شركات مصرية تقفز من السوق المحلية إلى الخليج وأفريقيا
انطفأ وهج القطاع العقاري في مصر والتشييد بعد 10 سنوات من الإنفاق ببذخ على مشروعات الطرق والكباري والبنية الأساسية بلغ 8 تريليونات جنيه، من الخزانة العامة، مع قروض أجنبية تزيد عن 100 مليار دولار، وأخرى لجهات سيادية بضمان وزارة المالية.
تبحث شركات المقاولات عن فرص استثمار بالسعودية والخليج، وأخرى اتجهت إلى أفريقيا، وثالثة تنتظر صفقة مواتية بالعراق وليبيا والجزائر، بعد أن أعيتها حيل العيش بسوقها المحلية، التي تشهد ارتفاعا يوميا في أسعار مواد البناء ويعاني شحا بالموارد المالية وندرة بالدولار، وبيروقراطية تدفعها للموت البطيء.
يواجه قطاع التشييد والتطوير العقاري انكماشا في الطلب، مع كثرة العرض، بينما يدفع الجنيه المتراجع الأسعار إلى أعلى، فيزيد من حجم التضخم، دون أن يكون لتغيير الأسعار دور في تحريك المبيعات.
فسر عضو مجلس إدارة اتحاد مقاولي البناء والتشييد، ممدوح مرشدي، بحث شركات المقاولات والتطوير العقاري عن فرص استثمار بالخارج، بأن السوق المحلية فقد الوهج الذي تميز به على مدار 10 سنوات مضت.
قال مرشدي لـ "العربي الجديد": من حق الشركات أن تبحث عن أعمال خارج البلاد، فلم تعد هناك مشروعات بنية أساسية، فبعد بناء هذا الكم الهائل من الطرق والكباري، توقف توسعات البنية التحتية، مع نضوب الموارد المالية، مضيفا أن الوهج الذي شهده القطاع العقاري والمقاولات كان متوقعا ألا يستمر للأبد لمحدودية موارد الدولة، وعلى الشركات أن تقفز من السوق المحلية، لتبحث عن فرص للحياة في الخارج.
يدعو مرشدي الحكومة إلى مساعدة الشركات على التوجه باستثمار ما لديها من خبرات ومعدات حديثة باهظة التكاليف، والتي تحتاج إلى التشغيل الدائم لاسترداد قيمتها والمحافظة على أدائها، منوها إلى إمكانية تمويل البنوك لتلك الشركات، ليكون عندها الحد الأدنى من مقومات المنافسة بالخارج.
يذكر مرشدي أن نجاح الشركات المصرية بالعمل في السعودية والخليج، يصب في صالح الاقتصاد المصري، حيث ستعمل على تشغيل العمالة المحلية، التي تعطلت مع توقف المشروعات بالداخل، وعندما تحقق أرباحاً ستصب في النهاية في صالح الخزانة المصرية.
يلفت مرشدي في حديثه مع "العربي الجديد" إلى أن شركات المقاولات التي نفذت مشروعات كبيرة في الآونة الأخيرة استفادت من التقدم التقني في قطاع التشييد، بما يؤهلها للمشاركة في بناء ناطحات السحاب والسدود والطرق والكباري الحيوية بالدول المجاورة، مشيراً إلى نجاح شركتي "السويدي" الخاصة و"المقاولون العرب" الحكومية، في بناء سد على منابع النيل في تنزانيا، وإقامة مشروعات صناعية وسكنية بدول أفريقية.
وكشف مدير الشركة الوطنية للإسكان بالسعودية، محمد بن صالح البطي، في تصريحات صحافية، الأسبوع الماضي، عن إطلاق مشروع لتطوير مدينة "بنان الجديدة" على مساحة 10 ملايين متر مربع، بالعاصمة الرياض، بالشراكة مع مجموعة طلعت مصطفى القابضة، لتكون أول مشروعات الشركة المصرية خارج حدودها.
