العراق: ردم بحيرات الأسماك لتخفيف أزمة المياه
دفعت أزمة المياه والتصحر التي تشهدها مختلف المناطق العراقية، وزارة الموارد المائية للقيام بعدة إجراءات تستهدف ترشيد استهلاك المياه، والحد من عمليات الهدر كان من أبرزها ردم بحيرات الأسماك المشيدة على أكتاف الأنهار والبحيرات، عبر سياسة التقشف المائي الحاد في عمليات الاستهلاك.
وقالت الوزارة في بيان لها إن كوادرها باشرت ردم العديد من المنافذ المغذية لبحيرات تربية الأسماك وتجفيفها، للحد من زيادة الاستهلاك المائي والتي تغرق الأراضي الزراعية بالمياه.
وأضافت أن توجيهات رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، شددت على ضرورة إزالة بحيرات الأسماك المتجاوزة (غير المرخصة) في جميع المحافظات لضمان تقليل الاستهلاكات المائية وإيصال المياه إلى المحافظات الجنوبية.
إجراءات حكومية
المتحدث باسم وزارة المواد المائية، خالد شمال، قال لـ"العربي الجديد"، إن وزارته ماضية في تجفيف البحيرات وردمها بدعم القوات الأمنية وبتوجيه مباشر من رئيس الوزراء بمعدل ردم 50 - 70 بحيرة يومياً، لغرض إكمال الأعمال المناطة بالوزارة قبل بدء الموسم الشتوي القادم، وضمان إيصال المياه إلى المحافظات الجنوبية والحفاظ على الخزين المائي.
وبيّن شمال أن مساحة البحيرات التي تم منحها إجازة العمل، لا تتجاوز 25 ألف دونم، بينما يبلغ عدد البحيرات غير الرسمية، والتي تعمل بشكل غير قانوني، بحدود 3000 بحيرة بمساحة تزيد عن 60 ألف دونم. وأشار إلى أن عدد البحيرات في حوض دجلة يبلغ 2212 بحيرة، فيما يبلغ عدد البحيرات على حوض نهر الفرات أكثر من 750، مضيفاً أن هذا العدد من بحيرات الأسماك أسهم في هدر المياه من خلال زيادة المساحة المعرّضة للتبخّر وزيادة تخندق وتسرب المياه والملوثات البيئية.
وأكد أن المخزون الاستراتيجي من المياه في العراق هذا العام، هو الأدنى في تاريخ الدولة العراقية الحديثة منذ مطلع عشرينيات القرن الماضي، بسبب قلة الإطلاقات المائية وتراجع معدلات الأمطار، فضلاً عن ثقافة الوفرة والسلوكيات والممارسات الكلاسيكية المتبعة في الري والزراعة.
إدارة المياه
من جانبه، قال عضو اتحاد الجمعيات الفلاحية التعاونية، أحمد السوادي، إن عدم وجود استراتيجية حقيقية في إدارة ملف المياه من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة ساهم في تزايد التجاوزات التي تشهدها الأنهار والبحيرات.
قال عضو اتحاد الجمعيات الفلاحية التعاونية، أحمد السوادي، إن عدم وجود استراتيجية حقيقية في إدارة ملف المياه من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة ساهم في تزايد التجاوزات
وأضاف السوادي، لـ"العربي الجديد"، أن الكثير من المتجاوزين أصحاب بحيرات الأسماك لديهم نفوذ في الدولة، ولولا شح المياه وارتفاع نسبة التصحر لن تسعى وزارة الموارد المائية إلى ردم بحيرات الأسماك وتطبيق سياسة الترشيد والتقشف. وأشار إلى أن أزمة المياه في العراق مركبة ترتبط بإدارة المياه، مؤكداً أنه "لا توجد ثقافة لإدارة واستهلاك المياه بكافة أشكالها، ما تطلب جهداً كبيراً من التوعية والإرشاد"، فضلاً عن أهمية الاستخدام الأمثل للمياه من خلال اتباع وسائل الري الحديثة.
وبيّن السوادي أن البلد يواجه كارثة حقيقية، ستؤدي إلى اندثار الثروة السمكية العراقية، وتسهم في زيادة الاستيراد من دول الجوار، مشيراً إلى أن "أذناب الأنهار في مناطق وسط وجنوب العراق جفت تماماً". وطالب الحكومة العراقية والوزارات المعنية باتباع سياسة التفاوض الجاد مع دول الجوار من أجل زيادة الحصص المائية، وإعادة مسارات الأنهار إلى وضعها الطبيعي بالشكل الذي يضمن وصول المياه بانسيابية إلى مناطق الوسط والجنوب.
تأجيل ردم البحيرات
لجنة الاقتصاد في مجلس النواب العراقي، طالبت بإيقاف عملية ردم بحيرات وأحواض الأسماك أو تأجيلها لمدة شهر آخر لحين نقل وبيع الأسماك في السوق المحلية، تجنباً لخسائر كبيرة تعرض لها أصحاب البحيرات.
وقال عضو اللجنة، كاظم الشمري، خلال تصريح صحافي، إن قرار الحكومة العراقية الذي يقتضي ردم بحيرات الأسماك سيتسبب بخسائر كبيرة للفلاحين وأصحاب البحيرات التي تسهم في زيادة الثروة السمكية الوطنية ودعم الإنتاج المحلي.
وشدد الشمري على ضرورة إعطاء مهلة زمنية لأصحاب البحيرات قبل الشروع بإجراءات الردم، مع مراعاة الفرق بين بحيرات تربية الأسماك، وأحواض الري الزراعي المستخدمة من قبل الفلاحين لسقي المحاصيل الزراعية.
تأثير اقتصادي
أكد الخبير في الاقتصاد الزراعي، عادل المختار، أن الثروة السمكية تواجه الكثير من التحديات بسبب ضعف الإدارة المائية وشح المياه التي يعاني منها العراق، معتبراً أن هناك وسائل يمكن من خلالها سد النقص الحاصل في الثروة السمكية من خلالها.
وأوضح المختار، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن العراق يمتلك أربع وسائل لإنتاج الثروة السمكية، تتمثل في بحيرات الأنهار، والمسطحات المائية، وأسماك الصيد في المياه الإقليمية بمنطقة الفاو (جنوب العراق)، بالإضافة إلى الصيد في أعالي المحيطات.
وقال إن المياه الإقليمية العراقية على الخليج العربي التي تقدر مساحتها بحدود 900 كيلومتر مربع لا يوجد فيها صيد بسبب الإهمال وغياب الدعم، مؤكداً وجود أكثر من 1500 زورق صيد عاطل عن العمل بسبب المنع الحاصل من دول الجوار.
وشدد المختار على أهمية تفعيل اتفاقية صيد الأسماك مع دول الجوار، واستثمار الصيد في أعالي المحيطات، حيث يعتبر هذا الجانب من أكبر وأهم وسائل إنتاج الثروة السمكية التي تعتمد عليها مختلف بلدان العالم. وأشار إلى أن أسعار الأسماك في السوق العراقية ارتفعت بسبب ردم البحيرات وعدم وجود سياسات استراتيجية حكومية واضحة، ما أدى إلى الاتجاه إلى الأسماك المستوردة.