اخبار العراق الان

عاجل

"الممر الاقتصادي".. هل همش أنقرة وبدد حلم "طريق التنمية"؟

"الممر الاقتصادي".. هل همش أنقرة وبدد حلم "طريق التنمية"؟

2023-09-15 00:00:00 - المصدر: الخليج اون لاين


يتراكم صراع توسيع النفوذ تدريجياً في الشرق الأوسط والعالم عموماً، في مؤشرات حديثة يؤكدها نشوء تحالفات اقتصادية جديدة في المنطقة تسعى إلى تعظيم اقتصادات دولها وحمايتها من مخاطر تعطل سلاسل الإمداد مثلما حدث في عهد فيروس كورونا، إضافة إلى الهدف الرئيس وهو مزيد من السيطرة.

هذه الفكرة تحاول دول كبرى بالمنطقة ألا تؤثر عليها سياسياً واقتصادياً، لذلك ترفض أي خطوة لا تكون شريكة فيها، وهو ما حدث مؤخراً بعد الإعلان عن مشروع ممر اقتصادي يربط الشرق الأوسط بالهند من جهة وأوروبا من جهة ثانية.

طريقان اقتصاديان

المشروع الذي أعلن عنه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في (9 سبتمبر 2023) خلال قمة مجموعة العشرين بالهند ويشمل إضافة إلى المملكة الإمارات والهند والأردن وفرنسا وإيطاليا و"إسرائيل" وألمانيا والاتحاد الأوروبي، لم يرقَ لتركيا بالشكل المطلوب، فهو تجاهلها تماماً، كما أنه ربما يشكل خطراً على تنفيذ مشروع "طريق التنمية" الذي كان من المفترض أن يربط دول الخليج بتركيا ثم أوروبا عبر العراق.

ومشروع "طريق التنمية" الاقتصادي أعلنه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، في أواخر مايو الماضي، ويهدف إلى ربط دول الخليج والعراق وتركيا وصولاً إلى أوروب،  ويتضمن طريقاً برياً وسككاً حديدية.

ومن المقدر أن يتطلب هذا المخطط الطموح استثماراً يبلغ نحو 17 مليار دولار، مع عوائد سنوية متوقعة تبلغ 4 مليارات دولار وخلق ما لا يقل عن 100 ألف فرصة عمل.

أما المشروع الجديد فيمتد من الهند إلى الإمارات والسعودية ثم الأردن و"إسرائيل" وصولاً إلى القارة الأوروبية.

وقال "بن سلمان" إن المشروع الجديد سيحقق المصالح المشتركة للدول التي سيمر عبرها، من خلال تعزيز الترابط الاقتصادي، وهو ما ينعكس إيجاباً على الشركاء في الدول الأخرى والاقتصاد العالمي بصورة عامة.

وأوضح أن المشروع سيسهم في تطوير وتأهيل البنية التحتية التي تشمل سككاً حديدية وربط الموانئ وزيادة مرور السلع والخدمات.

كما سيسهم المشروع في تعزيز التبادل التجاري بين الدول المعنية، ومد خطوط أنابيب تصدير واستيراد الكهرباء والهيدروجين لتعزيز أمن إمدادات الطاقة العالمي، إضافة إلى كابلات نقل البيانات من خلال شبكة عابرة للحدود ذات كفاءة عالية.

"لا ممر بدون تركيا"

وفور عودته من الهند في 11 سبتمبر 2023، بعد المشاركة بقمة مجموعة العشرين، علق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، على مشروع الممر الاقتصادي، معتبراً أنه لن يكون هناك ممر بدون بلاده.

وقال أردوغان، إن بلاده هي الخط الأكثر ملاءمة لحركة المرور من الشرق إلى الغرب في مشروع الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، مضيفاً: "لن يكون هناك ممر بدون تركيا".

وأشار إلى أنه يدرك محاولة عديد من الدول توسيع مناطق نفوذها من خلال إنشاء ممرات تجارية.

