اياد علاوي في الحلقة الثانية مع "الشرق الأوسط": فأس النظام أدماني وتسللوا إلى المشرحة للتأكد من جثتي
في السبعينات غادر شابان العراق للابتعاد عن «السيد النائب» صدام حسين وآلته الأمنية القاتلة. اسم الأول نوري المالكي، وهو عضو في حزب «الدعوة» الذي اتخذ صدّام قراراً باقتلاعه من جذوره. واسم الثاني إياد علاوي، وهو عضو في حزب «البعث»، هاله ما شهده الحزب بفعل تقدم صدّام للسيطرة بالقوة على كل مفاصله تحت عباءة الرئيس أحمد حسن البكر. وسيتواجه الرجلان لاحقاً في عراق ما بعد الغزو الأميركي.
في 2010 دخلت مكتب رئيس الوزراء العراقي، وكان اسمه نوري المالكي. كان الحوار مفيداً. انتابني بعد خروجي منه شعور بأن عراق ما بعد صدام أنجب رجلاً قوياً لن يغادر موقعه الجديد ببساطة، كي لا نقول إنه لن يغادر إلا على رؤوس الحراب. واستوقفني أن الرجل الذي كان قد وقّع قرار إعدام صدام، وقف أمام جثة الأخير حين نقلها المنفذون إلى قرب منزله. قال المالكي في الحوار: «لم تكن أمنيتي إعدام صدام، فهذا خلاص له. الإعدام بحقه قليل لما ارتكبه من جرائم.
كان يجب أن يبقى سجيناً مُذَلاً ومهاناً كنموذج للديكتاتوريين؛ لكنها رغبة الناس وعائلات الشهداء... رأيته مضطراً بعد إعدامه، وبعد إلحاح من بعض الإخوة. وقفت أمام جثته نصف دقيقة، وقلت له: ماذا ينفع إعدامك؟ هل يعيد لنا الشهداء والبلد الذي دمرته؟».في تلك السنة عاش العراق أزمة طويلة مفتوحة حول تشكيل الحكومة الجديدة. المالكي يطالب بولاية ثانية، وعلاوي -وهو رئيس سابق للحكومة- يعتبر نفسه صاحب حق في ضوء نتائج الانتخابات النيابية. بعد 8 أشهر، كسب المالكي المبارزة، والأسباب كثيرة. دعم إيران الواضح للمالكي، وحرص الإدارة الأميركية على استرضاء إيران. يضاف إلى ذلك أن علاوي لم يأخذ بنصيحة أسداها إليه قائد «فيلق القدس» الجنرال قاسم سليماني. لم يأخذ أيضاً بنصيحتين له بزيارة إيران سمعهما من فلاديمير بوتين وبشار الأسد، في حين سمع الثالثة من الشيخ صباح الأحمد. تمسّك علاوي بموقفه الرافض «استجداء رئاسة الوزراء من الخارج»، وسيكشف -في حوار «الشرق الأوسط» معه- ما جرى في تلك اللقاءات، مُصدراً حكماً قاسياً على نائب الرئيس الأميركي آنذاك جو بايدن، ومناوراته لإبقاء المالكي في موقعه.
الخط العروبي العلماني
تمسّك علاوي بخطه «العراقي العروبي العلماني»، رافضاً التسليم بحق إيران في تشكيل المشهد السياسي، معتبراً أنها شاركت أميركا في تخريب العراق. وهكذا انقضت السنوات، ولم يزر علاوي إيران ولو لمرة واحدة، على الرغم من توليه منصب رئيس الوزراء ونائب رئيس الجمهورية ورئاسة كتلة نيابية كبيرة. وكان لافتاً عدم تردده في إبداء انتقادات صريحة للتدخلات الخارجية في الشأن العراقي، وبينها تدخلات أميركا وإيران.
ما كان لكل هذه الأسئلة أن تُطرح لو سارت الأمور فجر الرابع من فبراير (شباط) 1978 في لندن على النحو الذي أراده سيّد بغداد. في تلك الليلة نفّذت المخابرات العراقية أمراً من «السيد النائب» يقضي بـ«تهشيم رأس» إياد علاوي الذي استقال من الحزب، وبدأ يبحث عن التغيير في العراق من خارجه.
محاولة الاغتيال
سألت علاوي عن محاولة الاغتيال تلك، والتي لا تزال آثارها ماثلة في جسده. وسأتركه يروي.
