وداعاً موسى عمر
جاء في الخبر: "تُوفي الفنان التشكيلي العُماني موسى عمر الزدجالي، صباح يوم الأحد 13 أغسطس (آب الجاري) 2023، وذلك بعدما ألمّت به وعكة صحّية مساء أمس، نقل على إثرها إلى المستشفى، وهناك أُعلن عن خبر وفاته". وبذلك طُويت صفحة تجربة عريضة لفنانٍ عُماني استثنائي خلقاً وفناً. وردتني اتصالاتٌ عديدة، خصوصاً من المغرب، تستفسر إن كان الخبر صحيحاً. ربما لن تحتاج إلى أكثر من لقاء أو اثنين لتتيقّن من صفاء معدن موسى. لوحاته تعكس كذلك دواخله الصافية ذات النزوع الصوفي. ولأنّه بسيط وعفوي، جاءت ألوانه كذلك صادقة وواضحة، كما أنّها غنية بالملابس، خصوصاً الخيش، فلا تخلو لوحةٌ من عنصرين؛ ألوان صارخة وملابس شرقية متنوّعة، وكأنه يصمّم أزياء مهملة ويكرّمها على هذا الوجه، بنشرها حرّة ترفرف أمام زرقة البحر.
رغم مواضيعه الحالمة الصوفية المفعمة بالإشارات، إلا أنها تُقدّم بألوان صريحة صادقة. مثل لوحته قميص الأحلام الذي تشعر فيه وكأنه يرى الجنة. وكذلك سجّادة الصلاة التي رسمها بطريقةٍ يبث فيها الروح الشرقية الناصعة، وتنوير أكثر زواياها عتمة بضوء الألوان.
على مدى 30 عاماً، أقام موسى عمر أكثر من 15 معرضاً شخصياً في عُمان وخارجها، من أهمها معرضه "أغنيات للشمس" في مسقط في صالة ستال للفنون في أغسطس/ آب 2018، ومشاركته في سمبوزيوم بنك القاهرة عمّان الدولي للفنون التشكيلية في عمّان في يوليو/ تموز 2022، وكان آخر مشاركاته المتميزة في أعمال الدورة الـ19 لبينالي آسيا للفنون في دكا في ديسمبر/ كانون الأول 2022 بمشاركة فنانين من 56 دولة.
قد تكون لقاءاتي محدودة بموسى عمر، ولكن كل لقاء يترك أثره في الذاكرة. عرض عليَّ ألبوم لوحاته عبر حاسوبه، وقال لي اختر أي لوحةٍ تشاء وسأحضرها لك هدية من المنزل. قال لي كذلك إنه لا يحبّ أن يحتفظ باللوحات كثيرا، وقد وزّع كثيرا منها للأصدقاء. سنجد يوم وفاته أكثر من صديق صدّر كتابه الإبداعي، قصصا أو رواية أو شعرا، في صفحته في "فيسبوك" بلوحة لموسى عمر اقترحها عليه لتكون غلافا لكتابه، ما يدلّ على أن لوحاته كانت مقصدا لكتّاب عُمانيين كثيرين لتكون ضمن أغلفة كتبهم.
كتب الصديق حمد الصبحي في جداره الأزرق "لوحات موسى تتدثّر بلون البحر، بحر "مطرح"، هذه المدينة التي ملأت حواسّه بالألوان، غمرت طفولته بالحب، تلذّذ بالنظر إلى ألوان البحر، كبُر وكبر معه اللون، رسم طفولته بلون البحر، فاضَ عن لونه، صرخ بصمت اللون، حتى خرج لونُه صارخا". وكتب الباحث الجمالي المغربي عز الدين بورقه: "خبر صاعق رحيل صديقي العزيز الفنان العُماني موسى عمر الذي أعاد للأثواب معانيها الجمالية وألبسها لبوساً حياً، لبوس يوسف الضياء... يرتحل عن عالمنا إلى أرضه الخالدة... يتركُنا في غفلة... بعدما تحدّثنا في أقلّ من يوم مرسلاً قلبه إلى ابنتي فرحاً بها. وداعاً، عزيزي الغالي، ستبقى دائم الحضور بيننا... وداعاً يا من خاط أثواب الجمال". وكتب إليّ الفنان المغربي، عزيز أزغاي، عبارة تنم عن تأثّره، جاء فيها: "كان من خيرة من يمثلون الفن العُماني في أبعاده الإنسانية". وخصّصت له الكاتبة العُمانية منى بنت حبراس السليمية حلقة من برنامجها "المشهد الثقافي". وكتب الشاعر العراقي عبد الرزاق الربيعي في عموده الأسبوعي في صحيفة عُمان: "تضجّ أعمال موسى عُمر بألوان الحياة، وتحتشد بالكثير من التفاصيل التي تحيل إلى الطفولة، وحكايات شعبية، ورموز يلتقطها من الحارات القديمة، فيحمّلها دلالاتٍ متعدّدة، ففي لوحاته تجد الهلال حاضراً، وكذلك الأفعى، والقمر، والعين. وهو في كلّ أعماله ظلّ مخلصاً لبيئته العُمانية، ويجدها المتابع موظّفة في أعماله توظيفاً دقيقاً، بعفوية طفل، متمثّلاً بمقولة بيكاسو: طموح كلّ رسام هو الاحتفاظ بالعفوية التي تعرفها أصابع الطفل عند الرسم... لقد احتفظ موسى عمر بعفويته، لذا فأعماله متخمةٌ بالتفاصيل وهو يشتغل على أعماله بصبر".
كما لم يخلُ يوم منذ رحل موسى من ذكر صديق عمره التشكيلي العُماني حسين عبيد، بعد أن كان لا يمكن أن تلتقي بعبيد من دون أن يردّد على لسانه اسمه: موسى عمر.