"فرات" لبسمة جبر.. أغنيات سورية عراقية في فيينا
لكلمة فُرات في حياة السوريّين، كما العراقيون، وقعٌ خاص، فهي مرتبطة عندهم بمفاهيم مثل العذوبة والخصوبة والارتواء. وفي راهنٍ يعجّ بالأزمات، يُصبح الحديث عن هذه المُفردة ممزوجاً بشيء من الحنين، سواء إلى حياةٍ خلَت، أو مكان مفقود، لا يخلو من سحر. وهذا ما تعود إليه الفنّانة السورية، المُقيمة في النمسا، بسمة جبر، في ألبومها الجديد "فُرات"، والذي أطلقته أخيراً على خشبة مسرح Musikverein Wien بفيينا. عملٌ يحملُ في عنوانه، جُملة إشاراتٍ واستعارات تُحاول أن تأخذ السوريّين، عبر بوّابة الموسيقى واللَّحن، من منافي الأرض، إلى بلادهم التي هُجّروا منها، لكنّهم حمَلوا أغانيها معهم حيثما حلّوا.
يتضمّن "فرات" ثماني أغنيات تراثية، أُطلِقَت بين عامَي 1920 و1960، بأصواتِ مُغنّيات من المشرق العربي (وُلِدنَ أو نشأنَ في سوريّة والعراق تحديداً)، وتمّت إعادة إنتاجها وتوزيعها، بالتعاون مع عازف العود السوري مهنّد نصر، في حين تعود فكرة الألبوم إلى المُغنّي الفلسطيني السوري أبو غابي (محمد نور)، الذي طوَّره لاحقاً مع جبر. وتأتي هذه الالتفاتة إلى أصوات النساء، حسب القائمين على العمل، اعترافاً بدور المرأة الكبير في حفظ تراث هذه المنطقة الغنائي.
عملٌ يستلهم أصوات النساء تأكيداً لدورهنّ في إبداع الفنون
وصحيحٌ أنّ العمل في مضمونه مشرقيُّ الطابع، إلّا أنّ مكان إنتاجه وإطلاقه في العاصمة النمساوية، يضعُه على سويّة أُخرى من القراءة والتذوُّق، حيث لا يعود التراثيُّ مكتفياً بذاته فقط، بل يُصبح على تقاطُعٍ مع روافد موسيقية مختلفة، تُعبّر عن تنوّع العوالم، بين ألحان الشرق من جهة، وبلاد موزارت وشوبرت من جهة ثانية. وهنا تجب الإشارة إلى أنّ "فرات"، هو جزءٌ من مشروع أوسع، يحمل عنوان "أصوات من فيينا"، ويجمع مُغنّيات من خلفيات ثقافية مُتعدّدة، قدّمت كلٌّ منهنَّ عملَها بصُحبة "الأوركسترا الوطنية النمساوية"، في فترات مختلفة خلال هذا العام، كشكلٍ من أشكال الحوار الموسيقي بين الشعوب.
لا يستلهم "فرات" روح المكان فحسب، بل يشتغل أيضاً على الذاكرة، وهذا ليس مستغرباً، خاصة أنّ جبر قد سبق لها أن قدّمت هذه الثيمة بأساليب مُختلفة، سواء في شاراتِ بعض الأعمال التلفزيونية التي ارتبط اسمُها بها، أو في ألبومها The
Songs We Still Remember الذي وقّعته، عام 2019، بالتعاون مع العازف عروة صالح.
مع ذلك، فإنّ فعل التذكُّر هنا لا يُشكّل عائقاً أمام الحَيوية المُفرِحة، تلك التي تظهر بشكلٍ واضح مع أُغنية "في الظلمة" (لبديعة مصابني، وألحان فريد غصن)، وهي أوّل أعمال ألبوم "فرات"، التي صوّرتها جبر كـ"فيديو كليب"، ومتوفّرة عبر قناتها على "يوتيوب". على أن تتلوها أغنيةٌ أُخرى بعنوان "تجفي" (للمغنّية العراقية منيرة الهوزوز، وألحان عزّوري العوّاد)، والتي سترى النور مساء بعد غدٍ الجمعة.