سبقت المحاولة تهديدات كثيرة. تركتُ حزب «البعث» كلياً عام 1975. سلّمت التنظيمات التي كنت مسؤولاً عنها في 1974، وفي 1975 شكّلنا «الوفاق الوطني» بشكل سري، من دون أن نعطيه اسماً؛ إذ رأينا أن الأمور بدأت تنحرف عن جادة الصواب، سواء على الصعيد العربي أو العراقي والوطني. استمرت التهديدات والإغراءات من 1975 إلى 1978 عندما لعبوا لعبة قذرة جداً.
أرسلوا إليّ في لندن شخصاً سمّى نفسه «جهاد الدليمي». اتصل بي وقال إنه يريد أن نلتقي بشكل عاجل. كانت وردتنا، عبر جماعتنا وأصدقائنا وإخواننا، معلومات بأن هناك 13 شخصاً سيتعرضون للاغتيال: أنا، وطالب شبيب، وحازم جواد (الرجل الذي قاد استيلاء «البعث» على السلطة في 1963)، وتحسين معلا، وحميد الصايغ، وغيرهم. اغتيالات وتصفيات تتعلق بالحزب. قال «جهاد الدليمي»: أنا آتٍ إليك. لم أكن أعرفه، وأخذت حذري من الذهاب إلى المكان الذي كان يسكن فيه، وكان في فندق؛ لكنه بقي يلحّ إلحاحاً كبيراً، فظننت أن لديه قضية مهمة.
كان هذا قبل الاعتداء بشهر. أعطاني اسم الفندق الذي كان ينزل فيه في محلة إيرلز كورت (غرب لندن). اتصلت به من هاتف عمومي قبالة الفندق، فقال إنه موجود في الداخل. قلت له: خلال نصف ساعة أكون عندك؛ لكنني لن أستطيع أن أتأخر في اللقاء.
موضوع غريب
راقبت الفندق فلم أجد أي حركة مريبة. التقيته وفاتحني بموضوع غريب. شخص لا تعرفه يفاتحك بعملية انقلاب. وقال لي: أنا مبعوث من قبل أشخاص يهمونك ويعرفونك ويحترمونك، وسمّى لي منهم سعيد ثابت (رحمه الله) وكان بعثياً كبيراً. سألته: ماذا يريدون؟ قال إنهم يبحثون عن البعثيين الذين لهم شأن في الحزب، ويريدون التعاون معهم. قلت له: هل هذا كلام تتحدث به مع إنسان غريب مثلي بالنسبة إليك؟ اذهبوا وعدّلوا الأمور من داخل الحزب. قلت ذلك من أجل أن أتحاشى الموضوع. أنهيت الحديث بقولي له: أنا ليس لدي شيء أقدمه، ولست مستعداً للتآمر. أنا أعمل الآن في المجال الطبي ومتفرغ له.
تصلت بطالب شبيب، وكان حازم جواد عنده، وقال لي حازم: حصل معي الأمر ذاته، وضروري أن تخبر السفير العراقي أو مسؤول حزب «البعث» بالأمر. قلت له إنه إنسان بريء فكيف أُخبر عنه؟ لو كان بريئاً ولو بنسبة 1 في المليون فكيف أُخبر عنه؟ القصة أن شخصاً لا أعرفه جاء يفاتحني بانقلاب.
اتصلت بأحد أصدقائنا الذي كنت أدخلته إلى جهاز الأمن والمخابرات عندما كنت مسؤولاً في الحزب، اسمه نزار، هو الآن لاجئ سياسي في كندا، وقلت له: يا نزار، هل يمكن أن تتأكد ما إذا كان جهاز المخابرات أرسل إليّ أحداً؟ هل يمكن أن تتأكد لي من الأمر؟ علماً بأننا كنا نعمل بسرّية كبيرة.
«جهاد الدليمي»
بعد 10 أيام اتصل بي، وقال لي إن جهاز المخابرات أرسل لك شخصاً سمّى نفسه «جهاد الدليمي»، نسيت اسمه الحقيقي. تفاجأت بهذا الكلام رغم أنني كنت أتوقع ممارسات انتقامية. كلّمت أحد الإخوان وطلبت منه أن ألتقي مسؤول تنظيم الحزب في مقهى أحد الفنادق، واخترت فندق «غلوستر». التقينا، وقلت له: جاءني شخص مكلّف بأن يفاتحني بانقلاب، وأريد أن أعطيكم اسمه وصفاته. هو أسمر، ويقول إن اسمه «جهاد». فابتسم المسؤول وقال لي: تأخرت يا دكتور في إخبار الحزب. قلت له: أنا تركت الحزب، ولست موظفاً في الدولة، وأنا أعمل طبيباً. بعد شهر بالتمام جرت محاولة الاغتيال.
