بغداد تُبعد جماعات المعارضة الكردية الإيرانية عن الحدود
في إجراء هو الأول من نوعه منذ عام 1991، وصلت القوات العراقية النظامية أواخر الأسبوع الماضي إلى الحدود الشمالية الشرقية مع إيران من جهة إقليم كردستان العراق، وحققت انتشاراً واسعاً فيها، بعد انسحابها منها عقب غزو النظام العراقي السابق لدولة الكويت عام 1990، وما ترتب عليه من خروج المحافظات الشمالية ذات الأغلبية الكردية عن سيطرة بغداد.
القوات العراقية التابعة لحرس الحدود والجيش العراقي إلى جانب ضباط من جهاز المخابرات والأمن الوطني، نصبت ما لا يقل عن 30 ثكنة عسكرية مع أسلحة متوسطة وثقيلة ودروع، بمشاركة قوات البشمركة التابعة لإقليم كردستان- العراق.
في المقابل، بدت القرى المحيطة بالحدود خالية تماماً من أي نشاط للجماعات الكردية الإيرانية المعارضة، خصوصاً حزب "الحياة الحرة" (بيجاك)، والحزب الشيوعي الكردي الإيراني "كوملة" وجناحه المسلح، والحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني المعروف اختصار بـ"حدكا"، ومنظمة "خبات" القومية الكردية التي تتبنى الخيار المسلح ضد ما تطلق عليه في أدبياتها "تقسيم الأمة الكردية"، في إشارة إلى الأكراد بالدول الأربع المتجاورة العراق وإيران وسورية وتركيا.
تنفيذ الاتفاق الأمني المشترك مع إيران
ومساء الثلاثاء الماضي، أعلنت اللجنة العليا لتنفيذ الاتفاق الأمني المشترك مع إيران، والتي شكلتها الحكومة العراقية الشهر الماضي، وتضم عدداً من الوزراء والقادة الأمنيين من بغداد وحكومة إقليم كردستان- العراق، أنه "بناءً على التزام جمهورية العراق والجمهورية الإسلامية الإيرانية ببنود الاتفاق الأمني المشترك ومن خلال الجهود المشتركة من الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم واللجنة العليا المشتركة بين الدولتين، تم إخلاء المقرات المتواجدة قرب الحدود مع إيران والتي كانت تشغلها مجاميع المعارضة الإيرانية بشكل نهائي".
وأضافت أنه "تم نقلهم إلى مكان بعيد عن الحدود وتم نزع الأسلحة من هذه المجاميع تمهيداً لاعتبارهم لاجئين وفق ضوابط مفوضية اللاجئين، وكذلك تم انتشار قوات الحدود الاتحادية بتلك المناطق والتواجد بشكل دائم ورفع العلم العراقي فيها".
وتابعت أن "ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة (هينيس بلاسخارت) حضرت الاجتماع الذي عقد في أربيل وبغداد وأبدت الدعم الكامل للحكومة العراقية في تنفيذ فقرات الاتفاق، مع إمكانية التعامل مع هذه المجاميع شرط الصفة المدنية لهم".
وأكدت أن "ما تحقق من إخراج هذه المجاميع من الاتفاق والكهوف والملاجئ قرب الحدود ونقلها بعيداً عنها هي خطوة مهمة وكبيرة تتطلب منا مسؤولية حمايتها وإكمال تنفيذ المراحل الأخرى من الاتفاق، ونهيب بجميع الأطراف الابتعاد عن التصريحات السلبية ودعم العمل المشترك والتعاون المستمر لما فيه مصلحة البلدين".
ونهاية أغسطس/آب الماضي، أعلنت كل من بغداد وطهران توقيع اتفاقية أمنية بين البلدين تقضي بتفكيك معسكرات المعارضة الكردية الإيرانية الموجودة في إقليم كردستان- العراق على الحدود مع إيران، شمالي العراق. وتقضي الاتفاقية بإيقاف طهران عملياتها العسكرية داخل البلدات الحدودية العراقية، مقابل قيام بغداد بتفكيك تجمعات تلك المعارضة وإبعادها عن الحدود مع إيران، وتسليمها المطلوبين منهم. وبموجب الاتفاق، تطالب طهران حكومة بغداد بنزع سلاح التنظيمات المعارضة والنشطة شمالي العراق حتى 19 سبتمبر/ أيلول الحالي، والتي انتهت الثلاثاء الماضي.
