تراجع إمكانات نتنياهو في التأثير على اتفاقيات إقليمية
ما زالت تداعيات الخطة الحكومية لتقييد القضاء، التي ترمي إلى تغيير صيغة النظام في إسرائيل، تشغل المجتمع وصنّاع القرار، وربما الأهم، المؤسستين الأمنية والاقتصادية، في ظل التصدّع العميق في المجتمع وفي الأجهزة الأمنية.
في ظل هذه التداعيات، تزايدت في الأسابيع الأخيرة الأخبار حول جهد أميركي للتوصل إلى اتفاقيتين هامتين في المنطقة، لهما علاقة بما يحدث في الساحة السياسية الداخلية الإسرائيلية وبالتراجع الحاصل في علاقات حكومة بنيامين نتنياهو والإدارة الأميركية. وهما اتفاق غير رسمي وغير معلن بين الولايات المتحدة وإيران، ومحاولة للتوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة والسعودية وبشكل غير مباشر مع إسرائيل، لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، وضمان حزمة أمنية واسعة للرياض وإعادة ترتيب علاقاتها مع بكين.
اتفاق مع السعودية... فرصة ضائعة لنتنياهو
نشر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الأسبوع الماضي ورقة تقدير موقف تناولت "المفاوضات الأميركية لإنجاز اتفاق ثلاثي مع السعودية وإسرائيل: خلفياتها وحسابات أطرافها". ورأت الورقة أن اتفاقاً محتملاً لتطبيع العلاقات مع السعودية يرتبط لدى نتنياهو بإرثه السياسي، ذلك أنه يطمح إلى أن يكون الزعيم الإسرائيلي الذي أنهى 75 عاماً من العداء لإسرائيل، وضمِن قبولاً نهائياً من العالمين العربي والإسلامي بوجودها واغتصابها أرض فلسطين.
يؤمن نتنياهو بأن تطبيعاً مع السعودية هو بمنزلة "الجائزة الكبرى" لإسرائيل
ويؤمن نتنياهو بأن تطبيعاً مع السعودية هو بمنزلة "الجائزة الكبرى" لإسرائيل، وأن تحقيق سلام مع العالم العربي سوف يحوّل قضية فلسطين إلى مسألة هامشية إقليمياً ودولياً، ومحلية تخص إسرائيل وحدها التي تحدد علاقاتها مع فلسطينيي المناطق المحتلة عام 1967.
وبناءً على ذلك، يبدو نتنياهو مستعداً للنظر في شروط السعودية، بما فيها إمكانية الحصول على مفاعل نووي مدني وعدد من البنود التي تخص القضية الفلسطينية. وبحسب مستشاره للأمن القومي، تساحي هنغبي، الذي حاول شرعنة هذا الموقف، فإن عشرات الدول لديها مشاريع مفاعلات نووية مدنية، مثل مصر والإمارات.
نتنياهو، بسبب تراجع مكانته السياسية والأزمة السياسية في إسرائيل، مستعد لأن يقبل، بصيغة أو بأخرى، بمطلب السعودية لإنشاء مشروع نووي مدني، لكونه يرى أن اتفاقاً مع السعودية يشكّل حبل نجاة سياسياً، أو كما جاء بكلمات يوسي فيرتير المحلل السياسي في صحيفة "هآرتس": "الاتفاق مع السعودية هو شريان الحياة الوحيد لنتنياهو من الكارثة التي تسبّب فيها بنفسه. الاتفاق مع السعودية سيوجّه ضربة قاسية لحركة الاحتجاج والمعارضة في الكنيست. يمكن أن نتخيل كيف سيتم الإعلان الاحتفالي عن الاختراق في المفاوضات مع السعودية. ستكون هذه بداية كرنفال عالمي، سيهيمن على الأخبار في إسرائيل والشرق الأوسط والعالم بأسره لأسابيع عديدة. ناهيك أن حفلاً احتفالياً على العشب الأخضر في البيت الأبيض، وزيارة للصديق الجديد في السعودية، وحديثا عن دخول أسواق دول مثل إندونيسيا وماليزيا... مثل هذه الخطوة السياسية والدولية الدراماتيكية ـ وهي بلا شك الأهم منذ اتفاقية السلام مع مصر قبل أربعة عقود، وفقاً لفيرتير، سيكون لها بالفعل نتائج إيجابية على الاقتصاد والأمن، وستعزز مكانة نتنياهو وتغيّر الحالة السياسية في إسرائيل".