كان ذلك ليل 3- 4 فبراير 1978، في منطقة اسمها إبسوم في ساري (جنوب غربي لندن)؛ حيث كنت أقيم مع زوجتي الأولى التي توفيت رحمها الله. أصيبت بجرح بالغ خلال المحاولة. كنت في عملي في المستشفى ليلاً، ثم لبّيت دعوة عند أصدقاء أكراد، وكنا نتحدث في السياسة. عدت نحو منتصف الليل إلى البيت، وكنت متعباً. كنت معتاداً أن أبقي الستائر مرفوعة قليلاً، ويدخل من خلالها ضوء بسيط من الشارع. عند نحو الثالثة فجراً سمعت صوتاً، ففتحت عيني ورأيت شبحاً قرب سريري. توهّمت أنني أحلم. لكنني رأيت شيئاً يلمع متجهاً نحوي، فقلت: هذا ليس حلماً. ضربني الشبح فوراً في رجلي، وشعرت كأن ناراً دخلت فيها. الركبة اليسار لم أعد قادراً على تحريكها، وتلقيت ضربات وعضات في يدي، وتهشيماً بالأظافر في صدري، وشعرت بماء حار على رأسي. ماذا يجري؟ استمرت هذه المسألة نحو دقيقتين أو ثلاث دقائق، ثم أشعلت زوجتي الضوء، وأصيبت فوراً بهستيريا، وهجمت على هذا الشخص تلقائياً، وهو طويل ومدرب. (أورد علاوي اسم المهاجم كاملاً؛ لكن سنكتفي بنشر الأحرف الأولى، وهي: م.ع.ج). خلع المهاجم اثنتين من أسنان زوجتي بيده. استمررنا نتعارك وأنا ممسك بـ«الطبر» (الفأس) وأمنعه من استخدامها.
ماء حار
لكن الماء الحار الذي كنت أشعر به تبيّن أنه دم نتيجة ضربة في رأسي، والعظام خرجت من رجلي اليمنى، وأنا على هذه الركبة (اليسرى). ساهم هذا في إنقاذ حياتي بالنتيجة.
كنت خائفاً على زوجتي، بعدما تمكّن من أخذ «الطبر» ضربها على يدها، وبقيت معلّقة بالجلد فقط، فقلت لها أن تقفز وتتعلق برقبته بيدها السليمة، علماً بأنه طويل، بينما أنا جالس على الركبة، وكان «الطبر» متجهاً إلى رأسي. لكنني تمكنت؛ لأنه كان طويلاً وأنا في الأسفل، أن آخذ «الطبر» منه، بينما زوجتي تمكنت من التمسك برقبته وشدته إلى الوراء، حينها أمسكت «الطبر» من مقبضه وأخذته منه، وضربته به في رجله. استمر الأمر نحو 10 إلى 12 دقيقة، حينها اتجه إلى باب الغرفة ليغادر، فزحفت وقلت لزوجتي أن تبقى خلفي، ووصلت إلى «تواليت»؛ حيث أخذت عبوة عطر ورميتها عليه، فالتفت إليّ ليرى إن كنت ميتاً أو حياً، وكانت الدماء تغطي أرض الغرفة والجدران. وما إن التفت إليّ، وعرفت أن المسألة سياسية، شتمته وقلت له: «يا ابن الكذا... أنتم فعلتم ذلك لأنكم جبناء، ولكن إن أعطاني الله الحياة فسأقلع عيونك وعيون صدّام، وإذا مت فهناك من سيأخذ ثأري». عندها أدار رأسه وخرج لاعتقاده أنني لن أبقى حياً. لاحظت أنه كان برفقة شخص آخر على وسطه مسدس.
