جمهوريّة مواطنوها بلا عنوان
نازك بدير
على الرغم من امتلاك لبنان الثروات الطبيعيّة والموقع الجغرافي والمناخ المائز والعقول الخلّاقة والطاقات المبدعة، بيد أنّ هذه العوامل مجتمعة لم تنجح في إخراج البلد من أتون الأزمات المتدفّقة منذ نشأته في العام 1920 إلى اليوم. ثمّة دول عوّلت في نهضتها على رأسمالها البشري، وأفلحتْ في ذلك. وضعتْ نصْب أعينها بلوغ القمّة. استثمرَت طاقات أبنائها، أدركتْ تمامًا أنّ استغلال القدرات الداخليّة للأفراد هو مفتاح نجاح الأمم، وكانت الانطلاقة. استطاعت في خلال سنوات قليلة من عمر الزمن أن تحقّق طفرة على المستويات الاقتصاديّة والتربويّة والتكنولوجيّة والصناعيّة لا بل هي اليوم تنافس كبرى الدول المرموقة، وتسعى في سباقها مع الوقت إلى تطوير أبنائها، وإمكاناتها، بعدالة ووعي وحكمة.
عبثًا يحاول المواطنون ترميم ما مزّقته فوّهات مدافع الساسة، فما إن يرتقوا جسرًا هدّمته الحرب، حتّى ينفجر فيهم» مرفأ». وإن تجاوزوا» كوعًا» هنا، هبطت على رؤوسهم هناك متاريس ومعابر وأقنعة ورصاصات طائشة. إنّهم ضحايا بلا عنوان، ولدوا من رحم واحد، في الملجأ نفسه، والتاريخ نفسه. جميعهم اسمهم لبنان، قدرهم واحد؛ التعاون لخير الأرض، والعمل من أجل الحياة.
لكن، أيّ عمل، وأيّة حياة، وعن أيّ تعاون نتحدّث؟ هل يُسمَح بالتعاون في هذه البقعة من الشرق؟ يبدو أنّها مجرّد كليشيهات مسموح أن نعبّر عنها- حتّى الآن-، لكن في الواقع، يتمّ تخريب التعاون مهما كان نوعه وحجمه ومكانه، وكأنّه مرض معدٍ يحاولون تفتتيه وتطويقه ووأده قبل أن تتفتّح براعمه. التعاون بمعناه الإيجابي للنهوض من الأزمة يبدو غير مرغوب به من قبل أصحاب السلطة، في حين يتم تشجيع التعاون على هلاك المواطن، وإغراقه في الدرك الأسفل من الجحيم. على ضفّةٍ شرق المتوسّط، ترزح دولة تحت عبء الديون، رئيس حكومتها لا يملّ طلب مساعدات من الأشقّاء، كانت في ما مضى «تتبخّر» ولم تُستثمَر لسداد الديون أو لتنفيذ مشاريع إنمائيّة. من البدهي أن يمتنع ليس العرب وحدهم، والحال هذه، إنّما العالم بأسره عن انتشال لبنان من أزمته، الأسباب واضحة تمام الوضوح. يقول المثل:» إللي بيجرّب مجرَّب، بيكون عقلو مخرَّب».
- كاتبة لبنانيّة