تفاهمات لجنة الاتصال العربية والنظام السوري: المعارضة آخر من يعلم
حمل البيان الختامي لاجتماع لجنة الاتصال العربية الوزارية لأجل سورية، الذي شهدته القاهرة أول أمس الثلاثاء، بحضور وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، التشديد على استئناف مسار اللجنة الدستورية والاتفاق على عقد الجولة المقبلة في العاصمة العُمانية مسقط، بعد تعثر انعقادها في جنيف السويسرية التي احتضنت ثماني جولات سابقة، فيما تبيّن أن المعارضة السورية آخر من يعلم.
وعقدت لجنة الاتصال العربية الخماسية، أي وزراء خارجية كل من مصر سامح شكري، والسعودية الأمير فيصل بن فرحان، والأردن أيمن الصفدي، والعراق فؤاد حسين، ولبنان عبد الله بو حبيب، إلى جانب المقداد، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، اجتماعاً في القاهرة أول من أمس، لمتابعة بيان عمّان بهدف "تعزيز الدور العربي القيادي لتسوية الأزمة السورية ومعالجة تبعاتها السياسية والأمنية والإنسانية، ومواصلة الحوار تحقيقاً لهذا الهدف، وفق منهجية خطوة مقابل خطوة، وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254".
وصدر هذا القرار في 2015 من أجل وقف إطلاق النار وجمع النظام والمعارضة في مفاوضات عبر الأمم المتحدة.
وأشار البيان الختامي للاجتماع إلى تطلع الوزراء إلى "استئناف العمل في المسار الدستوري السوري وعقد الاجتماع المقبل للجنة الدستورية السورية في سلطنة عُمان بتسهيل وتنسيق مع الأمم المتحدة قبل نهاية العام الحالي"، مؤكدين أن "الحل الوحيد للأزمة السورية هو الحل السياسي". كما شدّد على "أهمية استكمال هذا المسار بجدية باعتباره أحد المحاور الرئيسية على طريق إنهاء الأزمة وتحقيق التسوية السياسية والمصالحة الوطنية المنشودة.
اجتماعات دبلوماسية حول سورية في القاهرة
في موازاة ذلك، شهدت العاصمة المصرية القاهرة، أول من أمس، عدة اجتماعات دبلوماسية، لمسؤولين عرب، من دول الرباعية العربية الخاصة بسورية (سورية وإيران وتركيا وروسيا)، لبحث ما وصل إليه ملف تطبيع العلاقات العربية مع نظام بشار الأسد في سورية.
وقال مصدر دبلوماسي قريب الصلة بالملف في حديث لـ"العربي الجديد"، مشترطاً عدم ذكر اسمه، إن "مسألة تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، لا تزال تراوح مكانها، منذ القرار العربي الذي اتخذ في قمة جدة (مايو/ أيار الماضي)، بعودة سورية إلى مقعدها بالجامعة العربية، وإقرار مبدأ خطوة مقابل خطوة في التعامل مع النظام السوري".
مصدر لـ"العربي الجديد": الاجتماعات في القاهرة روتينية
وأوضح المصدر أن "الاجتماعات التي عقدت في القاهرة، يمكن تصنيفها ضمن الاجتماعات الروتينية للجنة العربية المصغرة التي تشكلت من قمة جدة، لمتابعة الملف السوري".
وتضم اللجنة الدستورية في قائمتها الموسعة 150 عضواً، 50 لكل من المعارضة والنظام والمجتمع المدني. وقائمتها المصغرة التي تحضر الاجتماعات 45 عضواً، 15 لكل قائمة من القوائم الثلاث، مع رئاسة مشتركة لكل من النظام والمعارضة دون المجتمع المدني.
ولم تفض اجتماعاتها طوال حوالي أربعة أعوام وثماني جولات إلى كتابة مادة واحدة من الدستور الجديد المفترض للبلاد. وكان النظام دائماً يحاول القفز فوق المواضيع وجدول الأعمال بمسائل فوق دستورية، وقد أشار المبعوث الأممي إلى سورية وميسّر أعمال اللجنة غير بيدرسن إلى تعطيل النظام للمسار في مناسبات عدة.
وفي يونيو/ حزيران من العام الماضي، عقدت آخر جولة (الثامنة) من أعمال اللجنة، وتعطلت الاجتماعات بعد ذلك لطلب روسيا نقل الاجتماعات إلى مكان آخر لعدم قدرة دبلوماسييها ومسؤوليها الوصول إلى جنيف بسبب العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على المسؤولين الروس على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا.
