"السِّيف".. حوارية تشكيلية فوتوغرافية للماء واليابسة
جمعت حواريّة تشكيلية وفوتوغرافية وفنّ الفيديو، ثلاثة فنّانين في معرض "السِيف"، الذي افتتحته "غاليري المرخية" في "مطافئ: مقرّ الفنانين" بالدوحة، مساء الثلاثاء الماضي، ويستمرّ حتى آخر أيلول/ سبتمبر المُقبل. والسِّيف بكسر السِّين، هو في المعاجم العربية ساحل البحر، وما تزال الكلمة مُستخدمةً في الدَّارجة لدى مختلف مناطق شبه الجزيرة العربية. على هذا السِّيف 41 عملاً تقاسمها الفنّان العراقي إسماعيل عزام، والفنّان السوري إسماعيل الرفاعي، والفنان الفوتوغرافي القطري عزام المناعي.
وكان كلّ واحد منهم يُطالع ساحل الخليج العربي، بوصفه كتابَه المائيّ الذي على برِّه، تعيش السفن والقوارب والطيور البحرية، وتتلوّن كلّ مفردات الأفق، بدرجات لا حدّ لها، تتقلّب تحت ضوء الشمس والقمر. ولمَن يتوقّف أمام لوحات إسماعيل عزّام يتأمّل انخراطه المُفاجِئ في انطباعيات مشهدية خارج مساره، وهو المعروف بأنه واحد من أبرز فنّاني البورتريه المعاصرين.
يقول عزام لـ"العربي الجديد"، إنّ البورتريه هو الأصعب فنّياً، وهذا بلسان فنّان يخوض لأول مرّة تجربةً خارج عالمه الذي تخصّص فيه على مدى عقود، وعُلِّقت لوحاتُه الضخمة في المتاحف، وبيوت العديد من الشخصيات السياسية في المنطقة.
السِّيف بكسر السِّين هو ساحل البحر في المعاجم العربية
توجّه الفنّان إلى العديد من أسياف البحر المحلّية، وقرّر أن تكون لعبتُه مختلفة عن واقعيّة البورتريه، والقوّة البصرية التي تمنحها لوحاتُه الضخمة، جاعلاً من الطبيعة مجالاً للّعب في اللون والانطباع.
لم يكتف عزام بطرح لوحات الأكريليك على القماش، بل كان نصفها الآخر رسم ديجتال، وهو خيار تقنيّ إضافيّ يتعامل الفنان معه منذ سنوات، أيضاً في مجال البورتريه، قائلاً إنه يقف في المنتصف بين مَن يتشدّدون في تقاليد الرسم وبين خيار الديجتال الذي يستبدل الألوان على الباليتة بأدوات رقمية، ولا يحتاج وقتاً طويلاً مقارنة بالرسم التقليدي، لكنّه في الآخر - كما يُضيف - تجريبٌ لا مفرّ منه.
السفن التقليدية على شاطئ الشارقة والتي يراها من مرسمه كانت خيار إسماعيل الرفاعي. وأعماله، مع أعمال إسماعيل عزام، نتاج العام الجاري، بعد زيارته الدوحة، وتعرّفه إلى المشروع الذي كان عزام مُضطلعاً به وحده، فكانت أجمل "ورطة" وقع بها، على حدّ قوله، حين عرض عليه الشراكة في معرض جماعي حول السِّيف.
ومقاربته التي جاءت في 15 لوحة، بدأت برسم "اسكتشين" للَوحتَين، فبدتا أكثر واقعية مما يبتغي، ثم ترك بعد ذلك للتوليفة أن تنمو وحدها، بين تبسيط الشكل إلى الحد الأقصى والواقعي، وكذلك التقشّف في اللون.
وهو يقول لـ"العربي الجديد"، إنّه أراد عبر اللامرئي تلخيص حكاية السفينة والرحلة، والانتقال من موضوعات ملحمية الى اليومي الحميمي، مُحافظاً على شغفه عبر قلب اللوحة المنجزة باتجاه الحائط حتى لا يراها، وحتى تظلّ السفن التقليدية قادرة على منحه المزيد.
وعند الجدار الخاص بالفنّان الفوتوغرافي عزام المناعي، نتوقّف أمام لوحة تجريدية قد تسلّلت بالخطأ بين لقطات الكاميرا، لكنها في الواقع صورة التقطت جوّاً على ارتفاع 500 متر، يظهر فيها مدخل ومخرج مائيان، والعديد من تضاريس برّية مِلحيَّة وطِينية اندمجت ببعضها من الأعلى، حتى ظهرت الطبيعة كأنها في تجريب لوني.
والمناعي القادم من حقل الهندسة الميكانيكية وصناعة النفط طوّر خبرة عميقة في التصوير الفوتوغرافي فوق الماء وتحته، وظهرت أعماله في العديد من وسائل الإعلام، ومنصات البث مثل "سي أن أن"، و"ناشيونال جيوغرافيك"، و"الجزيرة الوثائقية"، و"نيويورك تايمز"، و"نتفليكس".
وفي عرضي الفيديو والصور الجدارية يُفكّر المناعي دائماً، بتكوين الصورة على طريقة الرسّامين. هو يتخيّل الصورة وقد لا يعثر على مُراده، ولكنّه كلّما عاد إلى تضاريسه وجد اقتراحات متجدّدة. فلا العين التي رأت سابقاً هي ذاتها، ولا الطبيعة تفعل شيئاً سوى أن تتقلّب في درجات لونية حسب المواسم.
أكثر مكانين ألِفَهما الفنّان مُتباعدان جغرافياً، واحدٌ في شمال قطر، حيث يُمكن معاينة "الذخيرة"، والألسنة البحرية التي حفرت مسيرها في اليابسة، ومن حولها غابات المانغروف. أحد الأعمال تظهر فيه هذه الجغرافيا مُمتلئة بآلاف من طيور الغاق السقطري، الذي يُعرف محلّياً باسم "اللوه"، وفي خور العُديد أقصى الجنوب تشكيلات رملية واسعة على سيف البحر الذي بتناسقٍ، يُشير إلى أنّ المناعي يستلهم روح المشهد، قبل أن يضغط زرّ التصوير.