له مع الأستاذ البردّوني، تدل على حدة ذاكرة هذا الأخير، إذ قال الوالد: "في العام 1984م كنتُ مع شلة من أصدقائي القدامى نتمشى في أحد شوارع العاصمة صنعاء، فالتقينا بالأستاذ البردّوني، مقبلاً علينا، فطلبتُ من أصدقائي عدم إخبار الأستاذ بهوية الشخص الذي سيسلم عليه، وكان أنا، وإنما سؤاله عن هويته!

فسلمتُ عليه صامتاً، ولما سألوه: منْ سلّم عليك؟

فما كان من الأستاذ البردّوني إلا أن تحسس أصابعي ثم قال: هذا الولد أحمد صالح العمري!"

عندما أتذكر هذه القصة، أقول: رحم الله الجميع.

إن مجالسة كبار السن متعتي، وأنا أستمع لأحاديثهم عن أيامهم التي أخمن أننا لن نعيش مثلها، وقد ظللتنا أيامنا النحِسات هذه.

صديقي، سلامٌ عليك، أينما كنتَ، على أي خط طول!

***