جهود أممية تصطدم بمماطلة النظام السوري
غير أن الرئيس المشترك للجنة الدستورية عن قائمة المعارضة هادي البحرة، قال في حديث لـ"العربي الجديد" إنه لم يصلهم أي مقترح رسمي من الأمم المتحدة بخصوص انعقاد اللجنة، ويشمل ذلك تحديد الزمان والمكان. وأضاف: "هناك جهود تبذلها الأمم المتحدة لتفعيل العملية السياسية في جنيف، ومنها جهودها للعودة إلى اجتماعات اللجنة الدستورية، إلا أنها كانت تصطدم دائماً بمماطلة النظام وإعاقته لعمل اللجنة، والعملية السياسية برمتها".
البحرة: لم يصلنا أي اقتراح رسمي حول انعقاد اللجنة الدستورية
في الوقت نفسه رحّب البحرة "بالجهود العربية التي تبذل لتفعيل العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة لتنفيذ القرارات الدولية الخاصة بسورية ولا سيما القرار 2254"، لافتاً إلى أنه "حتى هذه اللحظة لم يصلنا من قبل الأمم المتحدة أي اقتراح رسمي بخصوص انعقاد اللجنة الدستورية، فهي الجهة التي تيسر أعمال اللجنة وتقوم بالترتيبات اللوجستية اللازمة".
وأضاف أنه "عند وصول الاقتراح الذي يوضح أسس الدعوة للانعقاد من حيث منهجية العمل، والجدول الزمني ومكان الانعقاد، سنقوم في هيئة التفاوض بدراسة الاقتراح بعناية ومسؤولية ونتخذ القرار المناسب بخصوصه بما يخدم مصالح شعبنا ويؤدي لتحقيق مطالبه المشروعة".
وكانت المعارضة على الدوام تتهم وفد النظام بإعاقة وتعطيل أعمال اللجنة الدستورية وجولاتها. وفي هذا السياق أشار البحرة إلى أنه "عند وبعد كل دورة من اجتماعات اللجنة الدستورية، تقوم هيئة التفاوض بالتواصل مع الدول الشقيقة والصديقة، ووضعهم بصورة ما جرى في الاجتماعات والمعوقات التي تواجهها اللجنة في أعمالها".
وأضاف أن "عدداً من هذه الدول كانت تتابع الأعمال في جنيف وتوجد هناك أثناء انعقاد اجتماعات اللجنة، أي أنها على كامل الاطلاع على أسباب المماطلة والتعطيل السابق".
كذلك أكد أنه "في نهاية دورة الاجتماعات الأخيرة للجنة الدستورية، بحثنا كل تلك الإعاقات مع المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة (غير بيدرسن)، وتم إرسال خطاب رسمي يوضح مطالبنا بخصوص منهجية النقاشات والعمل، والالتزام بلائحة القواعد الإجرائية لعمل اللجنة، والجدول الزمني". وأكد أن بيدرسن تواصل مع جميع أطراف اللجنة، ووضع اقتراحا أوليا بخصوص تلك النقاط، حينها قامت هيئة التفاوض بدراسة الاقتراح وإرسال جوابها، "إلا أن وفد النظام لم يقم بإرسال جوابه إلى هذه اللحظة، وكل تلك التفاصيل تم إطلاع الدول الشقيقة والصديقة عليها".
ويطرح الإعلان العربي الوزاري سؤالاً حول عدم تواصل اللجنة الوزارية مع المعارضة، على الأقل حيال مسار اللجنة الدستورية. وفي هذا الإطار قال المتحدث باسم الأمين العام للجامعة العربية، جمال رشدي لـ"العربي الجديد" إن "البيان يعكس نقاشات لجنة الاتصال مع وزير خارجية الحكومة السورية، لذلك لم يكن من المناسب أن توضع مواقف على لسان المعارضة، على أساس أن هذا الجهد الدبلوماسي العربي ينحصر بالتواصل مع الحكومة السورية".
جمال رشدي: دور عربي قيادي لتفعيل مسار التسوية في سورية
وأضاف أنه "من المفهوم أن المعارضة هي جزء من المسار الدستوري، ونتمنى أن تقبل المعارضة بهذا الترتيب، خصوصاً أن البديل المطروح هو عاصمة عربية، أي مسقط، ما يشير إلى دور عربي قيادي على نحو ما لتفعيل مسار التسوية السياسية في سورية، وهذه خطوة جيدة بحد ذاتها".