ولفت إلى أن بلاده تدعم مشروع طريق تنمية العراق، الذي يهدف إلى ربط الخليج بتركيا وأوروبا عبر خط سكة حديدية وطريق سريع عبر موانئ في الإمارات وقطر والعراق.

وفي إشارة إلى حرصه على إتمام مشروع "طريق التنمية" والخشية من تأثير الممر الجديد عليه، ذكر أردوغان أن رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد، حث على عدم إطالة فترة تنفيذ المشروع، كما دعا إلى وضع أسس مشروع ربط الخليج مع تركيا خلال 60 يوماً.

وتابع أردوغان: "الإمارات مستعدة لهذه المهمة وقطر مستعدة للغاية، نحن مستعدون جداً لذلك".

حديث أردوغان أكده إعلان وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في 14 سبتمبر 2023، عن إجراء محادثات مكثفة مع العراق والإمارات وقطر بشأن مشروع طريق التنمية.

وقال فيدان، في تصريحات صحفية، إن طرق التجارة الجديدة أصبحت مهمة بعد التطورات الجيوسياسية التي شهدتها السنوات الأخيرة، وضمن ذلك وباء كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، والمنافسة بين الولايات المتحدة والصين أو الغرب والصين.

وأشار إلى أن هذه التطورات أعادت أيضاً طرح طرق التجارة الأخرى التي تمت مناقشتها سابقاً من الناحية النظرية، في إشارة إلى الممر الاقتصادي الجديد.

وذكر فيدان، أن الطريق التجاري لا يعني تلبية التجارة وحدها، بل هو في الوقت نفسه انعكاس للمنافسة الجيواستراتيجية.

وبشأن الممر الهندي الخليجي الأوروبي، قال: "عندما ننظر إلى المشروع، فإننا نرى وجود شكوك تساور الخبراء حول الهدف الأساسي والعقلانية والكفاءة".

وأشار وزير الخارجية التركي إلى أن هذه الشكوك تتعلق أكثر بالمخاوف الجيوستراتيجية.

ولفت إلى أن تركيا منشغلة حالياً بمشروع "طريق التنمية"، مؤكداً أن "العراق والإمارات وتركيا وقطر تجري بشكل خاص، محادثات مكثفة في هذا الصدد".

وشدد على أن الرئيس أردوغان اتفق مع نظيره الإماراتي، خلال لقاء بينهما، على استكمال الإجراءات الرسمية النهائية في هذا المشروع خلال الأشهر القليلة القادمة، على الأقل، من ناحية صياغتها على الورق ووضعها موضع التنفيذ.

ما مخاوف تركيا؟

حالة الرفض التركي للمشروع الهندي العربي الأوروبي الذي تشرف عليه الولايات المتحدة الأمريكية، وتكثيف أنقرة للحديث عن "طريق التنمية" نابع من خشيتها أن يؤثر الممر الاقتصادي الذي همشها على نفوذها في الشرق الأوسط.

ويهدف الممر الجديد إلى تعزيز التجارة والاستثمارات بين الهند ودول الخليج وأوروبا، مما قد يقود إلى زيادة المنافسة مع تركيا.

بالإضافة إلى ذلك، يهدف الممر الاقتصادي الجديد إلى تعزيز التعاون بين الهند والخليج وأوروبا في مجالات أخرى، مثل الطاقة والبنية التحتية وهذا قد يؤدي إلى زيادة الروابط بين هذه البلدان، مما قد يحد من نفوذ تركيا في المنطقة.

كما أن الموقع الجغرافي المتميز في الشرق الأوسط الذي تتمتع به تركيا حيث تربط بين أوروبا وآسيا من المحتمل أن يقلص الممر الاقتصادي الجديد من أهميته حيث سيوفر الممر طريقاً بديلاً للتجارة والاستثمارات بين الهند والخليج والدول العربية عموماً وأوروبا، مما قد يقلل من الحاجة إلى المرور عبر الأراضي التركية.

وفي هذا السياق أيضاً فإن الرئيس التركي يعتقد أن مشروع طريق التنمية سيكون أكثر فائدة لبلاده من مشروع ربط الهند مع الشرق الأوسط، حيث يساعد الأول في ربط تركيا بالعراق ودول الخليج، مما سيعزز التجارة والاستثمارات بين هذه البلدان.

