إيران تحشد لعمل عسكري انتقامي ضدّ المعارضين في كردستان العراق
انتقلت إيران سريعا من التهديد اللفظي للعراق بشأن تنفيذ الاتفاق القاضي بنزع سلاح المعارضين الأكراد الإيرانيين الموجودين على الأراضي العراقية وإبعادهم عن حدودها، إلى التلويح بقوة السلاح، وذلك قبل أيام من انقضاء المهلة المحدّدة لتنفيذ المطلب الإيراني.
ولاحت الأربعاء بوادر التصعيد العسكري في إقليم كردستان العراق من خلال تحريك الإيرانيين لأسلحة ثقيلة باتّجاه الحدود مع الإقليم في ظل تحذيرات عراقية من تهديد سيادة البلد وسلامة أراضيه.
وأرسل الحرس الثوري، أحد أقوى الأذرع العسكرية لإيران، الأربعاء تعزيزات عسكرية إلى الحدود الشمالية الغربية المحاذية للعراق.
ونشرت وكالة تسنيم للأنباء المعروفة بقربها من الحرس الثوري مقطعا مصورا يظهر دبابات وقطعا مدفعية بعيدة المدى أرسلت إلى المنطقة المحاذية لإقليم كردستان العراق.
كما ذكرت الوكالة أن إرسال التعزيزات العسكرية إلى المنطقة يأتي قبل حلول الموعد النهائي للاتفاق المبرم مع العراق بأيام.
وتنقضي في التاسع عشر من الشهر الجاري المدة الزمنية المتّفق عليها بين إيران والعراق حتى يستكمل الأخير ترحيل الآلاف من المعارضين المسلحين والمدنيين الأكراد الإيرانيين المنتشرين في عدد من مناطق إقليم كردستان العراق.
ومع اقتراب التاريخ المذكور لفت انتباهَ المراقبين تواترُ التهديدات من قبل المسؤولين الإيرانيين، سياسيين وعسكريين، للعراق بأن عليه تنفيذ الاتفاق في الموعد المحدّد، قبل أن تلوح بوادر المرور من مجرّد التهديد إلى التنفيذ على الأرض.
ورجّح متابعون لتطورات الملف أنّ إيران جادة في توسيع عملياتها العسكرية ضدّ المعارضين الأكراد داخل أراضي الشمال العراقي، بعد أن كانت تعتمد في حربها على القصف المتقطّع بالطيران والمدفعية.
وذهب هؤلاء إلى أنّ قرار التدخّل العسكري في شمال العراق قد يكون اُتّخذ بالفعل وبشكل مسبق وجرى الاستعداد له لوجستيا، معتبرين أن إيران كانت تعلم يقينا استحالة التزام العراق بالمهلة المحدّدة لإنجاز مهمّة نزع سلاح الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة لنظام طهران وإجلاء جميع المسلّحين المنتشرين مع عائلاتهم في عدّة مناطق من إقليم كردستان العراق، أغلبها مناطق وعرة تتيح لهم التحصّن وتفادي الضربات العسكرية.
وقالت مصادر في المعارضة الإيرانية إنّ قرار التدخل العسكري في كردستان العراق يعود إلى فترة تفجّر الاحتجاجات العارمة في الداخل الإيراني بعد مقتل الشابة الكردية مهسا أميني في قسم للشرطة الإيرانية، حيث وجهت الاتهامات للمعارضين الأكراد المتمركزين على الأراضي العراقية بالمساهمة في تأجيج تلك الاحتجاجات.
وذكر أحد المصادر أن قرار معاقبة الأكراد والانتقام منهم كان جاهزا بين أيدي الساسة والقادة العسكريين الإيرانيين، وأنّه جرى توريط العراق بشكل متعمّد وبمشاركة جهات عراقية في مهلة مقتضبة يعلم الإيرانيون يقينا استحالة الالتزام بها من قبل السلطات العراقية.
ودخل العراق خلال الفترة القريبة الماضية في ما يشبه سباقا مع الزمن لتنفيذ المطلب الإيراني دون أن يحقّق أي تقدّم يذكر في ذلك بحسب شهود عيان من مناطق تواجد المعارضين الأكراد داخل الأراضي العراقية.
