ختام زيارة ولي عهد الكويت إلى الصين: توقيع اتفاقات اقتصادية مع بعد سياسي مهم
ولي عهد الكويت يختتم زيارة اقتصادية ذات أبعاد سياسية للصين
أنهى ولي عهد الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، زيارته الرسمية إلى الصين يوم الأحد بعد عدة أيام من النشاطات التي كانت محملة بالجوانب الاقتصادية والتجارية. تم خلال هذه الزيارة توقيع عدة اتفاقات بين الجانبين، ورغم التركيز الأساسي على الجوانب الاقتصادية، إلا أنها لم تخل من أهمية بعض الجوانب السياسية.
تضمنت الاتفاقيات المبرمة خلال هذه الزيارة تعاونًا مهمًا في مشروع ميناء مبارك الكبير الذي يتم إنشاؤه حاليًا بالقرب من الحدود الشمالية للكويت مع العراق. وقال سعد البراك، نائب رئيس الوزراء ووزير النفط الكويتي، إن هذه الاتفاقيات تستهدف استكمال المشروع الذي تم إنجاز نحو 50% من مرحلته الأولى. وأضاف أنه يتعين الآن تسريع العمليات لبدء تشغيل الميناء في أقرب وقت ممكن.
وأشار البراك إلى خبرة الصين في مجالات البناء والتشييد وإدارة وتشغيل الموانئ، مما يجعلها شريكًا مثاليًا لتنفيذ هذا المشروع. وختم بالإشارة إلى أنه بعد توقيع مذكرة التفاهم، سيتم بدء المشروعات الفعلية والمفاوضات حول التفاصيل والتنفيذ.
كما شملت الاتفاقات أيضا التعاون في مجال الإسكان والمناطق الحرة والمناطق الاقتصادية وإعادة تدوير النفايات ومعالجة مياه الصرف الصحي والطاقة المتجددة وبيان مشترك بشأن الخطة الخمسية للتعاون الثنائي بين الدولتين للسنوات 2024 – 2028.
ولدى الدولتين علاقات ممتدة منذ أكثر من خمسين عاما إذ كانت الكويت أول دولة خليجية تقيم علاقات دبلوماسية مع بكين في 1971.
وخلال الزيارة التقى ولي عهد الكويت بالرئيس الصيني شي جين بينغ، وعقد الجانبان محادثات حول مجموعة من القضايا ذات الاهتمام المشترك، طبقا لوكالة الأنباء الكويتية الرسمية.
وهذا هو اللقاء الثاني بينهما بعد لقائهما الأول في الرياض في ديسمبر كانون الأول الماضي خلال القمة الصينية الخليجية بالرياض.
وأعلن قادة عالميون في سبتمبر أيلول اتفاقا للسكك الحديدية والموانئ يضم عدة دول ويربط الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وذلك على هامش قمة مجموعة العشرين في نيودلهي.
جاء الاتفاق في حينها مع سعي الرئيس الأمريكي جو بايدن لمواجهة مبادرة البنية التحتية العالمية الصينية الحزام والطريق وضمن جهود إدارته الرامية للوصول لاتفاق دبلوماسي أوسع نطاقا في الشرق الأوسط يشمل إقامة علاقات بين السعودية وإسرائيل.
وقال مسؤولون أمريكيون إن المشروع يهدف إلى ربط دول الشرق الأوسط من خلال السكك الحديدية وربطها بالهند من خلال الموانئ، مما يساعد على تدفق صادرات الطاقة والتجارة من الخليج إلى أوروبا، وذلك عن طريق تقليص أوقات وتكاليف الشحن واستخدام الوقود.
ولا يشمل المسار الهندي-الأمريكي الكويت التي ترغب منذ سنوات أن تكون مركزا للتبادل التجاري الإقليمي والدولي وجزءا من طريق الحرير الذي تسعى الصين لإحيائه، وتعول كثيرا في ذلك على ميناء مبارك الكبير الذي تبنيه منذ سنوات.
وقال الدكتور عايد المناع وهو أكاديمي وباحث سياسي إن المسار الهندي المقترح لا شك سيؤثر على التجارة التي يمكن أن تتدفق على ميناء مبارك الكبير، لكن التجارة العالمية الآن تتوسع بشكل كبير.
وأضاف المناع أن مشروع طريق الحرير الذي يمر بميناء مبارك الكبير يعتمد بشكل كبير على سماح العراق بفتح طريق سكك حديدية يصل إلى تركيا معتبرا أن الميناء الكويتي "سيواجه مشكلة" إذا لم تسمح بغداد بطريق السكك الحديدية المقترح.
من ناحيته قال ناصر النفيسي المدير العام لمركز الجمان للاستشارات الكويتي لرويترز إن الاتفاقية المتعلقة بميناء مبارك الكبير غير واضحة حتى الآن، معتبرا أن إدارة الصين للميناء ستحتاج إلى تشريع يمر عبر البرلمان الكويتي وقد يواجه تحديات حقيقية من النواب، كما أن الميناء يوجد في "منطقة حساسة".
وأضاف النفيسي أن الصين إذا أدارت الميناء فسيكون ذلك بمثابة "قفزة استراتيجية للعلاقات بين البلدين وإحياء لممر عالمي رئيسي تستفيد منه المنطقة والعالم".
وقال النفيسي إن الاتفاقات الكويتية الصينية لا تزال "إطارية" وتحتاج لفترة للتطبيق، مشككا في قدرة الجهاز التنفيذي الكويتي على متابعة تنفيذ بعض هذه المشاريع الكبيرة مع الصين.
ورغم أن علاقات الكويت الاقتصادية مع الصين ممتدة منذ عام 1965 عندما زار وزير المالية في حينها الشيخ جابر الأحمد الصباح بكين، تأتي جولة ولي العهد الأخيرة تناغما مع انفتاح خليجي على الصين التي تمتلك واحدا من أكبر الاقتصادات في العالم.
وترتكز العلاقات الاقتصادية بين الصين ودول الخليج في الأساس على المصالح في قطاع الطاقة، لكنها شهدت توسعا مع اتجاه المنطقة لتحسين البنية التحتية والتكنولوجيا والقطاع المالي ووسط التوترات الجيوسياسية الصينية الأمريكية.
وتشهد المنطقة تنافسا واضحا بين الولايات المتحدة -ذات العلاقات التقليدية والاستراتيجية مع دول الخليج- والصين التي تمكنت خلال السنوات القليلة الماضية من منافسة الولايات المتحدة في هذه المنطقة الحيوية.
وساهمت بكين مؤخرا في التوسط للتوصل إلى اتفاق مفاجئ بين السعودية وإيران لاستئناف العلاقات الدبلوماسية، الأمر الذي يعكس نفوذ الصين المتنامي في المنطقة وهو ما تراقبه واشنطن بحذر.
وقال المناع إن الكويت حليف للولايات المتحدة التي لعبت دورا رئيسا في تحريرها من الغزو العراقي "لكن الكويت تحاول قدر الإمكان أن يكون موقفها متوازنا مع الجميع".
وقال النفيسي إن الصين "متعطشة لاتفاقات استراتيجية طويلة الأمد مع دول المنطقة ولديها حماسة للمشاريع العملاقة، كما أن تكلفة المشاريع معها أقل وسرعة إنجازها أكبر وهذا ليس موجودا عند الغرب".