وأشار رشدي إلى أنه "حسب البيان سيكون التنسيق والتسهيل من جانب الأمم المتحدة، لكن لجنة الاتصال العربية أخذت على عاتقها المبادرة لتحريك مسار اللجنة الدستورية". ولفت إلى أن هذا المسار متوقف منذ العام الماضي، لأسباب معروفة للجميع، بحسب قوله، "بالتالي لجنة الاتصال العربية حاولت أن تقدم خرقا في هذا المسار وإعطاء دفعة لتحريكه باقتراح مكان جديد لانعقاد أعمال اللجنة في عاصمة عربية".
دلالات عودة سورية إلى الجامعة العربية
وفي ما يتعلق بالمبادرة العربية، فكانت أولى بوادرها في الاجتماع الوزاري لدول الخليج العربية مع وزراء خارجية كل من مصر والأردن والعراق في جدة السعودية منتصف إبريل/ نيسان الماضي. كذلك عُقد اجتماع آخر في عمّان، في مايو/ أيار الماضي، حضرته وزارة خارجية السعودية والعراق ومصر والأردن إلى جانب استدعاء وزير خارجية النظام فيصل المقداد للاجتماع، وأفضى إلى تبني المبادرة الأردنية للحل والقائمة على مبدأ خطوة مقابل خطوة.
ثم تبنت الجامعة العربية المبادرة في قمة وزارية في الشهر نفسه أعيد خلالها مقعد سورية إلى النظام على أساس الإكمال في تنفيذ المبادرة.
وتقوم المبادرة على حل عدة ملفات أبرزها الحل السياسي والتسوية بما ينسجم مع القرار الأممي 2254، ومكافحة تجارة وتهريب المخدرات لا سيما الكبتاغون، وإعادة اللاجئين إلى سورية، ومكافحة الإرهاب ومعالجة المشاكل الأمنية. لكن المعطيات تشير إلى أن النظام لم يقدم أي خطوة ملموسة تجاه الخطوات العربية نحوه.
وفي السياق، قال نائب رئيس "المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية" في مصر، مختار الغباشي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "القرار العربي الخاص بعودة سورية إلى مقعدها بالجامعة العربية، حمل دلالات مهمة جداً، خصوصاً أن هناك 5 دول عربية كانت رافضة له بالمطلق".
وأضاف أن "7 دول أخرى كانت متحفظة، وحتى جزء من الدول العربية التي كانت متحمسة، كانت لها طلبات، من ضمنها مراجعة علاقة سورية (الاستراتيجية) بإيران، ومدى تأثير ذلك على منظومة الأمن القومي العربي، وهذا سؤال مهم جداً".
وأضاف الغباشي أن "مسائل الحماية الروسية لسورية، وحل معضلة سورية الداخلية، مثل المعتقلين والمخفيين قسرياً، وآليات التعامل معهم، ومسألة المرحلة الانتقالية وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية ووضع الدستور، وقضية عودة اللاجئين، خصوصاً الذين يشكلون المعارضة للنظام السوري، كلها ملفات جوهرية".
ولفت إلى أنها "تشكل هواجس لدى المعترضين والمتحفظين من الدول العربية، وحتى جزء من المتحمسين"، معتبراً أنه ستتم معالجة هذه المسألة "خصوصاً إذا كان النظام في سورية راغباً في تحسين علاقاته بالدول المتحفظة أو الرافضة". وبرأيه فإن زيارة المقداد إلى مصر، تأتي في ظل هذا السياق.
سيد أحمد: الدول العربية هي التي تقوم بخطوات إيجابية تجاه سورية
من جهته ثمّن أستاذ علم الاجتماع السياسي المصري، محمد سيد أحمد، في حديث مع "العربي الجديد"، التحركات الدبلوماسية السورية ممثلة بالمقداد، لحضور الاجتماع العربي المصغر بشأن الأزمة السورية، ورأى أن الهدف الرئيسي منه، هو وضع آليات لحل بعض القضايا مثل الإرهاب والحصار الاقتصادي، وملف اللاجئين.
وقال من جهة أخرى إن الدول العربية، هي التي تقوم بخطوات إيجابية تجاه سورية وليس العكس، مضيفاً أن هناك "حتمية لتعاون الحكومات العربية مع سورية".
في المقابل قال وزير الخارجية المصري السابق محمد العرابي، لـ"العربي الجديد" إن "علاقة سورية مع الدول العربية والتي تجددت بعد قمة جدة الأخيرة، وعودة دمشق إلى جامعة الدول العربية، لا تزال تراوح مكانها ولا جديد فيها". وأضاف أن تحركات المقداد في المنطقة "تأتي في إطار السعي إلى تطوير العلاقات مع الدول الأساسية في المنطقة، ولا يمكن اعتبارها تطوراً جديداً في ملف العلاقات السورية مع الدول العربية".