تبلغ قيمة المشروع 40 مليار ريال سعودي (الدولار = نحو 3.75 ريالات)، وتستهدف إنشاء مدينة ذكية، وبناء 27 ألفاً و750 وحدة سكينة، تستوعب مليون شخص، أشبه بمدينة مدينتي المقامة بالقاهرة على مساحة 23 مليون متر مربع.
أعلنت شركة مدينة مصر للإسكان والتعمير المملوكة للدولة، الأسبوع الماضي، بحثها عن فرص استثمارية خارج البلاد خلال الفترة الحالية.
اتجهت شركة أوراسكوم للتنمية، المملوكة لعائلة ساويرس، إلى العمل بالمملكة السعودية، لبناء مشروع سكني وسياحي متكامل على غرار منتجع الجونة الذي أسسه آل ساويرس على ساحل البحر الأحمر، منذ ربع قرن.
جاء التوجه في بيان صادم أطلقه سميح ساويرس، في منذ 3 أشهر، أعرب فيه عن مخاوفه من المخاطرة بالاستثمارات في مصر، ورغبته في إقامة عدد من المشاريع العقارية بالسعودية، باعتبارها ملاذاً آمناً للاستثمارات، بعد أن فقد شغفه في العمل بالسوق المحلية، بسبب البيروقراطية الحكومية والقيود التي وضعها البنك المركزي على الواردات، ووجود أكثر من سعر للدولار في البنوك والسوق الموازية.
ظل قطاع التشييد والبناء، يعمل كقاطرة تقود طفرة البناء للمشروعات العامة خلال الأعوام العشر الماضية، مدفوعا بتمويلات حكومية غير محدودة، من قروض عالية التكلفة، شديدة المخاطر.
يشير خبراء إلى أن الحكومة جازفت بها رغبة في رفع معدلات نمو اقتصادي متسارعة، أثقلت كاهل الميزانية العامة، زرعت مخاوف لدى الجهات المقرضة، بعدم قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها، تجاه الدائنين.
خفضت 3 وكالات للتصنيف الائتماني، درجة التصنيف الائتماني للدولة، مع زيادة مخاطر التخلف عن سداد الديون، وعدم قدرة الحكومة على توفير الدولار وتراكم الديون الدولية لتبلغ 165 مليار دولار، والمحلية لتزيد عن 6 تريليونات جنيه بنهاية العام المالي 2022/ 2023 (الدولار= نحو 31 جنيهاً).
أصبحت القطاعات المرتبطة بمواد البناء الأكثر تأثرا بالأزمة الاقتصادية، مع الارتفاع المتصاعد في أسعار الخامات وقيود المفروضة على الواردات، يقابله ضعف بالقدرة الشرائية للعملاء.
تمتنع البنوك عن تمويل مشروعات عقارية وبنية أساسية ذات مكون أجنبي أو محلي، بدون موافقة مباشرة من الحكومة، بما أوقع قطاع التشييد في قبضة حكومة ألزمت نفسها بالتقشف منذ بداية الحالي، بعدم تمويل مشروعات جديدة أو التي لم ينفذ 70% منها بالخطط القائمة، وفقا برنامج إصلاح الاقتصادي صارم وقعته في ديسمبر 2022، مع صندوق النقد الدولي.
وأوضح الرئيس التنفيذي لشركة أوراسكوم للتنمية، عمر الحمامصي، في تصريحات صحافية، أن السعودية أصبحت سوقا ضخمة للمشروعات العقارية والسياحية، مشيرا إلى تأثر قطاع المقاولات في مصر سلبا بالزيادة في أسعار السلع ومدخلات الإنتاج بنسبة 80% خلال عام 2022، مع عدم وضوع الرؤية في سعر الصرف، بما دفع الشركات إلى البحث عن فرص بديلة بالخارج ورفع أسعارها محليا ما بين 15% إلى 20% مع بداية عام 2023.
