تهديدات تمنع عودة النازحين إلى سنجار
تواجه آلاف الأسر في مدينة سنجار غربيّ محافظة نينوى مشاكل عدة تعوق عودتها إلى منازلها وقراها، التي تركتها بعد عام 2014 إثر سيطرة تنظيم "داعش" على المنطقة، إذ تواصل مليشيات محلية مسلحة مرتبطة بحزب العمال الكردستاني، منعهم من العودة عبر تهديد بتصفيتهم، أو توجيه تُهم الانتماء والتعاون مع "داعش"، خلال السنوات الماضية.
ويسكن سنجار، القريبة من الحدود العراقية السورية ومن الحدود التركية أيضاً، خليط من العراقيين الأيزيديين والعرب والأكراد، موزعين على ثلاثة نواحٍ إدارية، مركز قضاء سنجار، وناحية سنوني، والقيروان.
وبعد دخول تنظيم "داعش" المنطقة منتصف عام 2014 ارتكب جرائم مروعة استهدفت المكون الأيزيدي، تنوعت بين قتل وتشريد وسبي للنساء ومصادرة للأموال، ما دفع مَن بقي من الأيزيديين إلى مغادرة سنجار، وتبعهم الأكراد والعرب، الذين وجهت لهم تهم التعاون مع مسلحي "داعش"، وهي تهمة تنفيها العشائر العربية وترفضها بشكل مطلق.
ورغم مرور أكثر من 6 سنوات على استعادة السيطرة على سنجار، إلا أن غالبية النازحين يرفضون العودة، بسبب مخاوفهم الأمنية جراء سيطرة المليشيات على سنجار، واستهدافها للأسر العربية التي ترغب في العودة، تحت مزاعم تعاون المكون العربي ككل مع تنظيم "داعش".
اتهم علي المتيوتي الفصائل المسلحة في سنجار بإفشال خطط الحكومة في إعادة النازحين ولا سيما العرب إلى القضاء
كذلك يبرز عامل تأخر إعمار القضاء وغياب الخدمات وانعدام فرص العمل للشباب، وفقاً لنواب ومسؤولين عراقيين في محافظة نينوى تحدثوا لـ"العربي الجديد"، عن الموضوع.
وخلال السنوات الماضية، شهدت مدينة سنجار عودة محدودة للنازحين الأيزيديين. كذلك شهدت عودة ضعيفة للنازحين العرب إلى ناحية القيروان، لكن المشكلة الأكبر تبقى في مركز قضاء سنجار، حيث أغلب سكانه لا يزالون نازحين.
المليشيات تمنع العرب من العودة إلى مناطقهم
ويؤكد مسؤول في دائرة عمليات وزارة الهجرة العراقية في بغداد أنه "بالنسبة إلى السكان العرب، فإنهم يريدون العودة (إلى مناطق سكنهم) لكون أوضاعهم في المخيمات سيئة جداً، إلا أن المليشيات المسلحة تمنع ذلك".
ويقول المسؤول، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه لـ"العربي الجديد"، إن "الفصائل المسلحة هددت بشكل علني باستهداف العائلات العربية إن عادت إلى سنجار، ما يجعل ملف النازحين يأخذ طابعاً سياسياً يصعب تجاوزه في المرحلة الحالية".
ويلفت إلى أن "مشكلة النازحين في سنجار مرهونة بأربعة عوامل: الأول إخراج حزب العمال الكردستاني والفصائل الموالية له والفصائل المسلحة الأخرى، والثاني عبر إطلاق مصالحة مجتمعية حقيقية، وليست شكلية، بين الفعاليات المجتمعية في سنجار، والثالث إعادة تأهيل الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وطرق وغيرها، وأخيراً إقامة مشاريع من شأنها تشغيل السكان المحليين، حيث إن الحياة الاقتصادية شبه متوقفة في المدينة بسبب الحروب، وغالبية الشباب اليوم يعتمدون مالياً على ما يتقاضونه من راتب شهري مقابل انخراطهم في إحدى الفصائل المسلحة".
وفي نهاية إبريل/نيسان الماضي، كانت 25 عائلة عربية نازحة قد حصلت على طمأنات من الجانب الحكومي للعودة إلى منازلها في سنجار، لكنها تفاجأت فور وصولها باعتراضها من قبل مجموعة تابعة لحزب العمال الكردستاني رفضت السماح لها بالقيام بهذا الأمر، بذريعة أنهم ينتمون إلى تنظيم "داعش". وبسبب عجز القوات العراقية الموجودة في المنطقة عن توفير الحماية للنازحين، اضطروا إلى مغادرة المدينة بعد ساعتين فقط من وصولهم إليها.
من جهته، يقول أحمد عبد العزيز الذي مُنع مع أسرته من العودة إلى منزلهم في سنجار من قبل مليشيا مسلحة تعرف باسم "وحدات حماية سنجار"، وهي الذراع المحلية لحزب العمال الكردستاني، لـ"العربي الجديد"، إنه قرر العودة الى سنجار بعد بيان الحكومة حيال انتشار الجيش والقوات الأمنية في سنجار، وفرض القانون.
