دي ميستورا في الصحراء: شكوك بكسر الجمود القائم
في ظل الانسداد الحاصل في قضية الصحراء، برز في الأيام الأخيرة حراك أممي وأميركي على صعيد هذه الأزمة، تمثل بزيارة للمبعوث الأممي إلى الصحراء ستيفان دي ميستورا، بدأها الإثنين الماضي في المنطقة، وشملت زيارة مدينة العيون كبرى حواضر الصحراء، وذلك بالتوازي مع زيارة لنائب مساعد وزير الخارجية الأميركي جوشوا هاريس، إلى العاصمة المغربية الرباط، بعد محطتين له في مخيمات تندوف (جنوب الجزائر) والعاصمة الجزائرية.
وتتفاوت التقديرات حول قدرة دي ميستورا على تحريك الجمود الذي سيطر على مسار تسوية ملف الصحراء منذ فترة، وإقناع أطراف النزاع باستئناف ما بدأه سلفه هورست كوهلر من مساعٍ دبلوماسية أثمرت عن جمع المغرب والجزائر وموريتانيا وجبهة "البوليساريو" على طاولة المفاوضات في سويسرا، في ديسمبر/كانون الأول 2018، وفي مارس/آذار 2019.
فالعلاقات المغربية الجزائرية تبدو في أسوأ مراحلها، إضافة إلى بروز تطورات تشي بأن الواقع تجاوز الأمم المتحدة ومؤسساتها وجعلها متأخرة عن مواكبة الوقائع الجديدة.
يأمل المبعوث الأممي من الزيارة أن تدفع قدماً بطريقة بنّاءة العملية السياسية حول الصحراء
وبدأ دي ميستورا، الإثنين الماضي، جولة جديدة في المنطقة من مدينة العيون لإجراء مشاورات "مع كل الأطراف المعنية"، كما أعلنت الأمم المتحدة، في أول زيارة له إلى الصحراء منذ تعيينه في منصبه في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
وقالت المنظمة في بيان إنّ دي ميستورا "ينتظر بفارغ الصبر إجراء زيارات في المنطقة وعقد لقاءات مع كلّ الأطراف المعنية قبل نشر تقرير الأمين العام إلى مجلس الأمن الدولي في أكتوبر/تشرين الأول" المقبل، وأضافت أنّ المبعوث الأممي يأمل من هذه الزيارة أن "تدفع قدماً بطريقة بنّاءة العملية السياسية حول الصحراء".
ومنذ تعيينه، أجرى دي ميستورا أول جولة له في المنطقة في يناير/كانون الثاني 2022 حين زار الرباط وموريتانيا والجزائر وتندوف. وفي مطلع يوليو/تموز 2022، توجّه دي ميستورا إلى الرباط للقاء مسؤولين مغاربة لكنّه تخلى عن زيارة الصحراء.
ولم يفلح المبعوث الأممي في دفع أطراف النزاع للجلوس إلى طاولة المفاوضات من خلال آلية "الطاولات المستديرة"، وبدت مهمته خلال الأشهر الماضية صعبة، خصوصاً في ظل إعلان الجزائر رفضها تلك الآلية، ومطالبتها بمفاوضات مباشرة ومن دون شروط، بين المغرب و"البوليساريو" فقط، فيما تعتبر الرباط جارتها الشرقية معنية بالنزاع مباشرةً.
كذلك ألقى واقع التوتر السائد في علاقات الرباط والجزائر والخلافات العميقة بينهما، منذ إعلان الجزائر في 24 أغسطس/آب 2021 قطع علاقتها مع جارتها الغربية من جانب واحد، بظلاله على مساعي المبعوث الأممي لتحقيق أي اختراق في جدار ملف الصحراء.
وزاد من صعوبة مهمته كذلك التوتر والخلافات العميقة بين المغرب وجبهة "البوليساريو"، منذ اندلاع أزمة معبر الكركرات (مع موريتانيا)، التي انتهت في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، بإعلان الجبهة عدم التزامها قرار وقف إطلاق النار الموقّع عام 1991، بعد تأمين الجيش المغربي المعبر الحدودي، وطرد عناصر محسوبة على الجبهة منه، بعد أسابيع من تمكّنها من إغلاقه في وجه تدفق الأشخاص والبضائع بين المغرب وموريتانيا.