تتعرض شركات المقاولات لخسائر فادحة منذ تعويم الجنيه، عام 2016، لم يتوقف مع تعرض العملة لمزيد من التراجع، مع توقع محللين بأن تنخفض بنسبة 20% بحلول نهاية العام الجاري، ليصل الدولار إلى ما بين 38 إلى 40 جنيهاً رسمياً.
وافق مجلس الوزراء على قانون تعويضات للمقاولين وشركات البناء المنفذة لمشروعات البنية الأساسية والإسكان الاجتماعي متوسط ومنخفض التكاليف، في يونيو/ حزيران الماضي، أعقبه بإصدار عدة قرارات، استهدفت صرف مستحقات المقاولين المتأخرة لدى الوزارات، خلال 90 يوما.
تعهدت الحكومة للمقاولين بعدم تعاقد الجهات الحكومية، على مشروعات جديدة، دون توفير مسبق لميزانية المناقصات المطروحة، وتحديث الأسعار القياسية بما يتوافق مع الوضع الفعلي للأسواق، والحد من الآثار السلبية لارتفاع أسعار مواد البناء على المقاولين، وحساب فروق الأسعار والتعويضات وتسهيل إجراءات التسليم الابتدائي والنهائي، والتعاقدات المبرمة بين أعضاء اتحاد مقاولي التشييد والبناء ووزارة الإسكان.
يؤكد عضو مجلس إدارة اتحاد مقاولي البناء والتشييد، ممدوح مرشدي، على تفاقم خسائر قطاع المقاولات والتطوير العقاري، لعدم التزام الحكومة بالقرارات التي اتخذتها، منذ 3 أشهر لحل أزمة القطاع، بما عطل أعمال نحو 35 ألف شركة مقاولات، ويعرضها ملاكها لانتكاسة مالية فادحة.
يلفت مرشدي إلى تعسف اللجان الفنية التي شكلتها وزارة المالية، في إنهاء المطالبات المالية للشركات، حيث أجلت دفع مستحقات الشركات وفقا لتعليمات رئيس الوزراء، الخاصة بإعادة التفاوض على دفع المبالغ المطلوبة من الدولة، بتمريرها بعدة لجان مالية أخرى، لتهدر الوقت وتدخل الشركات في دوامة بيروقراطية عقيمة.
ويبدي مرشدي دهشته من لجوء الحكومة إلى سحب المشروع من المقاولين المتأخرين عن التنفيذ، بسبب نقص السيولة النقدية لدى الجهات المالكة، التابعة للدولة، بينما لا تلتزم بدفع مستحقات شركات البناء والتشييد، المتراكمة بعد تسليم المشروعات بمدد تتراوح ما بين 3 إلى 6 سنوات، والتي تشمل خطابات الضمان عن التسليم النهائي، لتبقى ميزانية المشروع مفتوحة، دون سقف زمني محدد.
جاءت موافقة وزارة الإسكان الشهر الماضي، على تغيير المساحات المخصصة للنشاط الخدمي في المشروعات العقارية، لتتراوح ما بين 5% و15%، بدلاً من 8% و12%، متأخرة عن موعدها، لم تمكن المقاولين من مواجهة الزيادة الهائلة في أسعار الأراضي المخصصة للبناء، والتي تتحكم بها الشركات الحكومية والتابعة للجيش والأجهزة الرسمية.
تبدي غرفة المطورين العقاريين رغبتها في المزيد من التيسير في دفع قيمة الأراضي والمميزات الممنوحة للشركات العقارية، لتتمكن من مواجهة التحديات الخارجة عن ارادتها، وفقا لمسؤولين بالغرفة.
يطالب المطورون بتأجيل أقساط الأراضي لمدة عامين من دون غرامات، لمساعدتهم في مواجهة التضخم وزيادة التكاليف.