إلا أن سعي نتنياهو واستعداده لقبول مشروع نووي مدني سعودي، اصطدم بموقف المؤسسات العسكرية والاستخباراتية والأمنية الإسرائيلية التي تعارض قبول ذلك، وموقف رئيس المعارضة يئير لبيد الذي أعلن معارضته السماح للسعودية بإقامة مشروع نووي مدني. من هذا المنطلق، يتعرّض نتنياهو لحملة اتهامات بأنه مستعد لتعريض "بقاء إسرائيل للخطر" من أجل إرثه وحساباته الشخصية، وبغية مجابهة حركات الاحتجاج، ذلك أن برنامجاً نووياً سعودياً من المرجح أن يوفر الذريعة لإيران لتجاوز عتبة إنتاج أسلحة نووية.
يتعرّض نتنياهو لحملة اتهامات بأنه مستعد لتعريض "بقاء إسرائيل للخطر" من أجل إرثه وحساباته الشخصية
عقبة أخرى ستعيق اتفاقاً مع السعودية، هي اشتراط الرياض، كما ورد في وسائل إعلام أميركية، إدخال بنود تخص القضية الفلسطينية، مثل التعهد بعدم ضم الضفة الغربية، ووقف بناء المستوطنات، وتسهيل حركة السكان الفلسطينيين في الضفة والعمل على تحسين أوضاعهم الاقتصادية. قبول نتنياهو بهذه الشروط قد يؤدي إلى تفكيك الائتلاف الحكومي اليميني المتطرف وانهياره، وهو ما لا يريده نتنياهو، خصوصاً بغياب أي إمكانية لتحالف بديل مع أحزاب الوسط. نتنياهو يفضّل في هذه الحالة، كما يبدو، تطبيعاً جزئياً، وإدارة علاقات شبه طبيعية مع السعودية، من دون تبادل سفارات وتطبيع رسمي.
في تحليل خاص لمركز أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، استنتج المشاركون أن احتمال التوصل إلى اتفاق ثلاثي بين الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل، ضئيل في ظل الظروف والمصالح المركّبة والمتناقضة، منها في مجال علاقات السعودية والصين والولايات المتحدة، ومنها الشروط السعودية تجاه إسرائيل، ومنها قدرة نتنياهو على تسويق اتفاق غير مريح لإسرائيل في المجتمع الإسرائيلي وداخل التحالف الحكومي. بذلك فَقَد نتنياهو قدراته على فرض اتفاقية يريدها مع السعودية بسبب ضعف مكانته السياسية الراهنة.
اتفاق مؤقت بين الولايات المتحدة وإيران يقلق حكومة إسرائيل
شهدت الأسابيع الماضية حراكاً دبلوماسياً نشطاً بين طهران وواشنطن، بخصوص أزمة برنامج إيران النووي. ويبدو أن الجهود الدبلوماسية الحالية محصورة في إنجاز اتفاق مؤقت أو محدود، من دون عودة كاملة إلى اتفاق عام 2015، المعروف باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة".
وفقاً لوسائل إعلامية أميركية، فإن الاتفاق المطروح حالياً يتضمّن قيوداً أقل مما كان عليه الحال في اتفاق عام 2015، وقد يشمل تقييد صادرات السلاح الإيرانية إلى روسيا، وتقييد تخصيب اليورانيوم الإيراني بنسبة 60 في المائة، مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية الأميركية على طهران وعدم العمل ضدها في المؤسسات الدولية. وفي الأيام الأخيرة حصل اتفاق تبادل سجناء بين الولايات المتحدة وإيران، ورفع واشنطن التجميد عن بعض أموال طهران في البنوك الدولية، بنحو عشرة مليارات دولار.
هذه الأنباء قوبلت بردود قلقة وانتقادات إسرائيلية. فقد نشر مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بياناً خاصاً جاء فيه أن "موقف إسرائيل معروف، إذ إن الاتفاقات التي لا تفكك البنى التحتية النووية الإيرانية، لا توقف برنامجها النووي. هذه الاتفاقات تزود إيران فقط بالأموال التي ستذهب إلى عناصر إرهابية ترعاها إيران".