تحويل المنازل إلى مقارّ لفصائل مسلحة
لكن وفقاً لعبد العزيز، فإنه وجد منزله ومنازل أخرى عبارة عن مقارّ لفصائل مسلحة ومكاتب سياسية أخرى. ويضيف: "يمكن للجميع العودة باستثناء العرب في سنجار، وهذا قرار اتفقت عليه المليشيات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني. عودة العرب أصبحت مرهونة بإخراج الفصائل المسلحة الأيزيدية التابعة لحزب العمال الكردستاني، التي تحاول استهداف المكون العربي، بشكل واضح وصريح، وهم لا يخجلون من ذكر ذلك".
الفصائل المسلحة تُفشل خطط إعادة النازحين إلى سنجار
من جهته، يتهم النائب في البرلمان العراقي عن محافظة نينوى، علي المتيوتي، الفصائل المسلحة في سنجار بإفشال خطط الحكومة في إعادة النازحين ولا سيما العرب إلى القضاء.
ويقول المتيوتي، وهو نائب عربي ينحدر من سنجار، إن "مئات العائلات العربية قدمت طلبات رسمية للسلطات الحكومية لغرض العودة إلى مناطقها في مركز قضاء سنجار، وبعد الحصول على الموافقات الرسمية وبعد تدقيقهم أمنياً، ترفض الفصائل المسلحة التي تسيطر على سنجار عودة هؤلاء النازحين".
ويلفت المتيوتي، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الحكومة العراقية مطالبة باتخاذ موقف جريء وحازم لإنهاء وجود الفصائل المسلحة وإعادة النازحين من العرب والأيزيديين وغلق ملف النزوح بشكل كامل"، مبيناً أن بقاء الأوضاع على ما هي عليه اليوم سيبقي المشاكل في القضاء دون حلول ومعالجات.
ويؤكد الباحث والناشط السياسي في محافظة نينوى، أنس السالم، لـ"العربي الجديد"، أن بقاء أهالي سنجار في النزوح لسنوات طويلة يرجع إلى سيطرة المجاميع المسلحة على القضاء، حيث إنها السبب الرئيس الذي يحول دون عودتهم.
ويلفت إلى أنه "في الحسابات الحكومية لا يوجد قرار أو توجيه يمنع إعادة النازحين إلى قضاء سنجار، إلا أن القوى النافذة داخل المدينة تقف عائقاً أمام الحكومة والنازحين، خصوصاً أن تلك المجاميع عملت باستمرار على زعزعة الأمن والاستقرار في القضاء".
أنس السالم: النازحون لن يعودوا إلى سنجار ما لم تفرض الدولة سيطرتها على القضاء
ويوضح أن "الأحداث الأخيرة التي شهدتها مدينة سنجار من خلال إحراق جامع الرحمن، واستهداف الأهالي من العرب بعبارات طائفية وتهم لا تمت إلى الواقع بصلة، دليل واضح على أن هناك جهات مسلحة تسعى لمنع النازحين من العودة".
ويشدد السالم على أن هناك حقيقة على الحكومة العراقية أن تعلمها وتفهمها جيداً، وهي أن النازحين لن يعودوا إلى سنجار ما لم تفرض الدولة سيطرتها على القضاء وتُخرج المجاميع المسلحة، التي لا تأتمر بأمر القائد العام للقوات المسلحة، والتي باتت تسيطر على المدينة وعلى مفاصلها بشكل كامل.
الحكومة تتحمل مسؤولية عودة النازحين إلى مدنهم
ويحمّل المركز العراقي لتوثيق جرائم الحرب السلطات العراقية والمجتمع الدولي المسؤولية عن تأخر إعادة النازحين إلى مناطقهم في العراق.
ويقول المستشار القانوني للمركز أسلم الشمري، لـ"العربي الجديد"، إن "الحكومة تتحمل أولاً مسؤولية إعادة النازحين إلى مدنهم، وهذا يتطلب الكثير من العمل وفق القانون المحلي والدولي وفرض سلطة القانون على الجميع، بعيداً عن تدخل المليشيات وتدخل الأحزاب السياسية في هذا الشأن".
ويلفت إلى أنّ "من الواضح أن سطوة ونفوذ المليشيات في سنجار وقرارهم باستمرار إبعاد العرب خطير للغاية"، مستبعداً قدرة السلطات في بغداد على تأمين عودة آلاف الأسر العربية إلى مدنهم في سنجار في الوقت الحالي بسبب نفوذ تلك الفصائل بالمنطقة".
أما المنظمة المتحدة لحقوق الإنسان والعاملة في محافظة نينوى، فتدعو السلطات العراقية إلى معالجة مشكلة سنجار سياسياً قبل الشروع بإعادة النازحين.
ويقول مدير المنظمة سامي الفيصل، لـ"العربي الجديد"، إن "ملف سنجار أصبح عقيماً، وأخذ تداعيات سياسية، ولم تستطع حله الحكومات المتعاقبة، وذلك نظراً للمشهد المعقد في القضاء والتداخلات الدولية فيه، فضلاً عن أن وجود حزب العمال الكردستاني في سنجار جاء باتفاق مع السلطات العراقية".
ويلفت الفيصل إلى أن "عودة النازحين العرب والأيزيديين إلى سنجار تصطدم بسيطرة فصائل مسلحة خارجة عن القانون على مركز سنجار"، مبيناً أن "مركز سنجار تسكنه غالبية عربية استُحوِذ على ممتلكاتها ومُنعَت من العودة إليها لغاية اليوم".