ما هي الدول صاحبة أعلى معدلات الفائدة والتضخم؟
ترزح غالبية شعوب العالم تحت وطأة الزيادات الهائلة في أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية اليومية، من لندن إلى لوس أنجليس، ومن برلين إلى بريسبان، ومن القاهرة إلى بيروت وبغداد وغيرها من عواصم ومدن العالم.
لقد جاء أسوأ ارتفاع في التضخم منذ عقود بفعل مجموعة مؤذية وطويلة من الأحداث التي بدأت بجائحة كورونا في العام 2020، وتفاقمت بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في العام 2022، في حرب لا تزال مستمرة بلا هوادة.
وخلال هذه الفترة المديدة، ظل التحدي الذي يواجه صناع السياسات والبنوك المركزية في مختلف أنحاء العالم على حاله، وهو ترويض التضخم. حيث كان النهج العام يتلخص في رفع أسعار الفائدة بسرعة وبشكل كافٍ، في محاولة لإبطاء الاقتصادات وكبح جماح ارتفاع الأسعار، وذلك وفقاً لتقرير موسّع نشرته مجلة "فوربس" الأميركية على موقعها الإلكتروني في 25 أغسطس/آب المنصرم.
لكن هذا يُعد إجراءً متوازناً، لأن الرغبة هي أيضاً تجنب إحداث الكثير من الأضرار الاقتصادية وإثارة شبح الركود.
في أستراليا، مثلاً، تتزايد المخاوف من أن بنك الاحتياطي الأسترالي ذهب بعيداً في رفع سعر الفائدة من 0.1% إلى 4.1% في ما يزيد قليلاً عن عام، وأن "الهبوط الضيق" الذي أشار إليه المحافظ المنتهية ولايته فيليب لوي سوف يتم تجاوزه.
حتى الآن، فشلت الدول في تحقيق هذه الأهداف لتجد الأسر والشركات صعوبة أكبر في موازنة دفاترها، والنضال من أجل توازن ميزان المدفوعات، والتخطيط لمستقبلها بشكل عام.
لكن من حسن الحظ أن العلامات بدأت تظهر في الأشهر الأخيرة على أن واضعي السياسات في مختلف أنحاء العالم بدأوا في التعامل مع قضية التضخم بشكل أفضل.
أما في الولايات المتحدة، وبعد فترة شديدة من ارتفاع أسعار الفائدة، بلغ معدل تضخم أسعار المستهلك 3.2% في العام حتى يوليو/تموز 2023، وفقاً لمكتب إحصاءات العمل الرسمي في البلاد.
ويمثل هذا ارتفاعاً طفيفاً عن نسبة 3% المسجلة في الشهر السابق، لكنه أقل بكثير من نسبة 9.1% المسجلة في منتصف العام 2022.
علامات مشجعة
وعلى النسق عينه، في المملكة المتحدة، ثمة دلائل أيضاً على أن الزيادات الـ14 المتتالية في أسعار الفائدة التي فرضها بنك إنكلترا منذ نهاية العام 2021، بدأت التأثير في مستويات التضخم المرتفعة.
ومن ذروته البالغة 11.1% في أكتوبر/تشرين الأول 2022، انخفض رقم التضخم في المملكة المتحدة، وفقاً لقياسات مجمع البيانات الرسمي في البلاد (مكتب الإحصاءات الوطنية)، إلى 6.8% في العام حتى يوليو/تموز 2023.
ولا يزال هذا بعيداً بعض الشيء. إذ إن هدف التضخم الذي حددته الحكومة بنسبة 2% على المدى المتوسط، يشير إلى أن مستويات التضخم الجامحة أصبحت الآن قيد السيطرة نسبياً.
وشهدت أستراليا ارتفاعاً مستمراً ومتتالياً في أسعار الفائدة، في محاولة للحد من التضخم. ارتفعت أسعار الفائدة بإجمالي 4 نقاط مئوية منذ مايو/أيار 2022.
وقد اختار بنك الاحتياطي الأسترالي إبقاء سعر الفائدة ثابتاً خلال الشهرين الماضيين عند 4.1%، لكن البعض يعتقدون أن بنك الاحتياطي الأسترالي قد يرفع سعر الفائدة مرة أخرى.
وفي حين يبلغ معدل التضخم الآن 6% في أستراليا، إلا أن إنفاق الأسر لا يزال ينمو ببطء، بزيادة قدرها 1.8% في يونيو/حزيران، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، حسبما أفاد مكتب الإحصاءات الأسترالي.
ومن المؤكد أن هذه اتجاهات مشجعة، لكن لا تتمتع جميع البلدان بالقدر نفسه من الانتعاش في ثرواتها الاقتصادية.
صورة مختلطة
وفي الدول الأربعين أو نحو ذلك، بما في ذلك أستراليا، التي تشكل "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" OECD، على سبيل المثال، بلغ معدل التضخم في تركيا 47.8% حتى نهاية يوليو/تموز من هذا العام، وفقاً للبنك المركزي التركي.
ومن بين الأعضاء الآخرين في المنظمة، في الفترة نفسها، كولومبيا، حيث بلغ معدل التضخم 12.1% والمجر (20.1%) وبولندا (11.5%) وجمهورية سلوفاكيا (10.9%).
تجدر الإشارة إلى أن تركيا، إلى جانب أستراليا والمملكة المتحدة، جميعها دول مجموعة العشرين، وهي كتلة من الدول التي تمثل الاقتصادات الكبرى في العالم والتي تمثل 85% من الناتج المالي العالمي.
ورغم أن رقم التضخم في تركيا مرتفع بلا شك، بما يرجع إلى حد كبير لانخفاض قيمة عملتها الوطنية، الليرة، إلا أنه لا يزال ضئيلاً مقارنة بالأرجنتين، عضو مجموعة العشرين.
