العراق: 152 ألف شكوى من المحتوى الرقمي
أعلنت وزارة الداخلية العراقية، اليوم السبت، أنها تلقت 152 ألف بلاغ هي شكاوى حول المحتوى المُقدم في مواقع التواصل الاجتماعي داخل البلاد، وذلك عبر منصة "بلّغ"، المعنية بالتعامل مع شكاوى وبلاغات العراقيين حيال المحتوى الرقمي.
كانت وزارة الداخلية العراقية قد أطلقت، مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي، منصة عبر موقعها الإلكتروني باسم "بلّغ"، معنية بالإبلاغ عن المحتوى الإعلامي المنشور في مواقع التواصل الاجتماعي.
ونقلت صحيفة الصباح الرسمية السبت، عن مدير العلاقات والإعلام في وزارة الداخلية، العقيد عمر خليل إسماعيل، قوله إنَّ "الوزارة تلقت 152 ألف بلاغ بخصوص المحتوى الموجود على مواقع التواصل، واتخذت إجراءات قانونية إزاء تلك الشكاوى"، من دون الكشف عن طبيعة تلك الإجراءات، لكنه أشار إلى أن "تلك المنشورات كانت تتضمن إساءة للذوق العام، وتحمل رسائل سلبية تخدش الحياء وتزعزع الاستقرار المجتمعي".
فيما أفاد ضابط في وزارة الداخلية العراقية بأن الإجراءات تتضمن رفض الشكوى في حال عدم مخالفة المحتوى القانون، أو استدعاء صاحب المحتوى. وقال إن "حالات الاعتقال والإحالة للقضاء كانت قليلة جداً".
وبيّن الضابط نفسه الذي فضل عدم الكشف عن نفسه، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، أن "البلاغات كانت حول منشورات وحسابات خاصة تروج الممنوعات، والسلاح، والأدوية غير المرخصة، والابتزاز والقرصنة، إلى جانب ترويج الدعارة، وهناك نسبة غير قليلة من التعليقات السلبية التي فيها طعن بالأعراض أو شتم أشخاص، وأخرى تتعلق بمحتوى مصور هابط ولا يليق بالتقاليد والعادات العراقية".
واعتقلت السلطات الأمنية العراقية، خلال الأشهر الماضية، أكثر من 20 صانع محتوى على مواقع التواصل، بتهمة نشر "المحتوى الهابط"، وأدين قسم منهم وحكم عليهم بالسجن فترات تتراوح بين 6 أشهر وعامين، وسط انتقادات لعدم ملاحقة السلطات المروجين للكراهية الدينية والعنصرية خاصة من المحسوبين على جهات سياسية ودينية نافذة، والاكتفاء بملاحقة ما تعتبره خادشاً للحياء أو مخالفاً للعادات والتقاليد.
وتستند السلطات العراقية في حملات الاعتقال تلك إلى المادة 403 من قانون العقوبات التي تتعلق بقضايا النشر، وتنص على الحبس لمدة لا تزيد عن عامين وبالغرامة.
وتفتقر البلاد إلى قانون خاص بقضايا النشر الإلكتروني، إذ لا يزال مشروع قانون الجرائم الإلكترونية والمعلومات مُعطلاً منذ عام 2018، بسبب رفض واسع له من قبل ناشطين وحقوقيين وقوى ليبرالية مختلفة، لاحتوائه على فقرات اعتبرت تقييداً للحريات وتمنح حصانة للأحزاب السياسية والسلطات وتمنع انتقادهم، فضلاً عن احتوائه على فقرات وصفت بالفضفاضة، وبالإمكان استغلالها من قبل السلطات واعتقال المدونين والصحافيين. وتضمن مشروع القانون المقترح أكثر من 20 مادة أدرجت تحتها فقرات عدّة، نصت جميعها على عقوبات متفاوتة تصل إلى الحبس ثلاثين عاماً، وغرامات مالية تصل إلى مائة مليون دينار عراقي، وركّزت تلك الفقرات على المعلومات الإلكترونية، وجعلتها في دائرة الخطر والمساس بأمن الدولة.
في المقابل، يحذر ناشطون وحقوقيون عراقيون من أن يكون للإجراءات الحكومية وجهاً آخر يستهدف حرية الانتقاد والكشف عن ملفات الفساد والانتهاكات الإنسانية في البلاد. وقال الناشط أحمد عباس، لـ"العربي الجديد"، إن الكثير من البلاغات قُدمت بحق مدونين بسبب كتابات لهم تنتقد الحكومة أو أحد أحزاب السلطة، وكانت الإجراءات ضدهم الاستدعاء والطلب منهم حذف المنشور، ومن يرفض يتهم بـ"زعزعة الأمن والاستقرار". وأكد عباس أن "الكثير من المدونين والصحافيين صاروا يفضلون الكتابة بأسماء مستعارة، أو العيش في إقليم كردستان للكتابة بحرية، وهذا مؤشر كبير على تراجع الحريات في العراق، عدا عن الخطر الموجود حيال انتقاد المليشيات الذي قد يصل للقتل أو الخطف".
في وقت سابق، قالت القيادية في التيار المدني العراقي، شروق العبايجي، إن هناك "قوى سياسية تريد قانون جرائم المعلوماتية من أجل شرعنة القمع وإسكات الأصوات الحرة". وفي حديثها لـ"العربي الجديد"، أكدت أن "قضية حرية التعبير، وبعض المسائل الأخرى التي تحمل إشكاليات، كانت عبارة عن معارك مفصلية في عدة دورات برلمانية سابقة". ورأت أن حرية التعبير تمثل "المكسب الوحيد الذي تحقق للعراق بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، وهناك اليوم من يريد تقييد هذه الحرية، من خلال قمع التظاهرات والخطف والتهديد والضغوط على الإعلاميين والصحافيين وكل من يمارس النشر".
وأوضحت العبايجي أن "القانون يقيد حريات الصحافيين والناشطين، بسبب وجود عقوبات غير منطقية فيه، وبعض هذه العقوبات مطاطية، تسمح بإدانة من يقوم بعمل صحافي استقصائي، أو يبدي رأياً في أي قضية"، مذكرة أن العقوبات تصل إلى السجن، وفرض غرامات مالية كبيرة.