ضحايا إهمال الأطباء... أدوات تشريح داخل أجساد مرضى العراق
شعر الشاب العراقي عمار حسين (23 سنة) بآلام مفاجئة في بطنه، فتوجه من فوره إلى أحد المستشفيات، وهناك وجه الطبيب بعد الاطلاع على وضعه الصحي بإدخاله مباشرة لإجراء جراحة لإزالة الزائدة الدودية، لكنه لم يدر أن هذا الأمر سيحول حياته إلى جحيم.
يقول عمار لـ"العربي الجديد": "كانت الجراحة ناجحة حسبما أبلغني الطبيب، لكني عانيت لفترة طويلة بعد العملية من مضاعفات اضطرتني إلى العودة مجدداً إلى المستشفى، وقمت بمراجعة طبيب آخر، والذي طلب مني إجراء فحوص طبية جديدة، لأفاجأ بعدها أن الطبيب الذي أجرى لي العملية قد نسي إحدى أدوات التشريح داخل جسدي، وتسبب ذلك بحالة صحية أعاني منها منذ تسع سنوات".
تكرر أمر مشابه مع سلوى جبار (25 سنة)، لكن المضاعفات تسببت بمنعها من الحمل طوال حياتها. تقول لـ "العربي الجديد": "كنت حاملاً بتوأم، وأثناء عملية الولادة كدت أفقد حياتي لأن الطبيبة التي أجرت العملية تسببت بخطأ طبي نتج عنه شلل في الأطراف السفلية لأحد الطفلين، وجروح عميقة في الرحم، والذي اضطررت لاحقاً إلى إزالته، لأحرم من الإنجاب طوال حياتي".
ولا تقتصر نتائج الأخطاء الطبية التي يتعرض لها المرضى على العاهات المستديمة، بل إن حالات كثيرة تنتهي بالموت، ورغم عدم وجود إحصائية رسمية لأعداد الأخطاء الطبية في العراق، إلا أن مواقع التواصل الاجتماعي تضج بين فترة وأخرى بوقائع تدفع روادها إلى التضامن مع الضحايا، وتعيد فتح ملف الأخطاء الطبية في المؤسسات الصحية، والمطالبات بمحاسبة مرتكبيها.
يرجع جراح يعمل في مستشفى الشهيد غازي الحريري، أحد أهم مستشفيات جراحة القلب في بغداد، أسباب الأخطاء الطبية إلى كون القطاع الصحي في العراق من بين أكبر مصادر الفساد لما يوفره من عقود ومناقصات حكومية، وبالتالي يفتح شهية القوى السياسية الحاكمة إلى التدافع للسيطرة على وزارة الصحة، بهدف الحصول على الصفقات وغيرها مما توفره الوزارة من عقود مالية.
ويوضح الطبيب الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ"العربي الجديد"، أن "الجهات المسيطرة على الوزارة من أحزاب وقوى سياسية متنفذة أثرت على تراخيص المراكز الصحية والمستشفيات الخاصة، وحتى مراكز التجميل، والتي باتت تمنح من دون الخضوع للمعايير القانونية والصحية، الأمر الذي نتج عنه ضعف البنية التحتية الصحية وتزايد الأخطاء الطبية".
بدوره، يؤكد الطبيب محمد كاظم، أن أسباباً كثيرة تقف وراء تكرار الأخطاء الطبية في السنوات الأخيرة، من بينها الأشخاص الذين ينتحلون صفة طبيب. ويقول لـ"العربي الجديد": "من خلال متابعة البيانات التي تصدر عن وزارتي الصحة والداخلية، نجد أن هناك أعدادا غير قليلة من الأشخاص الذين ينتحلون صفة الطبيب، ويمارسون المهنة في المستشفيات العامة والخاصة، وهذا الأمر يتسبب بكوارث صحية تطاول أعدادا كبيرة من الناس. ينبغي محاسبة هؤلاء المنتحلين عبر إنزال أشد العقوبات بحقهم".
في المقابل، يرى المتحدث باسم وزارة الصحة، سيف البدر، أن "هناك مبالغة وتهويلاً في قضية الأخطاء الطبية في العراق، في حين أن الخطأ الطبي أمر وارد دائماً، وقد يحدث في أكبر المؤسسات الطبية حول العالم". ويقول لـ"العربي الجديد"، إن "الوزارة لديها قسم للمسؤولية الطبية، تقع على عاتقه مسؤولية متابعة الأخطاء الطبية بالتعاون مع الجهات الأمنية والقضائية، وأي مواطن لديه الحق في تقديم شكوى ضد أي جهة صحية يعتقد أنها ارتكبت أخطاء طبية، وفي حال ثبت وجود الخطأ فإن الوزارة لديها إجراءات عديدة لمحاسبة المقصرين".
ويضيف البدر أن "عقوبات الأطباء المقصرين تكون مبنية على ثبوت الخطأ، وخطورته، وما إذا كان مقصوداً، وعلى ضوء ذلك تتخذ الإجراءات، وقد تصل العقوبة إلى الفصل، أو إلى السجن. هناك مئات القضايا الخاصة بالأخطاء الطبية التي تتابعها الوزارة، لكن حسمها يكون وفق توقيت زمني وقانوني، كما هو الأمر في باقي القضايا، وأي مقصر يثبت تقصيره بالدليل القاطع ينال جزاءه العادل".
وتتمثل الأخطاء الطبية وفق المادة 35 من قانون العقوبات العراقي في الإهمال والرعونة، أو عدم الاهتمام، أو عدم أخذ الحيطة والحذر، وعدم الالتزام بالقانون، فيما يقع الطبيب أو مقدم الخدمة الصحية تحت طائلة المسؤولية القانونية عندما تحصل وفاة عن طريق الخطأ الطبي وفق المادة 411 من قانون العقوبات، والعقوبة هي الحبس لمدة تتراوح ما بين سنة إلى 5 سنوات، أما إذا ترتب على الخطأ أضرار أو عاهة مستديمة، فالعقوبة تكون الحبس لمدة لا تزيد على سنتين وفق المادة 2/416 من قانون العقوبات.