الجماعات الكردية الإيرانية أصبحت بعيدة عن الحدود
وفي السياق قال مسؤول في مستشارية الأمن القومي العراقي، لـ"العربي الجديد"، إن "عمليات الإحلال والاستلام متواصلة، وهناك تجاوب كبير من قبل الجماعات الكردية الإيرانية مع بغداد في تجنيبها سيناريو عمل عسكري لا رابح فيه، نحن أو هم". وأضاف أنه "تم لغاية الآن نقل 9 آلاف كردي إيراني وهم من عناصر الجماعات المعارضة وعائلاتهم إلى أماكن أخرى بعيدة عن الحدود الإيرانية بدرجة كافية جداً، مع سحب أسلحة مدفعية وقذائف ومدافع هاون من عيار 120 و82 ملم".
ولفت المصدر نفسه إلى أنه "حالياً أصبحت الجماعات الكردية بعيدة عن الشريط الحدودي، والذي يُمسَك لأول مرة بشكل كامل من قبل القوات العراقية من قوات حرس الحدود وقوات البشمركة، بشكل مشترك ما بين الطرفين".
مصدر عراقي: العراق لن يعلن عن أماكن نقل الجماعات الكردية المعارضة
وقال إن "العراق لن يعلن عن أماكن نقل الجماعات الكردية المعارضة بمن فيهم عائلاتهم، وتم إعداد تجمعات مناسبة وآمنة لهم داخل الإقليم، بمسافة لا تقل عن 80 كيلومتراً من حدود العراق الدولية مع إيران". وأضاف أن ذلك جرى "بحضور ممثلين عن بعثة الأمم المتحدة، التي شاركت بشكل مباشر بتنفيذ الاتفاق الأمني، لما يحفظ سيادة العراق ويمنع أي عمل عسكري إيراني داخل الأراضي العراقية".
وأشار إلى أن "هناك وفداً إيرانياً عسكرياً سيجري زيارة رسمية داخل الشريط الحدودي الإيراني للاطلاع على نقل كافة مقرات الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة، من أجل إكمال باقي بنود الاتفاق الأمني"، لافتاً إلى أن "نقل المقرات يُعد أحد بنود الاتفاق وليس كله".
من جهة أخرى تحدّث المصدر عن نقطة خلافية بين بغداد وطهران بشأن تنفيذ الاتفاق الأمني، تتعلق بتسليم بعض المطلوبين للنظام الإيراني من الشخصيات البارزة في الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة. وقال إن "طهران طلبت بشكل رسمي استرداد 38 قيادياً بتلك الأحزاب من أجل محاكمتهم في طهران، خلال اجتماع مساعد السلطة القضائية في إيران للشؤون الدولية وأمين لجنة حقوق الإنسان غريب أبادي، مع رئيس مجلس القضاء الأعلى العراق فائد زيدان قبل أيام قليلة".
القوات العراقية على الشريط الحدودي
في موازاة ذلك، قال الملازم جعفر العبودي، الذي يقف بين قوات حرس الحدود العراقية، ضمن القوة التي يمكن وصفها بأنها أول قوة عسكرية تُمثل بغداد تصل إلى قمة جبل سورين الحدودي شمال محافظة السليمانية، إنه "تم رفع العلم العراقي على الجبل إلى جانب برج اتصالات عسكري مع عدة مواقع سيبقى فيها الجنود العراقيون، إلى جانب البشمركة".
وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد": "نحن لسنا قوة حفظ سلام، هذه حدودنا وننتشر فيها، لتصحيح خلل دام أكثر من 30 عاماً، بسبب سياسات سابقة خسرنا فيها الكثير". واعتبر أن "التعاون مع البشمركة في هذا الملف يتيح تكرار التجربة في مناطق حدودية أخرى مع دول الجوار، إيران وتركيا".
ومن المتوقع أن يبدأ سكان القرى العراقية الكردية التي هجرها أهلها بسبب مخاوف اندلاع مواجهات مع الجانب الإيراني، العودة تدريجياً إليها، وفقاً لما قاله مختار قرية ديبكة، شوان قادر، في حديث لـ"العربي الجديد". وأضاف أن "التفاؤل بعودة أهالي القرى ينذر بزوال الأزمة، وعودة الحياة لأكثر من 90 قرية مهجورة أو شبه مهجورة في الشريط الحدودي الإيراني- العراقي جنوب أربيل وشمال السليمانية".