رحلة العذاب والعلاج
بعدما غادر، زحفت إلى الهاتف، واتصلت بالمستشفى، وقلت لهم إننا -أنا وزوجتي- أُصبنا إصابات بالغة، ولا نعرف إن كنا سنعيش أم سنموت، ويجب أن تخبروا الشرطة بهذا الاعتداء علينا. أرسلوا إلينا سيارة إسعاف، وكان بيتنا قريباً من المستشفى التي تعمل فيها زوجتي. في أقل من 5 دقائق وصلت الشرطة والإسعاف، ونقلونا فوراً إلى المستشفى، ووضعونا في غرفتين منفصلتين. قالوا لي إن جرّاحاً زائراً سيأتي ليجري لك الجراحة المطلوبة، وسنعطيك إسعافات أولية ريثما يصل. فقلت لهم: لا تفعلوا شيئاً حتى يأتي ابن عمي. أعطيتهم رقمه ليتصلوا به، وكان بيته قريباً. فقالوا: هل الوقت الآن وقت ابن عمك؟ قلت: نعم، اتصلوا به ليأتي. جعفر علاوي أصبح لاحقاً وزير الصحة في العراق. اتصلوا به وجاء مع زوجته وأخته، فقلت له: يا جعفر، اتصل بصلاح شبيب وتحسين معلا وحميد الصايغ، وقل لهم إن إياد ضُرب، وأنتم أسماؤكم مسجلة على جدول القتل، ولا نعرف إن كان إياد سيعيش أم سيموت؛ لكن خذوا حذركم بشدة. فقال لي: هل الآن وقتها؟ اذهب إلى غرفة العمليات. قلت له: اذهب واتصل بهم ثم عد إليّ.
وجوه كئيبة
نقلوني إلى غرفة للعناية المركزة بعد غرفة العمليات، وقطعوا عني أي اتصالات، حتى أهلي منعوهم من زيارتي. أبقوني ثلاثة أيام تحت المراقبة، إذ كانوا يخشون حصول نزيف في الدماغ. الحمد لله، لم يحصل نزيف. بعد ذلك، نقلوني إلى غرفة عادية، ورأيت كل الوجوه كئيبة. الأهل والأصدقاء قلقون وخائفون، ظننت أن زوجتي توفيت، فقلت لهم: خير إن شاء الله؟ هذا طريقنا، وصدام قرر أن يتعامل معنا بهذا الشكل، ماذا نفعل؟
في هذه الأثناء، قال لي شرطي كان موجوداً إن قضيتك سياسية، وسيأتي رئيس قسم مكافحة الإرهاب في «سكوتلانديارد»، جيم نيفل، ومساعده ورنوك، ليتوليا التحقيق فيها. وسألته عما يحصل، فقال لي: ألم يخبروك؟ قلت له: لم يخبرني أحد شيئاً. فقال لي: لقد تسللوا إلى مشرحة المستشفى، وتفقدوا الجثث هناك للتأكد من مقتلك. وعند الفجر بينما كان عمّال يحضرون جثة إلى المشرحة سمعوا وقع أقدام باتجاههم فهربوا.
ذهبوا إلى مشرحة المستشفى ليتأكدوا إن كنت قد قُتلت. خضعت لعلاجات وعمليات لمدة شهر في المستشفى، في ظل حماية مسلحة من شرطة مكافحة الإرهاب. بعد شهر، جاءتني الشرطة مع عدد من المدنيين، وسألوني إن كنت أتآمر على الحكم في العراق. الشرطة أجرت تحقيقات فظيعة. وجدوا ساعة المعتدي وآثاراً من دمه؛ لأنني كنت ضربته على رجله، وهو من صنف موجود بكثرة في العراق وغير موجود في إنجلترا. وجدوا ساعته المصنوعة في اليابان بشكل خاص للقصر الجمهوري العراقي. كانوا دقيقين. أخذوا بصمات أصابعه.
قال رجال الشرطة: نحن لا نستطيع أن نبقي لك حماية بشكل دائم، فيجب أن تغادر إلى مستشفى آخر، ولا يعرف هويتك الحقيقة سوى مدير المستشفى والطبيب المعالج، وتقول للآخرين إنك لبناني وجُرحت في الحرب الأهلية في لبنان. وكان لدي صديق أمون عليه، فطلبت منه أن يجد لي مستشفى آخر خارج لندن. نقلوني إلى مستشفى في منطقة غلوسترشاير؛ حيث خضعت لثلاث عمليات. الطبيب المعالج ومدير المستشفى فقط كانا يعرفان هويتي، والبقية قلت لهم إنني من لبنان وأُصبت في الحرب.
