الإجهاد المائي: 5 دول عربية تسير نحو الكابوس
ستؤدي تأثيرات تغير المناخ وتزايد عدد السكان إلى إجهاد إمدادات المياه العذبة في العالم على مدار السنوات الـ30 المقبلة، ما يعرض المياه المتاحة للاستخدامات المنزلية والشرب وزراعة الغذاء، للخطر، وفقاً لتقرير جديد صدر يوم 16 أغسطس/ آب عن معهد الموارد العالمية (WRI). ويهدد الإجهاد المائي المتزايد النمو الاقتصادي للبلدان المتأثرة، وكذلك الأمن الغذائي العالمي.
يظهر التقرير أنه بحلول عام 2050 سيعيش مليار شخص إضافي في مناطق قاحلة ومناطق تعاني من إجهاد مائي مرتفع، حيث يتم استهلاك ما لا يقل عن 40 في المائة من إمدادات المياه المتجددة كل عام. ويعيش حالياً 3.3 مليارات شخص في مثل هذه المناطق.
العرب أكثر المتضررين
أشارت بيانات التقرير إلى أن أكثر المناطق التي تعاني من الإجهاد المائي هي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث يتعرض 83 في المائة من السكان إلى هذه الأزمة، تليها منطقة جنوب آسيا، حيث يتعرض 74 في المائة من السكان إلى الإجهاد المائي.
كانت الدول الخمس الأكثر تعرضاً لهذا الخطر المائي هي: البحرين، والكويت، ولبنان، وسلطنة عمان، وقطر. ويعزى الإجهاد المائي في هذه البلدان في الغالب إلى انخفاض العرض، المقترن بالطلب من الاستخدام المنزلي والزراعي والصناعي. كما وقعت مصر، والأردن، وليبيا، والإمارات، وكامل الأراضي الفلسطينية المحتلة، واليمن، والجزائر، والمغرب، والسعودية، وتونس، والعراق ضمن الدول الـ25 الأكثر تعرضاً للإجهاد المائي على مستوى العالم.
تستخدم بلدان المنطقة أكثر من 80 في المائة من إمداداتها المائية المتجددة لأغراض الري وتربية الماشية والصناعة والاحتياجات المنزلية. ويحذر التقرير من أن المنطقة ستكون عرضة لمخاطر نفاد المياه إذا تعرضت للجفاف، حتى فترات الجفاف قصير الأمد.
يتوقع معدو التقرير أنه بحلول عام 2050، سيعيش مليار شخص إضافي في ظل إجهاد مائي مرتفع للغاية، حتى لو وضع العالم حدوداً لارتفاع درجات الحرارة العالمية بما لا يتجاوز 1.3 درجة مئوية إلى 2.4 درجة مئوية بحلول عام 2100، وهو السيناريو الأكثر تفاؤلاً. وبالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يعني هذا أن 100 ي المائة من السكان سيعيشون في ظل إجهاد مائي مرتفع للغاية بحلول عام 2050.
تقول لباحثة في معهد جامعة الأمم المتحدة للمياه والبيئة والصحة (كندا) غريس أولواسانيا إن هناك تفاوتا في الوصول إلى الاحتياجات الإنسانية الأساسية من مياه الشرب، والصرف الصحي، للسكان. ويفتقر حوالي 500 مليون شخص في أفريقيا وحدها إلى الوصول إلى الاحتياجات الإنسانية الأساسية.
وأشارت أولواسانيا في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن الظروف الجغرافية الطبيعية تحدد إلى حد ما، مقدار الجهد المطلوب لبلد ما، لتحقيق مستويات أعلى من الأمن المائي. وأوضحت الباحثة أن مفهوم الأمن المائي يعني قدرة السكان على ضمان الوصول المستدام إلى كميات كافية من المياه ذات الجودة المقبولة للحفاظ على سبل العيش والرفاهية والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، ولضمان الحماية من التلوث الذي تنقله المياه والكوارث المرتبطة بالمياه، وللحفاظ على النظم البيئية في مناخ من السلام والاستقرار السياسي.
كيف يحدث الإجهاد المائي؟
استخدم المعهد نموذجاً هيدرولوجياً عالمياً لتقدير كيفية تغير مصادر المياه المتجددة، مثل الأنهار والبحيرات، التي تتجدد من خلال هطول الأمطار، في ظل سيناريوهات تغير المناخ المستقبلية. ووفقا لتحليلهم، قال المؤلفون إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لديها أعلى مستوى من الإجهاد المائي في العالم. ويعمل تغير المناخ على تغيير أنماط هطول الأمطار التقليدية، مما يجعل المنطقة أكثر جفافاً ويقلل من إمدادات المياه الشحيحة بالفعل، في وقت يزيد فيه الطلب على المياه لأغراض الزراعة، والشرب، والصناعة.