انعكاسات التوترات المغربية الجزائرية
وعن التوقعات من زيارة دي ميستورا، رأى أستاذ العلاقات الدولية المغربي سعيد الصديقي، أن الزيارة لن يكون لها أي تأثير أو انعكاس على قضية الصحراء ما دامت العلاقات المغربية الجزائرية متأزمة وتغيب عنها الثقة، معتبراً أن نزاع الصحراء هو "مجرد مظهر من مظاهر سوء الثقة بين البلدين".
وقال الصديقي، في تصريح لـ"العربي الجديد": "ليس هناك أمل في حل القضية في ظل ما تعيشه العلاقات بين البلدين تأزم"، لافتاً إلى أن زيارة دي ميستورا هي "زيارة روتينية لاستطلاع الوضع العام في المنطقة لأن من المهام الأساسية له كمبعوث أممي الالتقاء بمختلف الأفرقاء".
الصديقي: ليس هناك أمل في حل القضية في ظل ما تعيشه العلاقات بين الجزائر والمغرب من تأزم
بدوره، أوضح الخبير المغربي في القانون الدولي وقضية الصحراء صبري الحو، لـ"العربي الجديد"، أن جولة دي ميستورا هي من أجل استقراء مواقف الأطراف قبل حلول الموعد الدوري لدراسة الحالة في الصحراء من قِبل مجلس الأمن، إذ يكون الأمين العام ملزماً بتقديم إحاطات وتقرير لكل الوقائع والأحداث والتطورات والمبادرات الصادرة من الأطراف وغيرهم، ذات علاقة بالوضع والحالة.
وبخصوص إمكانية نجاح المبعوث الأممي في دفع الأطراف لاستئناف مناقشات "الطاولة المستديرة"، قال الحو إن "الأمر يتعقد ويصعب مع مرور الوقت، بالنظر إلى كون الجزائر ترفض الحضور باعتبارها طرفاً أصلياً، وتتهرب بذلك من مسؤوليتها في نزاع تم وصفه واعتبره مجلس الأمن أنه نزاع إقليمي وينذر بحرب شاملة".
واعتبر الحو أن استفادة المغرب من اعتراف الولايات المتحدة بسيادته على إقليم الصحراء ودعم إسبانيا لمبادرته الخاصة بالحكم الذاتي وانخراط المجتمع الدولي عملياً في تنفيذ اعترافه بفتح قنصليات في الداخلة والعيون، كل ذلك يفيد بأن المغرب يصنع عملياً، وبمشاركة ومساهمة دولية، الحل.
ولفت إلى أن الواقع يتجاوز كثيراً الأمم المتحدة ومجلس الأمن والأمين العام ومبعوثه الشخصي ويجعل كل هذه المؤسسات بطيئة ومتأخرة عن مواكبة التطورات الجديدة والتأسيس عليها وعدم تجاهلها.
وتابع أن "الديناميكية والزخم الدبلوماسي الدولي العملي والتطبيقي وجهود المغرب التنموية الجدية واندماج السكان تتجه بسرعة لحسم النزاع لصالح المغرب.
وقد تجد الأمم المتحدة نفسها خارج السياق وخارج الزمن، وهي مدعوة لتطوير أدوات عملها والاعتراف بواقع الأمور عوضاً عن تجاهلها، وتطبيق قواعد القانون الدولي الخاصة بإنهاء وضع اللجوء".
توقيت زيارة دي ميستورا
في الجزائر التي تشملها جولة المبعوث الأممي، تتفاوت التقديرات لها، خصوصاً أنها تزامنت مع زيارة مماثلة لنائب مساعد وزير الخارجية الأميركي جوشوا هاريس إلى مخيمات اللاجئين في تندوف جنوبي الجزائر وإلى كل من الجزائر والمغرب.
المحلل السياسي الجزائري رضا شنوف، الذي يتابع منذ سنوات تفاصيل وتطورات الملف الصحراوي، أشار في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الزيارة تأتي بعد سنتين من تعيين دي ميستورا في هذا المنصب وفي ظرف عادت فيه المنطقة إلى أجواء الحرب بين المغرب وجبهة البوليساريو، وفي ظل جمود في العملية السياسية".