عبد الرحمن النوري: لولا الضغط الإيراني لم تكن الحكومة العراقية لتفكر بالانتشار السيادي على جميع مناطقها
من جهته، اعتبر الناشط السياسي عبد الرحمن النوري، أن وصول بغداد إلى حدودها الدولية لأول مرة والسيطرة على أجزاء منها، يعود الفضل فيه إلى إيران. وقال لـ"العربي الجديد" إنه "لولا الضغط الإيراني لم تكن الحكومة العراقية الحالية ولا التي ستخلفها لتفكر بتطبيق دستور العراق والانتشار السيادي على جميع مناطقها، خصوصاً إقليم كردستان".
ورأى أن الاتفاق عزز سيادة وقوة بغداد على حساب أربيل وهو ما يفرضه الدستور العراقي، وسيكون لإيران فضل بذلك، بحسب قوله.
بدوره قال القيادي في "الاتحاد الوطني الكردستاني"، ثاني أكبر أحزاب إقليم كردستان، غياث السورجي، لـ"العربي الجديد"، إن "إبعاد الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة عن الشريط الحدودي تم بشكل حقيقي وليس إعلاناً فقط".
وأضاف أن تلك الأحزاب أرادت وطلبت نقل المقرات بعيداً عن الحدود مع ايران، بعد أن "أدركت جدية إيران في القضاء عليها بعمليات عسكرية برية أو جوية في حال عدم انسحابها".
تجاوب الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة
وأوضح السورجي أنه كانت هناك فكرة أخرى تتمثل بنقل الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة إلى خارج حدود إقليم كردستان- العراق، "لكن كان لتلك الأحزاب خشية من أن يكون مصيرها مشابهاً لما حدث لمنظمة مجاهدي خلق"، ولهذا أصرت على بقائها ضمن حدود الإقليم.
ولفت إلى أنه "تم نقل تلك الأحزاب لمناطق تبعد عن الشريط الحدودي عشرات الكيلومترات، داخل حدود الإقليم، من دون الكشف عن تلك المناطق لدواعٍ أمنية، خشية من أي استهداف".
وأشار السورجي إلى أنه "تم توزيع الأحزاب الكردية الإيرانية المعارضة في مناطق مختلفة، وهذا التواجد مؤقت وليس دائماً، لحين إكمال بناء مخيمات لجوء رسمية له من قبل الأمم المتحدة".
وأضاف أن "هذه المخيمات ستكون بإشراف مباشر من قبل الأمم المتحدة بالتنسيق والتعاون مع الحكومة العراقية الاتحادية، كما ستكون داخل حدود إقليم كردستان وليس خارجها".
وتستهدف هجمات إيرانية متكررة بلدات ومناطق حدودية عراقية في إقليم كردستان، تقول طهران إنها تؤوي مجموعات كردية تصنفها "إرهابية"، أبرزها حزب "حدكا"، وحزب "كوملة"، وحزب "بيجاك"، إضافة إلى منظمة "خبات".
وتنشط هذه القوى والأحزاب في مناطق وبلدات الشريط العراقي الإيراني الحدودي، وهي مناطق ذات تضاريس صعبة، أبرزها: مناطق جبال وقرى جومان، سيدكان، سوران، سيد صادق، خليفان، بالكايتي وقنديل وكويسنجق وحلبجة ورانيا، ضمن إقليم كردستان العراق، شمالي أربيل وشرقي السليمانية.
وتوجه اتهامات إيرانية لأطراف داخل إقليم كردستان بأنها توفر دعماً غير مباشر للأحزاب والجماعات الكردية المعارضة من باب التعاطف القومي الكردي.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني وديسمبر/كانون الأول الماضيين، نفّذ الحرس الثوري الإيراني هجمات جوية وصاروخية ومدفعية واسعة، استهدفت مقرات ومواقع مختلفة لجماعات إيرانية كردية معارضة، شرقي السليمانية وشمال غربي أربيل، أسفرت عن مقتل وجرح العشرات من أعضاء تلك الجماعات بالإضافة إلى مواطنين عراقيين، عدا عن وقوع خسائر مادية بممتلكات عامة، في تلك المناطق.