وكرّر المسؤولون العراقيون التزامهم بتنفيذ الاتفاق، وقال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إن بلاده بدأت بنقل الجماعات الكردية الإيرانية المعارضة من حدود إقليم كردستان العراق مع إيران إلى مخيمات بعيدة عن الحدود.
لكن الوزير ذاته عاد ليؤكّد رفض بغداد “تهديد السيادة العراقية”، مضيفا “نتوقع من الجانب الإيراني عدم استعمال العنف ضد كردستان العراق وبالتالي ضد سيادة العراق”.
وبينما تثور شكوك حول تواطؤ بعض القوى الشيعية، المشاركة في حكم العراق، في فتح الطريق لتدخّل عسكري إيراني في إقليم كردستان العراق، تتعاظم خشية قيادات الإقليم من ذلك التدخّل الذي سيزيد من تعكير الأوضاع ويرفع وتيرة التوتّر ويهدّد الاستقرار الهش في تلك المناطق التي تعرف منذ سنوات تدخّلا عسكريا تركيا لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا.
وبحسب أكراد عراقيين فإن إضافة التدخّل العسكري الإيراني إلى التدخّل التركي سيفقد سيادة الأكراد العراقيين على إقليمهم معناها ويحوّل مناطقهم إلى أرض مستباحة.
ونفى رئيس إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني وجود أي مبرّر لشن إيران هجمات ضد المنطقة، مؤكّدا التزام حكومة الإقليم بالاتفاق الذي تم التوصل إليه بين بغداد وطهران لنزع سلاح الأحزاب والجماعات المناهضة لإيران، مضيفا “لا نريد أن تكون منطقتنا مصدر تهديد لأي دولة مجاورة، ولا يوجد مبرر لتنفيذ إيران هجمات هنا”.
ولن يخلو صمت حكام الإقليم عن أي عمل عسكري ضدّ المعارضين الأكراد من عبء أخلاقي، ذلك أنّ أطرافا مشاركة في حكم المنطقة شبه المستقلة في شمال العراق ظلت على مدى عقود تسهّل وجود هؤلاء المعارضين على أرض الإقليم وتتعامل معهم من دون قيود أو حواجز.
وبذلت سلطات إقليم كردستان العراق خلال الأيام الماضية جهودا متسارعة لمنع تدخّل عسكري إيراني في أراضي الإقليم.
وأجرى المسؤولون الأكراد العراقيون اتصالاتهم الخاصّة بإيران، كاشفين عن عدم ثقتهم في جدّية ما تبذله حكومة بغداد من جهود في سبيل منع التدخّل العسكري المتوقّع.
وفي حين أوفد حزب الاتحاد الوطني الكردستاني رئيسه بافل طالباني إلى طهران لمناقشة قضية وجود المعارضة الإيرانية في إقليم كردستان العراق، استقبل رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني وفدا إيرانيا بقيادة سفير إيران في العراق محمد كاظم آل صادق لمناقشة القضية ذاتها.
ويقول مراقبون إنّ مأتى شكوك القيادات الكردية في جدية حكومة رئيس الوزراء العراقي محمّد شياع السوداني بشأن منع هجوم عسكري إيراني على الإقليم تحت غطاء ملاحقة المعارضين الأكراد، أنّ جهات شيعية نافذة في تلك الحكومة قد يكون من مصلحتها تسهيل تدخّل إيران في شمال البلاد، خصوصا وأن تلك الجهات ذاتها تتهم قيادات سنّية عراقية، بمن فيها قادة أكراد، بتسهيل التدخل العسكري التركي في الأراضي العراقية لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني المعارض لتركيا.
ويغذّي تلك الشكوك قبول بغداد بمهلة إيرانية مقتضبة كان المسؤولون العراقيون يعلمون مسبقا أنها غير كافية لإنجاز مهمّة معقّدة من قبيل نزع سلاح الأحزاب الكردية الإيرانية المتمركزة في شمال العراق وترحيل المقاتلين وأفراد عائلاتهم، الذين يقدر عددهم بنحو عشرين ألف فرد، إلى وجهة أخرى لم يكن من السهل إيجادها.