وقال إن الزيارة ستمكّن دي ميستورا من الاطلاع على الواقع في الصحراء ولقاء الفاعلين الحقوقيين الصحراويين، "لكن علينا أن ننتظر نتيجة هذه الزيارة ومخرجاتها في تقريره الذي سيصدره في أكتوبر المقبل، والذي سيرفعه لمجلس الأمن".
زيارة دي ميستورا سبقتها جولة المسؤول الأميركي جوشوا هاريس إلى مخيمات اللاجئين الصحراويين
ورأى شنوف أن أي تطورات إيجابية تتوقف على "مدى تفاعل الأطراف المعنية بالنزاع مع جهود الأمم المتحدة لتحريك العملية السياسية، والذي لن يتأتى إلا بفرض الأمم المتحدة نفسها وإجبار الطرف المعرقل لهذا المسار على القبول بالتسوية وفق التفاهمات والاتفاقيات المبرمة بين المغرب وجبهة البوليساريو، بعنوان تنظيم استفتاء تقرير المصير، وإلا فإن هذه الزيارة لا معنى لها وستكون بدون عنوان ولا تخرج عن نطاق الزيارات البروتوكولية".
وأشار إلى أن هناك خطوة تبدو في غاية الأهمية هذه المرة، "فزيارة دي ميستورا سبقتها زيارة المسؤول الأميركي جوشوا هاريس إلى مخيمات اللاجئين الصحراويين، وهذا تطور مهم، ويكشف عن جدية أميركية في التعامل مع الملف تخالف المقاربة التي وضعها الرئيس السابق دونالد ترامب في نهاية حكمه".
من جهتها، تنظر جبهة "البوليساريو"، التي استقبلت قياداتها دي ميستورا وقبله الموفد الأميركي، إلى الزيارة بأنها مهمة من حيث التوقيت والسياق.
وقال المستشار في البعثة الدبلوماسية الصحراوية لدى الاتحاد الأفريقي، ودادي السالك، لـ"العربي الجديد"، إن الخطوة لا تشكل الاستثناء ضمن السياق الأممي العام، إلا أنها تأتي كبادرة انطلاقة فعلية لجهود دي ميستورا الذي تولى المنصب سنة 2021، وبعد رفض المغرب زيارة مماثلة (للصحراء) بعد وضع شروط أمام مساعي المبعوث الأممي، في ظل تساهل الأمم المتحدة مع العراقيل التي يضعها المغرب في كل مرة، على حد قوله.
واعتبر السالك أنه بزيارة دي ميستورا "تكون الأمم المتحدة قد حققت نجاحاً نسبياً في تجاوز العرقلة المغربية وإجبار المغرب على خيار التخلي عن الشروط المسبقة التي كادت تضع مهمة دي ميستورا محل شك أمام طرفي النزاع والمجتمع الدولي بشكل عام، بعد عرقلة زيارة له كانت مبرمجة للإقليم في يوليو/تموز 2022، بعد فشل المملكة المغربية في محاولتها فرض شروطها من خلال تحديد الأماكن التي يجب أن يزورها والأشخاص الذين يمكن اللقاء بهم" في الصحراء.
وقال إن "هناك تفاؤلاً حذراً، بسبب ضعف تعاطي الأمم المتحدة مع الملف على الرغم من تحوّل المنطقة إلى بؤرة نزاع مسلح بين الطرفين، وتزايد مستوى انتهاكات حقوق الإنسان في الأجزاء التي يحتلها المغرب من الإقليم، وبدون شك مستوى تعاطي الأمم المتحدة مع الملف سينعكس بشكل جلي في التقرير الذي سيقدمه دي ميستورا في أكتوبر المقبل إلى الأمين العام الأممي وإلى مجلس الأمن الدولي".
وأضاف: "لكن الأمل الوحيد الذي يحذونا من هذه الزيارة هو أن يعاين دي ميستورا مباشرة، الوضع الحقيقي لحقوق الإنسان في الإقليم".