فماذا عن أعلى 5 معدلات للتضخم على مستوى العالم (يونيو/حزيران 2023)، وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولي والمصارف المركزية في الدول المعنية؟
1 - فنزويلا 400%
2 - زيمبابوي 172%
3 - الأرجنتين 113%
4 - السودان 71.6%
5 - تركيا 47.8%
ورغم الانخفاض في الأشهر الأخيرة، لا تزال أسعار المستهلك في الأرجنتين ترتفع بنسبة 113% في العام حتى يوليو/تموز من هذا العام، وفقاً للبنك المركزي، وهو أعلى مستوى منذ العام 1991.
وهذا يعني أن تسعير سلعة بالعملة الأرجنتينية بمبلغ 100 بيزو في يوليو/تموز 2022، أصبح يكلف 213 بيزو بعد 12 شهراً.
وارتفع التضخم في الأرجنتين بشكل كبير منذ انزلاق اقتصاد البلاد إلى الأزمة في عام 2018، عندما توسعت التزامات ديونها الخارجية إلى مستويات غير مستدامة وانهار البيزو مقابل الدولار الأميركي.
قد تبدو التجربة الأرجنتينية غير عادية، ولكن هناك بلدين آخرين حيث تمكنت الأسعار المرتفعة من تجاوز هذه الأرقام المرتفعة.
فقد شهدت زيمبابوي، على سبيل المثال، ارتفاعاً كبيراً في معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلك إلى نحو 170% في يونيو/حزيران من هذا العام، وفقاً لصندوق النقد الدولي، بسبب الانخفاض الحاد في قيمة الدولار الزيمبابوي.
وحتى فنزويلا تتفوق على هذا الرقم، حيث ارتفع معدل التضخم 400% في العام 2023 بعد سنوات من الأداء الاقتصادي الضعيف والاضطرابات الاجتماعية.
الخيار الوحيد
وقد أدت الفترة الطويلة من التضخم المرتفع والأكثر ثباتاً من المتوقع في جميع أنحاء العالم إلى ارتفاع أسعار الفائدة، وهي واحدة من الأدوات المالية القليلة المتاحة للمصارف المركزية لكبح ارتفاع الأسعار.
في وقت كتابة هذا التقرير (أغسطس/آب 2023)، كان سعر الفائدة النقدي لبنك الاحتياطي الأسترالي الذي يؤثر في معدلات الاقتراض في جميع أنحاء الاقتصاد، يبلغ 4.1% بعد 12 ارتفاعاً.
ويتم تحديد المعدل الذي يدفعه المقترضون على قروضهم السكنية أعلى من ذلك لدى المصارف، حيث تبلغ فائدة معظم القروض العقارية المتغيرة الآن نحو 6% في كثير من الحالات.
والقصة مماثلة في الولايات المتحدة، حيث تراوح أسعار الفائدة بين 5.25% و5.5%، في حين تراوح تكاليف الاقتراض في منطقة اليورو ككل ما بين 3.75% و4.25%.
بالنسبة للعديد من الأسر الأسترالية، فإن كلفة الاقتراض المرتفعة الحالية مخيفة. ومع ذلك، يواصل بنك الاحتياطي الأسترالي استهداف معدل تضخم يراوح بين 2 و3% لخفض هذا المعدل إلى مستوى اعتاد عليه إنفاق الأسر.
ومع ذلك، ليس من الضروري أن ننظر إلى أبعد من ذلك بكثير لنرى أن الأمور يمكن أن تكون أسوأ بكثير.
فماذا عن أعلى 10 أسعار فائدة على مستوى العالم (يوليو/تموز- أغسطس/آب 2023)، وفقاً لـ"ترايدينغ إيكونوميكس"؟
1 - زيمبابوي 150%
2 - الأرجنتين 118%
3 - فنزويلا 55.8%
4 - غانا 30%
5 - السودان 27.3%
6 - الكونغو 25%
7 - ملاوي 24%
8 - باكستان 22%
9 - أوكرانيا 22%
10 - ليبيريا 20%
روسيا على سبيل المثال، رفعت في الآونة الأخيرة، سعر فائدتها الرئيسي بمقدار 3.5 نقاط مئوية إلى 12% بعدما انخفضت عملتها الوطنية إلى ما دون المستوى النفسي الذي يبلغ 100 روبل في مقابل الدولار الأميركي.
وفي أميركا الجنوبية، تعد أسعار الفائدة في البنوك المركزية في البرازيل وكولومبيا أعلى من ذلك، وبلغت في كل منهما 13.25% الصيف الماضي. ومن غير المستغرب، في مواجهة ارتفاع التضخم، أن ترتفع تكاليف الاقتراض في تركيا أيضاً، حيث بلغت 17.5%.
وفي أوكرانيا التي مزقتها الحرب، يبلغ الرقم 22%، وهو الرقم نفسه في باكستان، حيث يحاول كلا البلدين احتواء ارتفاع الأسعار.
ونظراً لمعدلات التضخم المرتفعة في البلدين، لن يكون من المفاجئ أن نكتشف أن كلا من فنزويلا والأرجنتين تشتركان أيضاً في التمييز المريب المتمثل في فرض بعض من أعلى أسعار الفائدة في العالم على المقترضين.
هذا الصيف، بلغت كلفة الاقتراض الرسمية في فنزويلا ما يزيد قليلاً على 55%، وهو رقم مرتفع إلى حد مذهل إلى أن تكتشف أن الرقم في الأرجنتين يبلغ 118%، في حين تبلغ تكاليف الاقتراض في زيمبابوي 150%.