عن ثروة الأسد الهائلة ومصادرها الخبيثة
في خضمّ الحرب التي لم تضع أوزارها بعد، تمكَّن الرئيس السوري بشار الأسد من دخول نادي المليارديرات بثروة هائلة تراوح ما بين 1 و2 مليار دولار، بحسب تقرير أعدَّته وزارة الخارجية الأميركية في العام 2022 بتكليف من الكونغرس تحت عنوان "تقديرات الثروة الصافية والمصادر المعروفة لدخل الرئيس السوري بشار الأسد وأفراد أسرته".
وأكَّد هذا التقرير أنّ ثروة الأسد الحقيقية تفوق تلك الأرقام التي كُشف عنها، نظراً لضخامة أصوله المُخبَّأة في العديد من الحسابات المصرفية وأسهم الشركات بأسماء مستعارة والملاذات الضريبية الخارجية.
تتنوَّع مصادر تلك الثروة بين استخدام الأساليب الملتوية لسرقة أموال المساعدات المُوجَّهة للشعب السوري، وكذا الأنشطة الاقتصادية غير المشروعة، كالتهريب وتجارة الأسلحة والمخدرات والخطف والابتزاز.
فقد كشفت دراسة، نشرها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) في 20 أكتوبر/ تشرين الأوّل 2021 تحت عنوان "كيف يستولي نظام الأسد بشكل منهجي على عشرات الملايين من المساعدات"، تلاعُب نظام الأسد بسعر صرف الليرة السورية من أجل توجيه ما أمكنه من أموال المساعدات الدولية إلى خزائنه، حيث امتصَّ نظام الأسد الخاضع لعقوبات أميركية وبريطانية ما يراوح ما بين 60 و100 مليون دولار من أموال المساعدات الدولية في العام 2020 من خلال الاستفادة من 51 سنتاً من كل دولار من تلك المساعدات التي أُنفِقَت في سورية في العام ذاته.
بانتهاج سياسة ليّ الذراع الخبيثة، أجبر نظام الأسد وكالات الأمم المتحدة على تحويل أموال مساعداتها من الدولار إلى الليرة السورية من خلال البنوك السورية والقنوات الرسمية وفقاً للسعر الرسمي الذي يحدِّده البنك المركزي السوري، والذي عادة ما يكون أقلّ بكثير من السعر الذي يحدِّده العرض والطلب أو سعر السوق السوداء، وهكذا يتمكَّن نظام الأسد من الوصول إلى العملة الصعبة والاستفادة من الفرق الذي ضاع على وكالات الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة عند استخدام سعر الصرف الرسمي المُتلاعب به والمتدنّي بدلاً من سعر السوق السوداء الأعلى.
لم يكن ليتحقَّق ذلك الشرط لولا دعم موسكو، الحليف القويّ لنظام الأسد، حيث استخدمت روسيا حقّ النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي، يوم 11 يوليو/ تمّوز 2023، لمنع تمديد عملية إرسال مساعدات الأمم المتّحدة من تركيا إلى شمال غرب سورية غير الخاضع لسيطرة نظام الأسد لمدة 9 أشهر، بحجّة انتهاك هذه المهمة الإنسانية لسيادة سورية.
يشير الواقع إلى أنّ الأرباح الطائلة التي تدرّها تجارة المخدرات على نظام الأسد تفوق بكثير الفتات الذي يتساقط من سلّة مساعدات الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة، فقد انضمَّت سورية إلى مصاف أكبر الدول المنتجة لمخدر الكبتاغون في العالم؛ ففي أواخر إبريل/ نيسان 2023 وحده، أعلنت السعودية والإمارات والأردن والعراق ضبط شحنات كبيرة من حبوب الكبتاغون القادمة من سورية، تُقدَّر قيمتها بأكثر من مليار دولار. وأعلن لبنان أكثر من مرة ضبط شحنات من حبوب الكبتاغون كانت متجهة للتصدير إلى عدة دول داخل أفريقيا ودول الخليج.