محلل الشؤون الأمنية الاستراتيجية في موقع "يديعوت أحرونوت" رون بن يشاي رأى أن الاتفاق غير الرسمي قد يُبعد خطر الحرب في المنطقة، خصوصاً إذا تراجعت إيران إلى تخصيب بنسبة 60 في المائة، وهي الحرب التي لا ترغب بها الولايات المتحدة. إلا أن هذا لا يقلل من قلق إسرائيل، بحيث يمكن للتفاهمات المتبادلة أن تؤدي إلى تحرير مبالغ مالية ضخمة إضافية من الأموال المجمّدة لإيران، الأمر الذي سيسمح للحرس الثوري بتمويل فروعه، خصوصاً المليشيات العراقية و"حزب الله" اللبناني، ليس فقط لتحسين الوضع الاقتصادي للشعب الإيراني، ولكن أيضاً لإعطاء زخم لطموحات طهران في "الهيمنة والإرهاب" في المنطقة. كما أن مجرد وجود مذكرة تفاهم غير مكتوبة مع إيران يحد من حرية إسرائيل في التصرف، خصوصاً العمل المخابراتي الذي يهدف إلى تعطيل البرنامج النووي الإيراني، وما لا يقل خطورة، برنامج الأسلحة المتطورة الذي تعمل الصناعة الإيرانية على تطويره بقوة، كمّاً ونوعاً. فعندما تقوم الولايات المتحدة وإيران بخطوات إيجابية تجاه بعضهما البعض، يجب أن تحرص إسرائيل على ألا تُتهم من قبل الإدارة الأميركية بأنها تثير الحروب.
وأضاف بن يشاي: يجب أن نشك في أن الأميركيين، من خلال التبادل الاستخباري القائم بينهم وبين إسرائيل، لن يخبرونا دائماً بالحقيقة الكاملة أو يؤكدوا ما توصلت إليه المخابرات الإسرائيلية في ما يتعلق ببرنامج الأسلحة النووية والصاروخية الإيراني، كما فعلت في الماضي. وبشكل عام، لا تثق إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في حكومة نتنياهو، ولذلك فَقَدت إسرائيل تماماً في الأشهر الأخيرة قدرتها على التأثير على تحركات واشنطن تجاه طهران.
تراجع إمكانات نتنياهو في التأثير على الساحة الإقليمية والدولية
حكومة نتنياهو تبذل جهداً خاصاً للتوصل إلى اتفاق سياسي مع السعودية، حتى ولو لم يكن اتفاق تطبيع على غرار "اتفاقيات إبراهيم"، بغية نقل إسرائيل إلى حالة سلام مع غالبية الدول العربية، من جهة، كما ترغب في منع اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران يضر بمصالح إسرائيل وجهدها لمنع التقدم في المشروع النووي الإيراني، وفقاً لادعاءات إسرائيل، من جهة أخرى. مساعي الإدارة الأميركية وخطواتها الانفرادية، توضح تراجع العلاقات بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية، وتراجع قدرة نتنياهو والحكومة الإسرائيلية على المراوغة والضغط على الولايات المتحدة، لتحسين الاتفاق مع السعودية وتقييد البنود الأمنية فيه، وفك الارتباط بينه وبين القضة الفلسطينية، من جهة، ومنع اتفاق سيئ من وجه نظر إسرائيلية بين الولايات المتحدة وإيران، من جهة أخرى.
خطوات الإدارة الأميركية الانفرادية، توضح تراجع العلاقات بينها وبين الحكومة الإسرائيلية
في الماضي، نجح نتنياهو في الضغط على إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لتجميد الاتفاق، غير المريح إسرائيلياً، الموقّع بين إدارة الرئيس السابق باراك أوباما وإيران. كما ضغط على إدارة أوباما حين زار الولايات المتحدة وخطب أمام مجلسي الشيوخ والنواب رافضاً صيغة الاتفاق المتوقع (حينها) مع إيران. ونجح في التوصل إلى اتفاقيات تطبيع، مريحة إسرائيلياً، مع الإمارات والبحرين، من دون أي ذكر للقضية الفلسطينية وإنهاء الاحتلال، أو أي ثمن في هذا الجانب، ولا أثمان أمنية.
إلا أن مكانة نتنياهو اليوم تراجعت جداً، إسرائيلياً ودولياً، بل حتى داخل تحالفه الحكومي، نتيجة خطة تقييد القضاء والاحتجاجات الواسعة في إسرائيل، وارتهانه لليمين المتطرف تماماً. ولم يعد يملك أدوات الضغط على الإدارة الأميركية، ولا يحظى حالياً بمكانة رجل الأمن الأول الذي يسعى إلى إنقاذ إسرائيل من كارثة في حال حصول إيران على سلاح نووي. كذلك تراجعت مكانته لدى المنظمات الصهيونية الأميركية ولدى الإدارة الأميركية نفسها، ولدى دول الخليج. إسرائيل الحالية، باتت غير قادرة على تحقيق اتفاق جيد ومريح مع السعودية، ومنع اتفاق سيئ من منظار إسرائيلي بين الإدارة الأميركية وإيران، بسبب تراجع مكانة نتنياهو والتصدعات العميقة في المجتمع الإسرائيلي.