خضعت لجراحات متكررة، واستغرقت مدة العلاج سنة ونصف سنة. خلال الفترة الأولى أجروا لي عدة عمليات، ثم خضعت لعلاج طبيعي. زوجتي أصيبت في الفترة الأولى بانهيار عصبي. ثم أصيبت بالسرطان وتوفيت، رحمها الله.
برزان يشرف من باريس ويسخر
نجح المنفذون في المغادرة إلى فرنسا، وعادوا منها إلى العراق. طبعاً كانوا يسافرون بجوازات مزورة، وأحياناً بجوازات دبلوماسية. اللافت أن برزان التكريتي (أخ غير شقيق لصدام) جاء إلى باريس ليشرف على العملية من هناك. أبلغ صحافي بريطاني مهتم بشؤون العراق «سكوتلانديارد» أن برزان كان في باريس لهذا الغرض. ليلة العملية اتصل برزان بشقيقي عماد في بغداد نحو الثانية بعد منتصف الليل، قائلاً له: «ما أخبار الدكتور؟». فأجابه أخي بأني بخير، فأخذ برزان يقهقه بشكل هستيري، وقال: «سلامنا له»، ثم أقفل السمّاعة. أثار الاتصال قلق أخي، فحاول أن يكلّمني في اليوم التالي؛ لكنه لم يتمكن، وأبلغه ابن عمّي لاحقاً أن إياد وقع وكسر رجله، وسيكلمك بعد يومين.
فترة مزعجة ومتعبة
أمضيت سنة في المستشفى، لم أستطع أن أسكن في بيت أو أن أعمل في مستشفى، وجُلت على منازل أقربائي. البيوت الفارغة استخدمتها (للإقامة فيها). حقيقة، كانت فترة مزعجة ومتعبة.
سألت علاوي: لماذا لم يطلق المهاجمان النار عليه؟ فتابع روايته.
اعتقدا أنني سأموت بفعل النزف. الغرفة كانت كلها دماء. كان في التلفزيون البريطاني برنامج يظهر الجرائم البشعة، ومحاولة اغتيالي أظهروها على التلفزيون، وصور الفأس والدماء على الجدران. عندما وقعت الجريمة في فبراير كان الجو بارداً جداً، وأوقفت الشرطة كل أجهزة التدفئة في المنزل، ولكن عندما أصبح الجو دافئاً انفجرت الأنابيب، وغمرت المياه كل شيء في البيت، ولم تبقِ أي ورقة... كل هذه الأمور ظهرت في التلفزيون. كانت محاولة قتل جادة، وكلّفتهم أموالاً كثيرة، وفق ما عرفت لاحقاً.
المنفذ يسقط في الفخ
بعد سقوط النظام وعودتنا إلى بغداد، بلغني أن «م.ع.ج» موجود في تركيا. جاءني ضابط مخابرات عراقي وقال لي: هل تعرفه إن عُرضت صورته عليك؟ قلت: نعم. أراني صورته فعرفته، فقلت له: أين هو الآن؟ قال إنه في تركيا مكلّف من المخابرات العراقية بمتابعة المعارضة العراقية التي تخرج وتدخل من طريق الشمال، عبر كردستان، لكي يغتالهم، واسمك في المقدمة.
اتصلنا بتركيا، فقالوا: أنتم تعدمون وتقتلون، لن نسلمكم إياه. لاحقاً، جاء الأميركيون وقالوا لي إن أريناك صورة الشخص الذي ضربك، فهل تعرفه؟ قلت: نعم. فأروني صورته، وقالوا لي إنه في تركيا، ونقدر أن نفاتح الحكومة التركية ليسلمونا إياه. وصارت القضية بالشكل التالي: فاتحوا الحكومة التركية، وقالوا لها أن تطلب منه الرجوع لكي يأخذ تأشيرة أخرى، فقط عليه أن يدخل العراق ويغادره عبر جسر إبراهيم الخليل في معبر زاخو في كردستان. فقط تعبر وتعود إلى تركيا ونعطيك تأشيرة لمدة 5 سنوات. جماعة مسعود بارزاني، الأسايش- المخابرات، موجودون في المعبر. جاءتهم إشارة من الأميركيين، فاعتقلوه رأساً وأرسلوه إلى المعتقل في بغداد.
الأميركيون طلبوا مني أن أراه، فرفضت لئلا أفعل له أي شيء تحت تأثير الغضب. وكذلك قلت إنني أتنازل عن حقي الشخصي؛ لكن يبقى الحق العام الذي لا يمكنني أن أتنازل عنه.
غداً حلقة ثالثة