تحركات أمنية أميركية في العراق تثير تساؤلات
لم تتوقف تأكيدات الحكومة العراقية على عدم وجود تحركات للقوات الأميركية في البلاد، خلال الأيام القليلة الماضية، إلا أن ما نقلته مقاطع فيديو كثيرة في مناطق جنوبية وإقليم كردستان بينت أن تنقلات قائمة بالفعل لهذه القوات ما بين سوريا والعراق.
وجاءت تحركات القوات الأميركية بعد أيام من زيارة وفد عسكري عراقي رفيع إلى واشنطن بقيادة وزير الدفاع ثابت العباسي وعضوية قادة كبار في الأجهزة الأمنية، سواء في الجيش أو الشرطة أو جهاز مكافحة الإرهاب أو الاستخبارات، إذ أعلن في نهاية الزيارة عن استمرار التنسيق الأمني بين الطرفين، وتحديداً فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب وضرورة استمرار الدعم الأميركية لتطوير قدرات القوات العراقية وتدريبها خلال الفترة المقبلة.
الواقع مختلف
لكن وسط هذا التضارب، أصر المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة يحيي رسول على نفي انتشار قوات أميركية في عدد من المدن العراقية، معتبراً أن ما تم تداوله في شأن هذا الأمر لا يمت بصلة للواقع.
وتوجد القوات الأميركية بالعراق في أماكن محددة، هي السفارة الأميركية لدى بغداد ومحيط مطار بغداد الدولي وقاعدة عين الأسد في قضاء حديثة بمحافظة الأنبار وقاعدة حرير في أربيل، وأيضاً في محيط مطار أربيل الدولي.
توجهات غير معروفة
يرى المتخصص في الشأن العسكري العراقي معن الجبوري أن التحركات الأميركية داخل البلاد وعلى الحدود مع سوريا هدفها تنفيذ مهام لم تحدد طبيعتها حتى الآن، مشيراً إلى أن كل ذلك يتم بعلم الحكومة في بغداد.
وقال الجبوري إن "التحركات تحدث في حالتي وجود معلومة استخباراتية تتعلق بحدوث أمر ما يستدعي وضع الاحتياطات اللازمة التي تتمثل بالانتشار والاستعدادات في شأن هذا الحدث أو القيام بعمل معين"، مستبعداً أن تكون هناك حروب في المنطقة لكون الوضع الإقليمي لا يسمح ولا توجد مبررات لذلك، ولكن قد تحدث عمليات محددة.
وأوضح أن تحرك القوات الأميركية في العراق قد يكون جزءاً من عملية الاستبدال أو خروج قوة متخصصة في عمل وتأتي بعدها قوة أخرى أكثر تخصصاً، لافتاً الانتباه إلى أن التحرك موجود والمعدات العسكرية الأميركية شوهدت في البلاد واقتربت من الحدود السورية بالفعل.
تحركات في المنطقة – وفق الجبوري - اعتبرها تأتي في ظل الصراع الأميركي - الروسي والصراع التركي - الإيراني، فضلاً عن وجود ميليشيات، ومرت بصورة طبيعية ولم تتعرض لهجوم ولم تقلق من أي تحرك ولم تخش أية عمليات مضادة، مبيناً أن المعطيات تشير إلى أن حالة الاتفاق بين الجانبين الأميركي والإيراني لن تكون بالمجان.
خلق التوازن
يبدو كثير من السيناريوهات المحتملة للتحركات العسكرية الأميركية قائمة، إلا أنها لم تصل إلى مستوى الحرب لكون القوات المرصودة صغيرة وتكتيكية، بحسب معن الجبوري، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنها تبين إمكانية تنفيذ عملية نوعية وفرض وجود على منطقة معينة وخلق حالة من التوازن، خصوصاً أنها تأتي بموافقة بغداد وتأمينها لمسارها.
وتابع أن جميع القوى والفصائل المسلحة الموالية للحكومة العراقية لا يمكنها تنفيذ أية عمليات تتعارض مع الاتفاق بين واشنطن وبغداد، لكنه نوه بأن زيارة قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني إلى العاصمة العراقية لم تكن مصادفة ضمن ما يحصل من تطورات في العراق وسوريا.
إيران المستهدفة
يرى الأكاديمي العراقي المتخصص في العلوم السياسية بالجامعة المستنصرية عصام الفيلي أن التحركات الأميركية في المنطقة موجهة ضد إيران في ظل مخاوف من اقترابها من تصنيع قنبلة نووية. وقال إن هناك صراعاً على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط والتحركات الأميركية هي الصفحة الأولى لمهام محددة لا ترتبط بتحييد النفوذ الروسي، وإنما استهداف النفوذ الإيراني والذي بات واضحاً من خلال حجم القوات والأسلحة التي وصلت إلى المنطقة والمناورات العسكرية التي جرت بين القوات الأميركية وسوريا الديمقراطية وإعلام بعض الجهات أنها ستجري في كردستان وأطراف من الموصل.
وبين أن الولايات المتحدة حاضرة وجاهزة لأي عمل عسكري، وهي التي ستحدد مساره، على رغم تأكيدات واشنطن أن تحركات قواتها المرصودة على الأراضي العراقية تعد جزءاً من استراتيجية تبادل القطعات الأميركية في المنطقة.
قطع الحدود مع سوريا
مؤشرات تلوح في الأفق حالياً تبين أن هناك مخاوف من حصول إيران على قنبلة نووية في الوقت القريب، وهذا ما يجعل القلق يتصاعد من الولايات المتحدة التي تنظر إلى العراق على أنه الحبل السري الذي يغذي دول المواجهة مع إسرائيل، وهي سوريا ولبنان والفصائل الموجودة في بغداد.
وذكر أن أميركا تريد قطع الحبل السري على الحدود أولاً وتستخدم مبدأ مد العصى والجزرة وتحرص على تقديم مساحة من الحرية للتفاهم مع بعض الجهات التي تريد معالجة المشكلة مثل الفصائل المسلحة العراقية.
وختم بأن الولايات المتحدة ونقلاً عن دبلوماسييها ترغب في تعديل مسار العلاقة مع العراق، وهذا يتوقف على هضم الدرس من الطبقة السياسية والنخبة الاستشارية، لافتاً إلى أن واشنطن تريد بغداد شريكة عسكرية وأمنية واقتصادية، لكن بعض القوى السياسية ترغب في الارتماء في أحضان الصين وروسيا.