دمج المشاكل.. براءة اختراع سورية
لنظام بشار الأسد قرون استشعار، يستشف خلالها المخاطر ويتنبأ بالمستقبل، وللمشكك بهذا، أدلة لا تحصى ولا يتسع المقام لذكرها. إذ ربما بما آل إليه الحال، جراء استشراف النظام الممانع لنهاية سورية جراء مواجهة حلم السوريين عام 2011، بالحديد والنار، مثال حيٌ وماثل.
ولأن قرون استشعار الأسد لا تخيب القراءة أبداً، أكد خلال لقاء مع قناة "سكاي نيوز عربية" قبل أيام، أن الزمن لو عاد لعام 2011، لتصرّف ثانية كما تصرف، ببساطة، لأن قرونه لا تخطئ أبداً.
ومن حدس النظام واستشرافه المستقبل دمج الشركات الحكومية، على اعتبار أن الدمج سيزيد من قيمة الشركات المندمجة وقدرتها على المنافسة والربح، فيدخل الرعب لدى الشركات العالمية المنافسة والمماثلة، لأن العالم يتجه نحو التكتلات والشركات الكبرى.
ولأن جوقة المطبلين بالحكومة، لا تكل ولا تدخر جهداً للترويج لقرون استشعار السيد الرئيس، أتبع وزير الصناعة، عبد القادر جوخدار توجيهات القائد الممانع بتصريح، وصف خلاله الدمج بالإجراء الأمثل للنهوض بالصناعة الوطنية بكل قطاعاتها.
ومن الكلام الكبير الذي اعتاد السوريون سماعه، يشير الوزير إلى أن وزارته تعمل على إعداد مشروع دمج المؤسسات وفق رؤية استراتيجية تحاكي التطور الصناعي بالدول المتقدمة.
طبعا من دون أن يتطرق السيد الوزير لبعض الصغائر التي تجاوزتها الدول المتقدمة، كهجرة الكفاءات واستقالات العمال، أو نفاد المواد الأولية وفقدان حوامل الطاقة، ولا إلى زيادة عمر خطوط الإنتاج عن عمر سيادته.. أو إلى القدرة الشرائية المعدومة بالداخل والتحذير من سوء الإنتاج بالخارج، بعد عودة حشو الإنتاج بالمخدرات وتردي مواصفته وعودة أيام اتفاقية المدفوعات مع الاتحاد السوفييتي، وقت رفعوا شعار "احذروا المنتج السوري".
المهم بالأمر هي الفكرة الذهبية التي وجه بها القائد، وما عداها تفاصيل. وربما البحث بأي شكل سيكون الاندماج، سيكون بوجهة نظره فزلكات لا طائل منها، وربما البحث فيها، سيؤخر المشروع السبق أو ينبه المتربصين إلى عظمة الفكرة، فتسرقها اليابان وتقتدي بها ألمانيا أو تطبقها الشركات الأميركية.
قصارى القول تقدر خسائر قطاع الصناعة الحكومي في سورية بنحو 23 مليار دولار منذ بدء قمع ثورة السوريين عام 2011، وتحولت الشركات الـ96 المنضوية تحت ست مؤسسات حكومية، إلى خاسرة، أو بصيغة أدق مخسرة.
ولأن الدمج هو الحل الأولي الأمثل لطمر الفساد ودفن التجاوزات والتعتيم على السرقات، بعد أن باتت إدارة الشركات بمثابة مكافأة لأنصار الأسد، ليعيثوا فيها سرقة وفساداً، تسعى حكومة الأسد اليوم لتسريعه، والذريعة والمبرر المزركش، جاهز ومصلحة الوطن والمواطن، هي الغاية والوسيلة.
ولكن، ستضع السياسة الحكيمة في دمشق السوريين أمام الحقائق بعد حين، بأن دمج الشركات الخاسرة مع الرابحة، أضر بالشركة الجديدة، فزاد من البطالة المقنعة وتردي الإنتاج، ورغم المحاولة الحثيثة التي جاءت بتوجيهات السيد الرئيس، لتلافي ما يمكن تلافيه، تبين لنا وللأسف الشديد، أن الشركات القديمة متردية الإنتاجية، ولا تصلح لمواجهة التطورات وتنافسية السوق، وسيزيد وجودها من استنزاف موارد الدولة وزهق الخطة الاستثمارية بالموازنة العامة.
لذا، على الأرجح، أن يرى سيادته بالمستقبل القريب، أن التشاركية مع القطاع الخاص، أو بيع ذلك الإرث الثقيل، هو الحل الأمثل لتقدم سورية واستمرار مقاومتها وتصديها للمؤامرة الكونية. وهاهم الشركاء في إيران على أهبة الاستعداد لحمل جزء من عبء هذه الشركات وشرائها.
نهاية القول: للإنصاف ربما، ليست فكرة دمج الشركات متماثلة الإنتاج، كالتي وجدت في سورية أو مصر والعراق وغيرها من دول المنطقة، خلال مراحل الاشتراكية والتحول الاشتراكي وسطوة القطاع الحكومي، سيئة كفكرة، بل ربما تكون ضرورة للخروج من مشاكل فرضها "النظام الأبوي" وشعارات القطاع الربادي، كما البحث بوجود قطاع حكومي بالأصل، ينتج المناديل والعلكة والدهان، كما حال الشركات السورية، مسالة فيها نظر، بل وضرورية الطرح لاستقطاب الاستثمارات والأموال وابتعاد الدولة عن أفخاج فرضتها مراحل تاريخية.
ولكن، ليست بحالة كما الحال السورية اليوم، فما يقال ويروّج له، هو دمج للمشاكل الصغيرة بكل شركة للوصول لمشكلة كبرى يتم حلها بنسف القطاع وخصخصة الشركات، ليرى السوريون أنفسهم أمام تسريح وخسارة ملكية عامة، كما حصل في مرفأ طرطوس وشركة الأسمدة اللذين أعطيا للروس، ويسد نظام الأسد، ذي القرنين، بعض عجز الموازنة ويتمكن من الاستمرار بتسديد الأجور.. ومواجهة المؤامرة الكونية على كرسي أبيه.