هل تتغير المعادلة؟

وفي قراءته لهذه المعطيات، يرى الخبير الاقتصادي حسام عايش، أن "الممر الاقتصادي الجديد الذي تحدث عنه ولي العهد السعودي بقمة العشرين، لم يأخذ تركيا بعين الاعتبار في عملية الربط التجاري واستبدلها بإسرائيل".

وأضاف عايش في حديثه لـ "الخليج أونلاين": "تركيا تجد نفسها كما يقول الرئيس أردوغان مؤهلة أكثر من غيرها باعتبارها ممراً يربط آسيا وأفريقيا وأوروبا".

وتابع: "تركيا ممر للطاقة العالمية وبالذات عندما نتحدث عن نفط وغاز روسيا وأذربيجان وكثير من دول آسيا الوسطى، كما أنها تلعب دوراً استراتيجياً فيما يتعلق باتفاقيات عالمية ومنها تصدير الحبوب الأوكرانية".

وأشار إلى أن تركيا ترى نفسها جزءً محورياً من المنظومة الإقليمية والدولية وبالتالي يؤكد أردوغان على أنه لا جدوى للممر الاقتصادي بدون بلاده، وهو بذلك يود أن يقول بطريقة غير مباشرة (لماذا لا تكون تركيا في قلب هذا الممر؟).

وحول احتمالية تأثير الممر الجديد على مشروع "طريق التنمية"، رأى أنه من غير المتوقع أن يكون له تأثير مباشر وربما من وضع مشروع الممر الاقتصادي أخذ بعين الاعتبار أن الطريق عبر العراق ربما يكون جزء منه.

لكن من وجهة نظر أخرى، قال الخبير الاقتصادي، إن تركيا ربما ترى أن مشروع "طريق التنمية" قد يعترضه الكثير من العراقيل سواء كانت السياسية أو الأمنية أو حتى الجغرافية وبالتالي فإن الممر الاقتصادي ربما يبدأ العمل به على أرض الواقع فيما "طريق التنمية" يكون عرضة لتجاذبات سياسية.

وبهذا الشأن أوضح، أن العلاقات في هذا المثلث العراقي التركي الإيراني ليست بأفضل أحوالها وبالذات عندما نتحدث عن التوترات التركية الإيرانية غير المباشرة التي قد تؤثر على إنجاز "طريق التنمية" وذلك كون أن جميع الحكومات العراقية موالية بشكل أو بآخر لطهران ولن تتخذ قرارات تؤثر على الوضع الاستراتيجي لحليفتها.

لذلك فإنه في أي خلافات تركية إيرانية قد تتعطل أو تتوقف الإمدادات عبر هذا الطريق بين تركيا والعراق.

وأضاف أن "تركيا ترى أن مشروع الممر الاقتصادي أكثر جدوى لأن الدول المتشاركة فيه لديها اتجاهات سياسية مختلفة ولكنها رغم ذلك اتفقت على المشروع أي أنه سيكون فوق السياسة وبالتالي يمكن إنجازه بشكل سريع".

وأكد الخبير الاقتصادي عايش، أن تركيا من الدول التي لا تتوقف عن المطالبة بما تعتقد أنه يحقق مصلحة لها ولذلك ربما نرى بالمستقبل تعديلاً على مشروع الممر الاقتصادي بحيث يشمل تركيا، ولكن هذا يحتاج إلى جهود كبيرة من أنقرة.

وحول الأسباب المرتبطة بعدم دخول تركيا بالمشروع بالوقت الحالي، رأى أن ذلك قد يتضمن رسالة أمريكية غير مباشرة بأنه عند المفاضلة بين دول شرق المتوسط فإن واشنطن تختار إسرائيل على حساب تركيا.

ورأى أن الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة ما زال ينظر إلى تركيا بكثير من الريبة لمواقفها الكثيرة غير المتوافقة مع السياسة الغربية، وربما لذلك لم تكن طرفاً في مشروع الممر الاقتصادي الجديد.