وفي 13 أغسطس/ آب 2023، أعلنت هيئة الزكاة والضريبة والجمارك السعودية في ميناء جدة الإسلامي، إحباط محاولة لتهريب أكثر من مليوني حبة كبتاغون، يراوح سعر الحبة الواحدة من 1 إلى 25 دولاراً، حسب الجودة، وما هذا إلّا غيض من فيض من الأرباح التي يجنيها نظام الأسد من تجارة الكبتاغون التي تُعدّ ملاذه الأخير، في ظلّ العقوبات الدولية التي شلَّت باقي أطراف الاقتصاد السوري.
وفي مارس/ آذار 2023، أفادت روزي دياز، الدبلوماسية البريطانية والناطقة باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بأنّ تجارة الكبتاغون درَّت أرباحاً على نظام الأسد وصلت إلى 57 مليار دولار، واصفة هذه التجارة بشريان الحياة المالي للأسد الذي يعادل ما يقرب من ثلاثة أضعاف تجارة المخدرات التي تنشط فيها الكارتلات المكسيكية مجتمعة والذي يفوق أيضاً الناتج المحلي الإجمالي للأردن المُقدَّر بـ 47.45 مليار دولار.
الأمر الذي يساعد على ازدهار تجارة المخدرات في سورية هو الدور الكبير الذي يلعبه ماهر الأسد، شقيق الرئيس السوري، وأبناء عمومته وقادة المليشيات ورجال الأعمال في الإشراف على إنتاج هذا النوع من المخدرات وتهريبه.
ولا يمكن غضّ البصر عن عوامل أخرى تساهم في انتعاش هذه التجارة مثل ضعف مرتَّبات الجنود في الجيش السوري، فقد كشف تقرير نشرته البي بي سي في يونيو/ حزيران الماضي تحت عنوان "سورية: تمَّ العثور على رابط جديد لتجارة مخدرات الكبتاغون مع كبار المسؤولين" أنّ العديد من الجنود في الجيش السوري أصبحوا تُجّار مخدرات لدعم راتبهم الشهري الضعيف الذي لا يتعدّى 60 دولاراً.
تساهم تجارة المخدرات في إثراء الدائرة المُقرَّبة من الأسد والمليشيات وتُجّار الحرب على حساب الشعب السوري الذي لا يزال عالقاً بين مطرقة قمع نظام الأسد وسندان الفقر المدقع وانعدام مقوِّمات الحياة اليومية.
لذلك، من المستبعد أن يتخلّى نظام الأسد عن مداخيل الكبتاغون الحيوية، ومن المرجح أن يقدِّم بعض الحلول التجميلية التي تتستَّر على مدى فداحة المشكلة، كإطلاق الوعود والتعهُّد بفرض قيود أكثر صرامة على المنتجين والتجّار، وتعليق الاتِّهامات على شمّاعة المعارضة والجهات الفاعلة غير الحكومية لإبعاد اللّوم عنه وعن حلفائه في "حزب الله" الذين كان لهم ألف يد في انهيار النظام المصرفي في لبنان والذي استُغلَّ سواء من قبل رجال نظام الأسد، أو وكلاء إيران، للالتفاف على العقوبات الأميركية والأوروبية والبريطانية.
خلاصة القول، بغضّ النظر عن مدى دقّة الأرقام التي كشفت عنها الجهات الغربية في ما يتعلَّق بثروة الأسد ومصادرها، تَثبُت كل مرّة صحّة السيناريوهات والتخمينات التي أفادت بعدم تزحزح الأسد من مكانه وطول أمد الحرب التي راح ضحيتها أولئك الذين زهقت أرواحهم تحت القصف وفي قوارب الموت، واللّاجئون، و90% من السوريين الذين يعيشون تحت خطّ الفقر وينتظرون بفارغ الصبر أية مساعدات دولية تنفِّس عنهم كربهم.