عندما يتجاوز الطلب على المياه الكمية المتاحة خلال فترة معينة أو عندما تؤدي نوعية المياه الرديئة إلى تقييد استخدامها، يحدث الإجهاد المائي، الذي يؤدي بدوره إلى تدهور موارد المياه العذبة من حيث الكمية، من خلال الاستغلال المفرط لطبقة المياه الجوفية، والأنهار الجافة؛ وتدهور الجودة، من خلال تلوث المياه أو تسرب المياه المالحة إلى الخزان الجوفي. ومن دون إدارة أفضل للمياه، فإن النمو السكاني والتنمية الاقتصادية وتغير المناخ من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الإجهاد المائي، يحذر التقرير.
أحد أبرز الأسباب التي تؤدي إلى تدهور الأمن المائي في المنطقة العربية هو تغير المناخ، بحسب النائبة السابقة لمدير معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية فلورنس جاوب. وتلفت جاوب إلى أن المناخ يأتي في الصدارة كأحد العوامل الطبيعية المهددة للأمن المائي في معظم دول الإقليم خاصة أن جزءاً كبيرًا من أمطاره تصنف على أنها رعدية تتركز في عدد محدود من أيام السنة.
"إن تغير المناخ هو في المقام الأول مشكلة مياه، لأن انخفاض كمية الأمطار سيؤدي بالضرورة إلى تراجع الإنتاج الزراعي، كما سينخفض أيضاً إنتاج الطاقة الكهرومائية، وتوفير مياه أقل للصناعات. وبطبيعة الحال، فإن ارتفاع منسوب مياه البحر يمثل مشكلة حقيقية للمدن الواقعة على الساحل، مثل الإسكندرية وأيضا طرابلس في ليبيا. ويمكن أن يندلع الصراع لأن الدول أو المجتمعات تتقاتل على المياه"، تقول جاوب لـ"العربي الجديد".
تشكل الصحاري ما يزيد عن 80 في المائة من مساحة الوطن العربي، وتتصف هذه المناطق بانخفاض إجمالي كميات التساقط السنوي من الأمطار، التي لا تتعدى في المتوسط العام 200 ملم، ما يضعها ضمن أكثر أقاليم العالم جفافاً. ويتوقع التقرير أن تتأثر نصف المناطق الزراعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بسبب تأثير تغير المناخ على المياه. كما يتوقع أن يفقد الإقليم قرابة 6 في المائة من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2050، إذ يتوقع أن تواصل درجات الحرارة الارتفاع بمقدار 4 إلى 5 درجات.
في تصريح لـ"العربي الجديد" أشارت جاوب إلى أن بلدان المنطقة لن تتعرض لضربات مناخية متساوية، نظراً للاختلافات بين هذه البلدان في الجغرافيا الطبيعية، بالإضافة إلى حقيقة أن بلدان المنطقة ليست متساوية من حيث الدخل القومي والموارد الاقتصادية. وفي حين ترى الباحثة أن الإمارات لن تعاني من تأثيرات تغير المناخ على المياه - بالنظر إلى قدراتها على إيجاد حلول مكلفة لا تقدر عليها معظم البلدان العربية - تقول إن اليمن وسورية يتجهان مباشرة إلى كابوس.
مواجهة الإجهاد المائي
لا توجد إجابة قاطعة أو حل حاسم لمشكلة شح المياه في المنطقة العربية أو أي مكان آخر من العالم بحسب الخبراء الذين تحدثت إليهم "العربي الجديد"، وتراوحت الاقتراحات بين التحول الطاقي، وتحسين إدارة المياه، ورفع وعي السكان في المنطقة حول خطورة المشكلة.
يتوقع المدير التنفيذي للمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة جواد الخراز في تصريح لـ"العربي الجديد" أن تزيد وتيرة موجات الحرارة على المنطقة العربية في المستقبل القريب بسبب ظاهرة "إل نينيو" وتأثيرات الاحتباس الحراري. ويرى "الخراز" أن هذه المشكلة تحتاج من الحكومات إلى تسريع الانتقال الطاقي نحو الطاقة النظيفة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
ويشدد خبير الطاقة على ضرورة مراعاة تحقيق مفهوم الترابط الحضري الذي يعني التنسيق بين قطاعات المياه والطاقة والغذاء لتحقيق الأمن الطاقي والمائي والغذائي في نفس الوقت، ومراعاة ألا يكون استخدام أحد هذه الموارد على حساب مورد آخر.
أما جاوب فتشدد على ضرورة سعي الحكومات لرفع مستوى الوعي بين سكانها بوجود مشكلة شح المياه. "العديد من المواطنين في المنطقة يدركون تماما قضايا مثل تلوث المياه أو القمامة، لكنهم لا يرون بالضرورة أنها مرتبطة بتغير المناخ. القضية الرئيسية هي المياه، لذا تجب إدارتها بشكل أفضل بكثير، وتدوير المياه لإعادة استخدامها في الأغراض المناسبة.
ويرى عضو مجلس خبراء المعهد العالمي للمياه والبيئة والصحة، في سويسرا ديتريش بارتيلت أن الوصول إلى الأمن المائي لا يمكن أن يتحقق إلا عبر منهج متكامل يضم خمسة عناصر مترابطة هي: المياه السطحية، والمواد الصلبة مثل الرواسب التي ينقلها النهر، والأنواع مثل الأسماك أو الكائنات الحية الدقيقة، والغازات والكيمياء الذائبة في الماء، ودرجة حرارة الماء.